استمع إلى الملخص
- تواجه المفاوضات تحديات كبيرة، منها ضرورة توفير ضمانات تمنع الانقلاب على أي اتفاق مستقبلي، لكن من غير المرجح أن يوافق الكونغرس على اتفاقية ملزمة، مما يضعف احتمالية تحقيق هذه الضمانات.
- تثير المحادثات مخاوف إسرائيلية، حيث يُنظر إليها على أنها قد تقيد التحركات الإسرائيلية ضد إيران، مع تعقيد المشهد السياسي بسبب التنسيق الدولي المحتمل حول قضايا مثل تخزين اليورانيوم الإيراني.
ما انتهت إليه محادثات السبت في مسقط بين الإدارة الأميركية وطهران تجاوز توقعات واشنطن. ما تمخض عنها بدا وكأنه مقدمة لصفقة قريبة حول الملف النووي الإيراني. معه ارتسمت صورة متناقضة مع الخلفية التي حكمت علاقة الفريقين منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب في 2018، من اتفاقية 2015، ولغاية الأيام الأخيرة التي سبقت اجتماع الساعتين في العاصمة العُمانية. غابت لغة التهويل بالقوة، وحلّ مكانها الترحيب بهذا التطور الذي اعتبره البيت الأبيض "خطوة إلى الأمام"، وهذا ليس بتفصيل صغير في ضوء ما كان عليه الخطاب في السابق، كما ليس بتفصيل عابر أن يظهر الجانبان ما يكفي من الليونة والتراجع عن الشروط المسبقة لضمان عقد الاجتماع، مثل القبول بصيغة جمعت بين الحوار المباشر ولو لدقيقتين، وغير المباشر، وأيضاً مثل صرف الإدارة النظر عن مطالبة إيران بالنموذج الليبي واحتمال استبداله "بصيغة وسط ممكنة"، بتعبير المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف. والمعروف أن إيران لم تتنازل عن شرط التفاوض غير المباشر طيلة سنتي الحوار مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن، لكن الظروف اليوم مختلفة، وللظروف أحكام.
هذه التنازلات المتبادلة عكست الحاجة المشتركة إلى كسر الجليد وفتح باب المفاوضات ولو تحت عناوين غامضة، مثل "اللقاء" كما سمّته الإدارة الأميركية، أو "الاستكشاف" كما صنّفته طهران. وقد شجع ذلك على التفاؤل ولو المتحفظ بالتوصل إلى اتفاق جديد "وربما سريع"، صار من الواضح أنه الخيار المفضل لإدارة ترامب. لكن التحذير من وعورة الطريق ما زال العنوان العريض للردود الأميركية، ولو مع الإقرار بأن طهران اليوم "في ظل تراجع أوضاعها الإقليمية وصعوباتها الداخلية الضاغطة، مضطرة لتسوية".
ربما من هنا كان طرح الإدارة في الآونة الأخيرة لمشروع اتفاق "حزمة"، يشمل إلى جانب النووي، موضوع الترسانة "الصاروخية الإيرانية، ووقف دعم إيران لأذرعها في المنطقة"، لكن من غير الواضح ما إذا كانت جادة بخصوص البنود الثلاثة، أم أن بعضها مطروح كورقة ضغط لانتزاع اتفاق نووي صارم. "إيران لا تقبل بضم موضوع الصواريخ" إلى الاتفاق، يقول فالي نصر، الأستاذ في كلية الدراسات الدولية العليا في جامعة جون هوبكنز بواشنطن. والمذكور أميركي إيراني، محسوب على ما يسمّى باللوبي الإيراني النخبوي في واشنطن. وأضاف في مقابلة معه، الأحد، أن موضوع الأذرع "ليس بنداً هاماً"، مشدداً على احتمال "أن تصرّ إيران على المضي بالعملية خطوة خطوة، ولعدة سنوات، بحيث تتجذر الصفقة قبل أن يأتي أحدهم الى البيت الأبيض ويقرر شطبها"، في إشارة إلى ما فعله ترامب في 2018. ضمناً، هو يشير إلى مطلب إيراني محتمل بضرورة توفير ضمانات هذه المرة، بحيث لا تتعرض أي صفقة متوقعة إلى الانقلاب عليها لاحقاً.
ومثل هذه الضمانة لا تتوفر إلا إذا أقر الكونغرس أي اتفاقية نووية مع إيران، وبما يجعلها بمثابة معاهدة ملزمة للدولة الأميركية، وخاصة أن الاتفاق هذه المرة سيكون مع أميركا حصراً، دون الأوروبيين. وإيران تعرف أن بإمكان الرئيس ترامب أن ينتزع مثل هذه الموافقة من الكونغرس الحالي، بحكم سيطرة الجمهوريين على مجلسيه، لكن هذا الاحتمال بعيد ونظري أكثر مما هو عملي. والمتوقع أن إيران بقدر ما تعتزم التشديد على الضمانات، بقدر ما تحرص على ألا تربط مصير الاتفاق بهذا المطلب الذي قد ينسف الاتفاق الذي تسعى إليه.
لكن هناك خطراً آخر يهدده، وقد بدأت ملامحه تتبلور منذ وُضع هذا الملف على نار حامية، وبالتحديد منذ وضعه الرئيس ترامب بعهدة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف. قبل حوالي 3 أسابيع، وبالتحديد في 19 مارس/آذار الحالي، أدلى الدبلوماسي والمبعوث الخاص السابق إليوت أبرامز بتصريح حاول فيه إثارة الشكوك حول مهمة المبعوث، من باب أنه "لا يعرف أي شيء عن تفاصيل هذا الموضوع". والمذكور الذي يُعتبر من أبرز صقور إسرائيل في واشنطن، يتحرك عادة على إيقاع الموقف الإسرائيلي الذي لا تُخفى تعابيره المتوترة هذه الأيام، ومنذ أن أخذ الملف النووي الإيراني شحنة الزخم الأخيرة، مع إعلان الرئيس ترامب عن خيار الحوار مع طهران، وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانبه الأسبوع الماضي. وكذلك، شاركت أوساط أخرى من الطينة نفسها في العزف على هذا الوتر، لتأليب المعنيين على هذا الخيار. "ويتكوف الذي يتولى ملفات أخرى مثل غزة وأوكرانيا، من المشكوك فيه أن يقوى على النهوض بملف آخر مثل مفاوضات النووي الإيراني"، يقول إيريك آدلمن، معاون وزير الدفاع سابقاً. وبعد مسقط، رفع أبرامز منسوب الدس على الحوار، من زاوية تصويره بأنه "قد يكبّل أميركا وإسرائيل بإدخالهما إلى تفاوض خادع يحمل ويتكوف على الاعتقاد بأنه يحقق الكثير، وبما يؤدي إلى لجم إسرائيل ومنعها من القيام بأي عمل ضد إيران".
كلام هذه الأوساط يعكس تقديرها بأن المفاوضات يجري وضعها على سكة الصفقة. وكانت زيارة ويتكوف إلى موسكو عشية اجتماع مسقط مؤشراً آخر في هذا الخصوص. وربما ذهب للتشاور مع الروس في عدة أمور متعلقة بهذا الموضوع، ربما كان من بينها موضوع تخزين اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب، فيما لو تمت الصفقة، وذلك على غرار ما تم في صفقة 2015. كل ذلك أثار مخاوف من أي تحرك إسرائيلي عسكري أو سياسي لعرقلة مشروع المفاوضات، ولو أن الاعتقاد بأن نتنياهو لا يقوى على التلاعب مع الرئيس ترامب، لكن تخريبه قد يتخذ أشكالاً عدة، منها غير العلني أو غير المرئي، وهذا احتمال قائم مع ما قد ينطوي عليه من اختبار لرئاسة ترامب في تعاملها مع مثل هذا التحدي.