مجلس النواب المصري مرتبك لتأخر تصديق الرئيس على قوانين
استمع إلى الملخص
- مصدر في الأمانة العامة لمجلس النواب أكد أن جميع التشريعات أُرسلت للرئاسة للتصديق، مشيراً إلى أن التأخير يعود لإجراءات فنية ولوجستية مثل إعداد اللوائح التنفيذية.
- الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي والمحامي مصطفى علوان أشارا إلى أن عدم تحديد الدستور لمهلة لإحالة القانون للرئيس يُعتبر ثغرة تؤدي إلى تأجيل إصدار القوانين.
رغم مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على موافقة مجلس النواب المصري على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، لا يزال القانون في انتظار تصديق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عليه. وقد أثار ذلك تساؤلات واسعة في الأوساط القانونية والسياسية عن مصير التشريعات التي أُقرّت في دور انعقاد مجلس النواب المصري المنتهي (بين أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومطلع يوليو/تموز الحالي)، التي تشمل أيضاً قوانين أخرى حساسة، على رأسها قانون الإيجارات القديمة، وقانون التعليم الجديد، وقانون تنظيم الرياضة، فضلاً عن قواعد التصرف في أملاك الدولة الخاصة. وخلق هذا التأخر في إصدار القوانين من مؤسسة الرئاسة بعد إحالتها من مجلس النواب المصري حالة من الارتباك القانوني والدستوري، خصوصاً في ما يتعلق بالقانون الخاص بالإيجارات القديمة، الذي يرتبط بحكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا، يقضي بضرورة تعديل القيمة الإيجارية القديمة بدءاً من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد البرلماني الأخير، الذي فُضَّ بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي في التاسع من يوليو الحالي. ورغم أن الحكم الدستوري يشير إلى بدء سريان آثاره فور انتهاء دور الانعقاد، إلا أن عدم تصديق الرئيس على القانون حتى اللحظة يضع الحكومة والمواطنين على حد سواء في موقف غامض، يفتقر إلى المرجعية القانونية الواضحة.
أشرف مصطفى: الأمانة العامة للمجلس تظل قائمة، حتى بعد انتهاء الفصل التشريعي
قوانين أمام مجلس النواب المصري
في هذا السياق، كشف مصدر مطلع في الأمانة العامة لمجلس النواب، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المجلس أرسل بالفعل جميع التشريعات التي أُقرت في دور الانعقاد الأخير إلى مؤسسة الرئاسة، تمهيداً للتصديق عليها من الرئيس. وأضاف أن حزمة القوانين المحالة تضم مشاريع قوانين ذات طابع سيادي ومجتمعي، من بينها قوانين الإجراءات الجنائية، والإيجارات القديمة، والتعليم، والرياضة، إلى جانب تشريعات تتعلق بأملاك الدولة. واستبعد المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، وجود اعتراض من مؤسسة الرئاسة على أي من القوانين المحالة، موضحاً أن "هذه التشريعات أُعدَّت بالتنسيق بين الحكومة والأغلبية البرلمانية ممثلة بحزب مستقبل وطن، وبالتالي لا يُتوقع حدوث خلاف حول مضمونها". وعن أسباب التأخر في إصدار القوانين، أوضح المصدر أن "بعض الإجراءات الفنية واللوجستية يجب أن تسبق النشر الرسمي والتصديق، مثل إعداد اللوائح التنفيذية التي تُفسر وتُفصّل أحكام القانون، وهو أمر ضروري خصوصاً للقوانين المرتبطة بمصالح شريحة واسعة من المواطنين، مثل الإيجارات والتعليم".
وفي ما يخص الجدل المثار حول احتمال بدء سريان قانون الإيجارات القديمة من تلقاء نفسه، من دون الحاجة لتصديق الرئيس، بسبب حكم المحكمة الدستورية، شدد المصدر على أن "هذا الاحتمال غير وارد في النظام التشريعي المصري، ولا توجد أي سوابق من هذا النوع، لأن صدور أي قانون يستلزم التصديق عليه ونشره في الجريدة الرسمية وفق الإجراءات الدستورية المتبعة". وتنص المادة 123 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال 30 يوماً من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اعتُبر قانوناً وأصدر، وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه، اعتُبر قانوناً وأصدر".
وعن مصير القوانين في ظل غياب مجلس النواب المصري حالياً، أكد الرئيس السابق في محكمة استئناف القاهرة، أشرف مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد أزمة قانونية في إرسال القوانين بعد فضّ دور الانعقاد، فالأمانة العامة للمجلس تظل قائمة، حتى بعد انتهاء الفصل التشريعي، وتستطيع استكمال الإجراءات الإدارية لإرسال القوانين إلى رئاسة الجمهورية. وبالتالي لا ننتظر تشكيل البرلمان الجديد لإخطار الرئيس بالقوانين التي أقرها مجلس النواب المصري السابق". وشدد مصطفى على أن "المسؤولية تقع هنا على عاتق رئاسة الجمهورية، فبمجرد تسلمها القانون تبدأ المهلة الدستورية المقررة لها. وإن لم تعترض خلال 30 يوماً، يصبح القانون سارياً بقوة الدستور".
من جهته، قال الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي إن رئيس الجمهورية "محبوس دستورياً" داخل مهلة 30 يوماً من تسلمه القانون. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "الدستور واضح في هذه النقطة، فرئيس الجمهورية أمامه خياران لا ثالث لهما بمجرد وصول القانون إليه: إما أن يصدره، وإما أن يعترض عليه ويعيده إلى مجلس النواب المصري خلال 30 يوماً. وإذا تجاوز المدة من دون إجراء، فإن القانون يصبح نافذاً بحكم الدستور تلقائياً".
صالح حسب الله الجبالي: عدم تحديد الدستور مهلة لإحالة القانون من البرلمان إلى الرئيس هو ثغرة يمكن استغلالها لتأجيل إصدار القوانين لأسباب غير معلنة
تأخير غير مبرر
بدوره، وصف مصطفى علوان، المحامي في الاستئناف العالي ومجلس الدولة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "رايتس للاستشارات القانونية والتحكيم الدولي"، التأخير في إصدار القوانين أنه "غير مبرر"، ويؤثر بالثقة في المنظومة التشريعية. وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "من الناحية العملية، عندما يقرّ مجلس النواب المصري قانوناً، يفترض أن يكون جاهزاً للإصدار فوراً بعد استيفاء الإجراءات الشكلية، لأن أي تأخير غير مبرر يثير التساؤلات عن الأسباب، سواء كانت إجرائية أو سياسية". وعن سيناريو اعتراض رئيس الجمهورية على أحد القوانين في غياب البرلمان، أكد علوان أن هذا السيناريو وارد، ووضع الدستور له آلية، فإن "اعتراض الرئيس يكون ملزماً للبرلمان المقبل للنظر فيه، وهذا معناه تأخر عملية إصدار القانون أكثر، وقد يتطلب ذلك نقاشات جديدة بشأن مواد القانون، وتصويتاً جديداً داخل البرلمان".
كذلك، أكد الخبير القانوني، المحامي بالنقض والدستورية العليا، صالح حسب الله الجبالي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بمجرد موافقة البرلمان على قانون، فإنه يُعتبر قد استوفي جزءاً كبيراً من دورة صدوره، وما تبقى هو الإجراءات التنفيذية للإصدار". وأضاف أن "الدستور حسم الجدل في حالة عدم تصديق الرئيس على القانون بعد إرساله ضمن مهلة 30 يوماً، لكن السؤال: متى أحيل القانون فعلياً؟ فالتأخير في الإحالة يؤجل بدء المدة الدستورية". واعتبر الجبالي أن "عدم تحديد الدستور مهلة لإحالة القانون من البرلمان على الرئيس هو ثغرة يمكن استغلالها لتأجيل إصدار القوانين لأسباب غير معلنة". وفي غياب توضيحات رسمية من مؤسسة الرئاسة حول أسباب التأخير، تبقى حالة "اللايقين التشريعي" قائمة، وسط توقعات بأن تُحسم هذه الملفات خلال الأسابيع المقبلة، قبل انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة (مطلع أكتوبر المقبل)، لتفادي حدوث فراغ قانوني أو دستوري قد يطعن في مشروعية تطبيق بعض هذه القوانين مستقبلاً.