محادثات أميركية روسية في الرياض

17 فبراير 2025
جنود أوكرانيون على جبهة دونيتسك، 6 فبراير 2025 (سيرغي نوجنينكو/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مع اقتراب الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاهم مع روسيا، مما يثير مخاوف من تنازلات أوكرانية كبيرة. في المقابل، يقوم الرئيس الأوكراني زيلينسكي بجولة في الشرق الأوسط للحصول على معلومات حول المحادثات الأميركية الروسية.

- الدول الأوروبية تحاول استعادة دورها في الملف الأوكراني، مع استعداد بعض الدول لنشر قوات في أوكرانيا رغم غياب الإجماع. تُعقد محادثات أميركية روسية في الرياض لبحث العلاقات الثنائية والحرب في أوكرانيا.

- زيلينسكي يزور تركيا والسعودية لتعزيز التعاون، بينما تواجه أوروبا تحديات في توحيد موقفها بشأن نشر قوات. بريطانيا مستعدة لإرسال قوات، والسويد تدعو لاتفاق سلام عادل.

قبل أيام من الذكرى السنوية الثالثة لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، اتخذت الحرب الأوكرانية مساراً جديداً، مع دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب عن طريق التفاهم مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مستثنياً أوكرانيا والدول الأوروبية التي بدت في الأيام الماضية في موقف المتفرج، وسط مخاوف من إجبار كييف على تقديم الجزء الأكبر من التنازلات، مع ما يتضمنه ذلك من تخلٍ عن أراضيها، لا في شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في عام 2014 فحسب، بل أيضاً في شرق البلاد، خصوصاً إقليمي لوغانسك ودونيتسك، فضلاً عن أجزاء من خيرسون وزابوريجيا. وبينما يستعد المسؤولون الأميركيون والروس لعقد محادثات أميركية روسية تبدأ غداً الثلاثاء في السعودية، تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين من جهة، وبالحرب الروسية على أوكرانيا من جهة أخرى، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجول في الشرق الأوسط، مع زيارته الإمارات، اليوم الاثنين، على أن يزور تركيا غداً الثلاثاء، والسعودية بعد غد الأربعاء، على أمل أن يتم اطلاعه على بعض مما يدور في المحادثات بين واشنطن وموسكو.

كذلك سعى قادة أوروبيون لاستدراك تجاوز الروس والأميركيين لهم في الملف الأوكراني، عبر إعراب بعض الدول الأوروبية عن استعدادها لنشر قوات في أوكرانيا، وذلك على هامش قمة أوروبية طارئة عُقدت اليوم الاثنين، في باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك على الرغم من غياب الإجماع الأوروبي حول هذا الأمر. ومع أن التقارب الأميركي ـ الروسي بشأن أوكرانيا أبعد الأوروبيين عن طاولة المفاوضات، غير أنه كان أمراً متوقعاً، وهو ما تجلى بوصف رئيس مؤتمر ميونخ للأمن كريستوف هويسغن الحدث، الذي عُقد بين يومي الجمعة والأحد الماضيين، بأنه "كابوس أوروبي إلى حد ما". وأضاف في حديثٍ لإذاعة "زد دي أف" العامة الألمانية، أن المؤتمر قدم شروحاً كثيرة. واعتبر أنه في ما يتعلق بالمفاوضات المحتملة للسلام بين روسيا وأوكرانيا "يجب على أوروبا أن تقف مع بعضها. نحتاج إلى إظهار المزيد من القوة". وأضاف: "أوروبا لا تريد فقط أن تجلس إلى الطاولة خلال المفاوضات، بل يجب عليها أيضاً تطوير خطة أمنية خاصة بها بشأن أوكرانيا". وحُسمت في الساعات الماضية مسار إجراء محادثات أميركية روسية مقررة غداً الثلاثاء في الرياض.

محادثات أميركية روسية

وسيمثل واشنطن وفد مؤلف من وزير الخارجية ماركو روبيو الذي وصل إلى الرياض اليوم الاثنين، في إطار جولته في المنطقة والتي بدأها من إسرائيل، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، فيما سيمثل وفد موسكو وزير الخارجية سيرغي لافروف، ويوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال لافروف قبل توجهه إلى الرياض إنه في مكالمتهما الهاتفية الأسبوع الماضي "اتفق بوتين وترامب على ضرورة ترك العلاقات غير الطبيعية تماماً وراءهما"، مضيفاً أن "الرئيسين اتفقا على ضرورة استئناف الحوار". واستبعد لافروف، اليوم الاثنين، تقديم أي تنازلات عن أراض لأوكرانيا، في إشارة إلى تمسك موسكو بشبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون. وقال لافروف إن الحديث لن يتطرق لأي تنازل عن أراض لأوكرانيا. وأضاف "قدمت القيادة السوفييتية تنازلات عن أراض لما يسمى الآن أوكرانيا خلال تشكيل اتحاد الجمهوريات السوفييتية"، منتقداً محاولة من أوكرانيا لإبرام اتفاق يمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى ثروات معدنية. واعتبر لافروف أنه لا يرى دوراً لأوروبا على طاولة التفاوض، وأضاف "إذا كانوا سيطرحون أفكاراً عن تجميد الصراع، وهم في أنفسهم... يفكرون في استمرار الحرب، فلماذا ندعوهم؟".

لافروف يستبعد تقديم موسكو أي تنازلات لكييف عن أراض... ويرفض منحها واشنطن حق الوصول إلى ثروات معدنية
 

من جهته، أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، اليوم الاثنين، أن مسار إجراء محادثات أميركية روسية "سيخصص أيضاً للتحضير لمفاوضات محتملة لتسوية الوضع في أوكرانيا وتنظيم اللقاء بين الرئيسين (ترامب وبوتين)"، المتوقع في نهاية الشهر الحالي في الرياض أيضاً. ورأى بيسكوف في إحاطة صحافية، أن الرياض مكان مناسب لإجراء محادثات بين الجانبين، لافتاً إلى أن موسكو أفرجت عن المواطن الأميركي كالوب واين بايرز، الذي احتُجز لفترة وجيزة في مطار موسكو، الجمعة الماضي، بعد اتهامه بالسفر إلى روسيا ومعه حلوى صمغية من الحشيشة، مشيراً إلى أنه "بما أنه ستتم مناقشة إحياء العلاقات... يمكن رؤية هذه الأحداث في هذا السياق". وسبق للروس والأميركيين أن أجروا عملية تبادل سجناء في الأسبوع الماضي، ساهمت في بروز مؤشرات إيجابية على العلاقات بينهما، والتحضير للقاءات الثنائية بما فيها إجراء محادثات أميركية روسية بين وفودهما. بدوره، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، أن وفداً أميركياً سيلتقي مسؤولين روساً في الرياض، غداً الثلاثاء. وأكد مصدر مقرب من الحكومة السعودية لوكالة فرانس برس، اليوم الاثنين، الاجتماع المقرر غداً. كذلك كشف مصدر في الرياض لوكالة رويترز، أن رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي كيريل دميترييف، سيشارك في لقاء مع وفد أميركي في السعودية، غداً الثلاثاء، للتركيز على تعزيز العلاقات وزيادة التعاون الاقتصادي. وتلقى دميترييف تعليمه في جامعتي هارفارد وستانفورد في الولايات المتحدة، وعمل في مصرف "غولدمان ساكس" و"ماكنزي" الأميركيين. وسبق له أن أدى دوراً في الاتصالات المبكرة بين موسكو وفريق ترامب في الولاية الأولى للأخير (2017 ـ 2021).

بدوره، أكد روبيو، مساء الأحد، أن أوكرانيا وأوروبا ستشاركان في أي "مفاوضات حقيقية"، مهوناً من مخاوف الأوروبيين بشأن استبعادهم من محادثات أميركية روسية مقررة في الرياض. وفي حديث لشبكة "سي.بي.إس" قال روبيو إن عملية التفاوض لم تدخل مرحلة جادة بعد، وإذا أحرزت المحادثات تقدماً فسيتم إشراك الأوكرانيين وأوروبيين آخرين. وتابع" "في النهاية سنصل إلى نقطة، إذا كانت المفاوضات جادة، ولم نصل لها بعد، لكن إن حدث ذلك فسيكون على أوكرانيا المشاركة لأنها هي التي تعرضت للاحتلال (من روسيا) وسيكون على الأوروبيين المشاركة لأنهم فرضوا عقوبات على بوتين وروسيا أيضاً".

وأضاف "لم نصل إلى تلك المرحلة بعد". من جهته، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن كييف لن تعترف بأي اتفاق روسي أميركي يتم التوصل إليه في محادثات أميركية روسية دونها، مشيراً إلى عدم"مشاركة بلاده في محادثات أميركية روسية في السعودية"، وذلك خلال زيارته الإمارات، اليوم الاثنين. وأوضح الرئيس الأوكراني أنه أجرى "محادثة مثمرة مع الرئيس محمد بن زايد آل نهيان في أبوظبي"، وأن الجانبين وقعا وثيقة للتعاون الاقتصادي وناقشا قضايا إنسانية.

ومن المرتقب أن يزور زيلينسكي، تركيا غداً الثلاثاء، لإجراء محادثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان، حسبما كشف رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون على منصة إكس، مشيراً في بيان إلى أن الزعيمين سيناقشان خطوات "لتعزيز التعاون بين البلدين". ومن المقرر أن يزور زيلينسكي السعودية، الأربعاء، في إطار زيارة رسمية "مخطط لها منذ فترة طويلة"، حسبما كشف المتحدث باسمه سيرغي نيكيفوروف. ومساء الأحد، كشف زيلينسكي في مقابلة مع شبكة "أن بي سي نيوز" الأميركية، أن بلاده خسرت أكثر من 46 ألف جندي في الحرب ضد روسيا، مشيراً إلى أن نحو 380 ألف جندي أوكراني أصيبوا، وأن عشرات الآلاف من الأوكرانيين فُقدوا أو أُسروا في الحرب، إضافة إلى اختطاف 19500 طفل قسراً إلى روسيا. وفي تقييمه لمبادرات ترامب لإنهاء الحرب، قال زيلينسكي إن ترامب يعتقد أنه لديه القدرة على إجبار بوتين على إجراء محادثات سلام. وأكد أن أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا، يجب أن تكون حاضرة على الطاولة في أي محادثات أميركية روسية محتملة لإنهاء الحرب بصورة عادلة. وأردف: "لن نقبل بأن تكون أراضينا المحتلة أراضي روسية. لن نفعل هذا أبداً".


زيلينكسي يجول في المنطقة بحثاً عن دور... وتوسك يقرّ بأن أوروبا "غير قادرة" على مواجهة الإمكانات العسكرية الروسية

في هذه الأثناء، حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، اليوم الاثنين، من أن أوروبا عند "نقطة تحول"، وذلك لدى وصولها إلى العاصمة الفرنسية، لحضور اجتماع طارئ للقادة الأوروبيين، دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تواصل مع ترامب قبل بدء القمة الأوروبية. وذكرت فون ديرلاين على منصة إكس، أن "أمن أوروبا عند نقطة تحول. نعم، يتعلق الأمر بأوكرانيا، لكنه يتعلق بنا أيضاً. نحن بحاجة إلى التحلي بعقلية تدرك مدى إلحاح الوضع. نحتاج إلى زيادة في الدفاع". مع ذلك، لم يتمكن الأوروبيون من الخروج بموقف موحّد بشأن نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، وذلك بعد ممانعة بولندية، عبّر عنها رئيس الوزراء دونالد توسك. وفي القمة التي شارك فيها قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدنمارك والمجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية وحلف شمال الأطلسي، أكد توسك أن وارسو لن ترسل قواتها إلى كييف، لكنه شدّد على ثبات الدعم البولندي لأوكرانيا المجاورة، خصوصاً في الأطر اللوجستية والمالية والإنسانية والعسكرية". كذلك، اعتبر توسك أن أوروبا "غير قادرة" على مواجهة الإمكانات العسكرية الروسية، وحض القادة الأوروبيين في باريس على تعزيز الدفاعات الأوروبية "فوراً".

معارضة إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا

في برلين، أكد مصدر ألماني لوكالة فرانس برس، اليوم الاثنين، أن ألمانيا تعارض إرسال قوات إلى أوكرانيا في أي مهمة أوروبية مستقبلية لحفظ السلام إذا كان ذلك من دون تدخل أميركي. وجاء موقف المصدر، بعد ساعات على إعلان وزارة الدفاع الألمانية أن برلين لن تنأى بنفسها عن المشاركة في قوات برية في أوكرانيا، إذا تم التوصل لإطار عمل لمثل تلك الخطوة. كذلك، أعرب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الأحد، عن "استعداد ورغبة" بريطانيا في إرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا لحفظ السلام. وجاء ذلك في مقال كتبه لصحيفة ذا تليغراف البريطانية، مؤكداً فيه أن بلاده يمكن أن تلعب دور "جسر فريد" بين أوروبا والولايات المتحدة في عملية السلام في أوكرانيا. وأضاف: "بريطانيا مستعدة للعب دور قيادي في توفير الضمانات الأمنية لكييف. وهذا يشمل زيادة الدعم للجيش الأوكراني". وأردف: "تعهدت بريطانيا بتقديم ثلاثة مليارات جنيه إسترليني (نحو 3.78 مليارات دولار) من المساعدات العسكرية (لأوكرانيا) كل عام حتى عام 2030. ولكن هذا يعني أيضاً أننا مستعدون وراغبون في إرسال قواتنا إلى الميدان إذا لزم الأمر".

من جانبها، لم تستبعد وزيرة الخارجية السويدية ماريا مالمر ستينيغارد، إرسال قوات سويدية إلى أوكرانيا "إذا لزم الأمر". وقالت في حديثٍ لإذاعة سفيريس العامة: "علينا أولاً أن نُفاوض على اتفاق سلام عادل ومستدام ويحترم القانون الدولي... عندما نتوصل إلى اتفاق سلام مماثل، ينبغي الحفاظ عليه، ولهذا السبب فإن حكومتنا لا تستبعد أي شيء". وكان مسؤولون في الإليزيه قد ذكروا، اليوم الاثنين، أن الهدف الرئيسي من القمة "هو السعي إلى الاتفاق بشأن الإجراءات الملموسة التي يجب على الحكومات الأوروبية اتخاذها، بما في ذلك إحراز تقدم بشأن الإنفاق الدفاعي". وقال أحد المستشارين لـ"فرانس برس": "نعتبر أنه في ضوء تسارع الوضع في أوكرانيا وبالنظر أيضاً إلى ما قاله القادة الأميركيون، هناك ضرورة للأوروبيين لفعل المزيد وبشكل أفضل وبطريقة متماسكة من أجل أمننا الجماعي".

(العربي الجديد، قنا، الأناضول، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)