محادثات أميركية روسية حاسمة بشأن أوكرانيا

محادثات أميركية روسية حاسمة بشأن أوكرانيا

02 ديسمبر 2021
بلينكن: "أدلة" تُثبت أن روسيا تعتزم مهاجمة أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

استبقت موسكو وواشنطن الاجتماع الحاسم بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي أنتوني بلينكن في استوكهولم اليوم الخميس، بوضع شروط من أجل تخفيف حدة التوتر الدائر بين روسيا من جهة والدول الغربية من جهة ثانية بشأن التطورات العسكرية على الحدود مع أوكرانيا، ظهرت خصوصاً في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأربعاء والتي اقترح خلالها بدء مفاوضات جوهرية لتحقيق ضمانات قانونية بعدم توسع الناتو شرقاً باتجاه حدودها.

وتذكّر التوترات المتصاعدة حالياً بأزمة سابقة اندلعت في إبريل/ نيسان الماضي، عندما نشرت روسيا عشرات آلاف الجنود على الحدود الأوكرانية للقيام بـ"تدريبات عسكرية" رداً على أنشطة "مهددة" لحلف الأطلسي. وبعد أسابيع من التوترات، أعلنت موسكو في النهاية حينها سحب قواتها.

وتحدث بلينكن، في ختام اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي في ريغا، عاصمة لاتفيا، أمس الأربعاء، عن "أدلة" تُثبت أن روسيا تعتزم شنّ هجوم على أوكرانيا، وذلك بعد أن كانت موسكو أعلنت انطلاق تدريبات عسكرية قرب الحدود مع أوكرانيا، متهمة كييف بحشد نحو نصف جيشها بالقرب من منطقة دونيتسك شرق البلاد.


قلق أميركي من تحركات عدوانية روسية

وأعلن بلينكن أن الولايات المتحدة قلقة للغاية من "الأدلة" على أن روسيا وضعت خططاً لتحركات عدوانية كبيرة ضد أوكرانيا، مضيفاً أن خطط روسيا تشمل جهوداً لزعزعة استقرار أوكرانيا من الداخل، فضلاً عن عمليات عسكرية واسعة النطاق. وقال: "في الأسابيع الأخيرة، كثّفت روسيا التخطيط لعمل عسكري محتمل في أوكرانيا، بما في ذلك نشر عشرات الآلاف من القوات القتالية الإضافية قرب الحدود الأوكرانية". وأعلن بلينكن أنه سوف يبلغ لافروف اليوم أن على روسيا سحب التعزيزات العسكرية على الحدود الأوكرانية، محذراً من أن أي عدوان على أوكرانيا سيقابل بمجموعة من التدابير الاقتصادية "ذات التأثير العالي كنا امتنعنا عن استخدامها في الماضي".

بدأت القوات الروسية مناورات على الحدود مع أوكرانيا

وأعلن بلينكن، والذي سيلتقي اليوم أيضاً وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفكر في غزو أوكرانيا، معتبراً أنه يتعيّن على الولايات المتحدة الاستعداد لجميع حالات الطوارئ، بالرغم من أنه أشار إلى أنه من غير المعروف ما إذا كان الرئيس الروسي قد اتخذ قرار غزو أوكرانيا. وأضاف بلينكن أن هناك "تضامناً هائلاً" داخل حلف شمال الأطلسي في إطار الاستعداد لاتخاذ إجراءات قوية إذا غزت روسيا أوكرانيا. لكنه أشار إلى أن "هناك مساراً دبلوماسياً يمكن اتباعه ولا نسعى للمواجهة"، داعياً إلى العودة للعمل باتفاقية مينسك، الموقعة في عام 2015.

من جهته، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ روسيا من استخدام القوة مع جارتها أوكرانيا. وقال، لوكالة "رويترز"، إن موسكو تعلم أنها ستدفع ثمناً باهظاً لأي عدوان تشنه، عبر فرض عقوبات عليها وإجراءات أخرى سيتخذها الغرب.
 

رفض روسي لمفاوضات مع أوكرانيا

وفي حين دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطاب أمام البرلمان في كييف، إلى "مفاوضات مباشرة" مع روسيا بهدف "وقف الحرب" في شرق بلاده، فإن موسكو، التي تنفي تقديمها أي دعم للانفصاليين، بدت وكأنها ترفض هذه الدعوة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، رداً على تصريحات زيلينسكي، إنها "حرب أهلية. لا يمكن وقفها إلا من خلال مفاوضات بين الأوكرانيين".

من جهته، انتقد لافروف "السياسية المدمّرة" التي تنتهجها دول حلف الأطلسي التي "تسعى إلى جذب أوكرانيا إلى مدارها وتحويلها لدولة مناهضة لروسيا". وحذّر من أن موسكو "ستواصل الردّ على أي خطوة غير ودّيّة". واعتبر أن مناطق تمركز القوات الأوكرانية تبدو "مثيرة للقلق"، مضيفاً أنه سيثير القضية في الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في استوكهولم اليوم الخميس.

وانتقد لافروف أوكرانيا مجدداً لفشلها في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق 2015 للسلام الموقع في مينسك بوساطة فرنسية وألمانية. وقال: "أصبحت كييف أكثر جرأة في انتهاكها لاتفاقيات مينسك وتجاه روسيا الاتحادية وفي محاولاتها استفزاز الغرب لدعم طموحاتها العسكرية".

أما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فأكد خلال مراسم اعتماد سفراء جدد في موسكو أن بلاده ستتخذ إجراءات عسكرية-تقنية مناسبة، رداً على استفزازات الأطلسي. وشدد على أن موسكو ستؤكد تمسكها بعدم السماح بتوسع الناتو شرقاً باتجاه الحدود الروسية. وأعلن أن روسيا تقترح بدء مفاوضات جوهرية لتحقيق ضمانات قانونية بعدم توسع الناتو شرقاً باتجاه حدودها.

مناورات روسية على الحدود الأوكرانية

وفي مؤشر على أن التوترات مستمرة، اتّهمت روسيا أوكرانيا بـ"تعزيز قدراتها العسكرية، عبر استقدام معدّات ثقيلة وعناصر" إلى شرق البلاد. وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أمس، أن كييف نشرت على حدودها 125 ألف جندي، أي "نحو نصف القوات المسلحة الأوكرانية".

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس، أنها بدأت مناورات عسكرية شتوية دورية في منطقتها العسكرية الجنوبية، والتي تقع أجزاء منها على الحدود مع أوكرانيا، موضحة أن عشرة آلاف جندي انتقلوا إلى مواقع التدريب في جميع أنحاء المنطقة. وأشارت إلى أن المناورات ستجرى أيضاً في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في 2014، وفي منطقة روسية أخرى على الحدود مع دونباس الواقعة في شرق أوكرانيا. وذكرت وزارة الدفاع أن المناورات، والتي ستشارك فيها وحدات المشاة الآلية، ستجرى في أكثر من 30 ساحة تدريب في ست مناطق مختلفة.

لا مستفيدين من النزاع 

وحذر مدير المركز الأوكراني للتحليل وإدارة السياسات، رسلان بورتنيك، من أن التوتر الحالي على الحدود الروسية الأوكرانية قد يترجم إلى حرب مفتوحة بلا مستفيدين منها، معتبراً، في الوقت ذاته، أن الإدارة الأميركية تملك الأدوات اللازمة للتأثير على الوضع. وقال بورتنيك، لـ"العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "تم خلق توتر عسكري - سياسي كبير على الحدود الأوكرانية، وتم تركيز القوات من الجانبين. وينمّي الشركاء الغربيون، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، مساعدتهم لأوكرانيا، التي تقوم بتعبئة قواتها ورفع درجة جاهزيتها. يجرى ذلك على خلفية لهجة سياسية حادة، ما قد يؤدي إلى تحول أي استفزاز، أو خطأ، أو عمل عسكري، أو سياسي غير مدروس إلى حرب".

وقلّل بورتنيك من واقعية وجود مستفيدين من التصعيد الحالي. وأضاف: "في الواقع، يؤثر ذلك سلباً على إصدار التراخيص اللازمة لتشغيل مشروع السيل الشمالي 2، ويزيد من عزلة روسيا، ويصعّب على إدارة بايدن التوصل إلى تفاهم مع بوتين، ومواجهة محاولات خصومه في الكونغرس اتخاذ قرارات بفرض عقوبات على السيل الشمالي 2، وعدم الاعتراف ببوتين رئيساً بعد عام 2024. في المقابل، تتم زيادة الدعم العسكري - التقني لأوكرانيا، وتركيز القوات الغربية على أراضيها، ما يؤدي إلى مثل هذا التصعيد. وللأسف قد يؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى حرب كبرى في أوكرانيا واحتلال أراضيها وتقسيمها".

ومع ذلك، أقر بورتنيك بأن الوضع الراهن يعزز مواقف بايدن التفاوضية مع بوتين. وأوضح: "يشكل هذا التصعيد حجة إضافية لضرورة الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا، ويخلق الخلفية المؤاتية لبايدن للتفاوض مع بوتين للحديث معه عن السلام ومنع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بدلاً من الاتفاقات الاقتصادية أو السياسية حول قضايا، مثل السيل الشمالي 2. لذلك تتوفر لدى بايدن والإدارة الأميركية كافة الأدوات والفرص لمنع هذا التصعيد، ولكن ذلك سيتطلب وضع اتفاقات استراتيجية جديدة مع روسيا، بما يضمن تقسيم مناطق النفوذ، إلا أن تحقيق هذا الأمر سيكون صعباً للغاية، نظراً للمعارضة الداخلية الأميركية القوية لبايدن وروسيا".

أعلن لافروف أن موسكو ستردّ على أي خطوة غير ودّيّة

ومن اللافت أن التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية جاء متزامناً مع مجموعة من الأزمات التي تواجهها كييف في مجالات الطاقة والاقتصاد، ومواجهة جائحة كورونا، وحتى السياسة الداخلية، في ظل إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه جرى التخطيط لمحاولة انقلاب، مع توريط أثرى رجال أعمال أوكرانيا، رينات أخميتوف، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي، ما ينذر بأعمق أزمة سياسية في البلاد منذ بدء ولاية زيلينسكي في 2019.

عاصفة متكاملة الأركان بأوكرانيا

وقال بورتنيك: "تواجه أوكرانيا اليوم عاصفة سياسية متكاملة الأركان، وسط تزامن الأزمات الوبائية والاجتماعية - الاقتصادية، وملامح أزمة في مجال الطاقة والانقسام العميق في النخب السياسية في ظل اتحاد بضعة طواغيت مال (الأوليغارشيا) لمواجهة الرئيس، بينما يهدده بعض السياسيين الرئيسيين بخروج تظاهرات حاشدة. لذلك يجب قراءة تصريح زيلينسكي حول الانقلاب بمثابة تحذير لخصومه الداخليين".

وفي موسكو، رأى أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن زيلينسكي يحتاج في الظروف الحالية الصعبة إلى "عمل استفزازي" على الحدود، يسمح له باتهام خصومه بالعمالة لصالح روسيا. وحذر من محاولات الرئيس الأوكراني توريط واشنطن في المواجهة مع موسكو. وقال كوكتيش، لـ"العربي الجديد": "من ناحية، لا تريد الولايات المتحدة الانسحاب من الملف الأوكراني، كونه سيثبت أن انسحابها من أفغانستان لم يكن حالة فردية، ولكنها غير قادرة، من ناحية أخرى، على التحكم بشكل كامل بزيلينسكي، الذي اعتاد على تقديم مفاجآت وإحداث صدامات بين الأطراف الأخرى. لذلك هناك خطر حقيقي لتفاقم الأزمة بسبب عدم إدراك زيلينسكي للمخاطر".

المساهمون