مجلس النواب الليبي يستجوب الحكومة... ما الذي يخفيه صراع الكواليس؟

مجلس النواب الليبي يستجوب الحكومة... ما الذي يخفيه صراع الكواليس؟

23 اغسطس 2021
يعتبر ملف الميزانية من بين الملفات الأكثر جدلاً بين الحكومة ومجلس النواب (Getty)
+ الخط -

وجهت رئاسة مجلس النواب الليبي دعوة لحكومة الوحدة الوطنية للمثول أمام النواب لاستجوابها الاثنين المقبل، في خطوة جديدة على صعيد التوتر والخلافات غير المعلنة بين الحكومة والمجلس. 

وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق إن رئاسة مجلس النواب وجهت استدعاء للحكومة للمثول أمام المجلس في مقره بطبرق. 

وفيما لم يوضح بليحق أسباب الاستجواب وفحواه، أشار عضو المجلس عبد المنعم العرفي إلى أن الجلسة ستخصص لمساءلة الحكومة حول أوجه الإنفاق وكيفية عملها من دون ميزانية، والأبواب التي أنفقت منها. 

والثلاثاء الماضي، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن تسلم رئاسة المجلس مقترح الميزانية المقدم من الحكومة بعد تعديله، من دون أن يعلن عن حجم الميزانية الجديد، بعد أن كان قد تجاوز 111 مليار دينار ليبي في مقترح سابق. 

لكن العرفي قال، خلال تصريحات صحافية اليوم الاثنين، إن "بعض النواب لديهم تحفظات على أبواب معينة، مثل باب الرواتب والجهة المستفيدة منه"، مضيفاً أنه ستكون هناك أسئلة حول ملف المناصب السياسية، وأوجه التعاون بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي، والقرارات المتخذة بالتنسيق بينهما، وكذلك أوضاع السفارات في الخارج. 

الملف الأكثر جدلاً

ويعتبر ملف ميزانية الحكومة من بين الملفات الأكثر جدلاً بين الحكومة ومجلس النواب، إذ جرى تأجيل النظر فيه والتصويت عليه خلال أكثر من جلسة، حتى إن الحكومة أجرت تعديلات على حجم الميزانية سبع مرات منذ إبريل/نيسان الماضي. 

وكان صالح كشف، خلال زيارته للواء المتقاعد خليفة حفتر في مقره العسكري في الرجمة منتصف الشهر الماضي، عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عرقلة تمرير الميزانية، والمتمثلة في مطالب منح قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر "ميزانية مقدرة ومحترمة"، على حد قوله. 

ورغم التجاوب من جانب الحكومة حيال تلك المطالب، إذ بدا ذلك بشكل واضح من خلال رفع حجم مخصصات وزارة الدفاع، ضمن الميزانية الحكومية المقترحة، إلى خمسة مليارات دينار، إلا أن توجيه مجلس النواب الدعوة للحكومة لاستجوابها، بعد أقل من أسبوع من إعلان صالح عن تسلم رئاسة المجلس المقترح الجديد المعدل من الميزانية، يشير إلى أن الخلافات بين الجانبين أعمق من مطالب مخصصات حفتر المالية. 

وفي السياق، كشفت مصادر برلمانية وحكومية عن زيادة مستوى التوتر والخلافات بين المجلس والحكومة، مؤكدة أنه "على الرغم من حصد صالح وحلفائه العديد من الصفقات والمكاسب، إلا أن الهدف الرئيس وراء محاولات عرقلة الدبيبة هو تحويل حكومته إلى حكومة فاشلة". 

وفيما أشارت المصادر إلى أن الدعوة الموجهة للحكومة لم تحدد الوزارات المعنية بالدعوة، وما إذا كانت الدعوة للحكومة بكاملها، إلا أنها أكدت أن الاتصالات بين عقيلة صالح وحلفائه داخل المجلس من جانب، والحكومة من جانب آخر، لم تنقطع، وتم خلالها تبادل العديد من المصالح والصفقات، ومن بينها تمرير تعيين عدد من الشخصيات، من مرشحي الطرفين، سفراء لليبيا في عدد من العواصم العربية والأجنبية. 

وتقول المصادر إن صالح تمكن من عرقلة عدة خطوات للمجلس الأعلى للدولة في عدة ملفات، أهمها ملف المناصب السيادية، لا سيما مع إصرار المجلس الأعلى على استبعاد رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، الموالي لصالح، من منصبه، لافتة إلى أن التعامل بين الحكومة والمجلس لا يجري في جو من الود، بل في أجواء مشحونة تشبه ما يمكن تسميته بـ"معركة كسر العظم". 

وتشير المصادر إلى أنه بينما نجح مجلس النواب في استثمار ورقة الميزانية التي لا يمكن تمريرها إلا بموافقته، فإن الدبيبة نجح في المقابل في السيطرة على مخصصات الجماعات المسلحة في البلاد، ومن بينها مليشيات حفتر، من خلال احتفاظه بمنصب وزير الدفاع. 

وتابعت بالقول إنه "بينما يحاول عقيلة صالح وحلفاؤه عرقلة الميزانية بكسب الوقت المتبقي من عمر الحكومة وتحويلها إلى حكومة فاشلة، فإن الدبيبة يسعى لفك حصار النواب بالاستفادة من استثناءات يسمح بها قانون المالية العام للدولة للحكومة للتصرف في نسب معينة من الميزانية حتى قبل اعتمادها من الجهة التشريعية، بهدف تنفيذ عدد من المشاريع التنموية الضخمة". 

وفي الآونة الأخيرة، أعلن الدبيبة عن مخصصات بالمليارات لدعم وتنفيذ عدد من المشاريع، من بينها صندوق دعم الشباب بأكثر من مليار دينار ليبي، بل وفي اتجاه الخارج أيضاً، إذ كشف عن مداولاته لمشاريع استثمارية في قطاع النفط مع شركة إيني الإيطالية بعشرة مليارات دولار، ومع شركة توتال الفرنسية بملياري دولار، وفقا لتصريحه لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية الجمعة الماضي. 

تسريب قوائم السفراء

وفي سياق مختلف، سربت وسائل إعلام ليبية، في الآونة الأخيرة، قوائم السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية التي تعتزم الحكومة اعتمادهم، وسط جدل ليبي واسع احتجاجا على بعض الأسماء التي تضمنتها تلك القوائم، خصوصاً أن من بينهم شخصيات قيادية بارزة داخل معسكري غرب وشرق البلاد. 

ولم يتسن التأكد من صحة تلك القوائم، لكن منصات التواصل الاجتماعي تداولت دعوات لموظفي وزارة الخارجية لتنظيم وقفة احتجاجية، الأربعاء المقبل، أمام مقر الحكومة في طرابلس، "اعتراضا على الترشيحات لرؤساء بعثات في الخارج من خارج قطاع وزارة الخارجية". 

ويرى الناشط السياسي الليبي خميس الرابطي أن "القوائم جرى تسريبها من جانب الحكومة"، مشيراً إلى أن "كل من فيها شخصيات موالية لأطراف الصراع في معسكري البلاد في محاولة لتبرئة ساحتها، بالإضافة إلى أن القوائم المسربة تمثل سعي عقيلة صالح لضرب ملتقى الحوار السياسي وشراء ذمم أعضائه، إذ تضمن اسم عبد الرحمن العبار سفيراً لدى مصر، وهو العضو بملتقى الحوار والمقرب جداً من عقيلة صالح". 

وقال الرابطي، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "الأوضاع الحالية القاتمة جداً لا يمكن معها تكهن أي شيء يمكن أن تنتجه جلسة استجواب الحكومة، سوى أنها تظهر حالة الشد والجذب ومحاولة سيطرة كل طرف على الآخر"، لكنه يرى أن "حالة التصعيد الحالية التي طاولت كل أوجه الوضع، داخل لجنة (5 + 5) العسكرية، وفي ملف الانتخابات والإطار الدستوري اللازم لها، لا تعكس إلا مزيداً من التعقيد الذي يرتب ويمهد لمزيد من الاستقطاب الحاد في اتجاه الإقليمية داخل البلاد، ويفرض البحث عن حلول سياسية جديدة".