مجلس الشعب السوري... محاولة إيحاء بالمحاسبة في مؤسسة صورية

12 نوفمبر 2024
في دمشق قبيل الانتخابات الأخيرة، 10 يوليو 2024 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وافق مجلس الشعب السوري على ملاحقة مدلول العزيز وأيهم جريكوس قضائياً بتهم الفساد وتهريب المخدرات والمحروقات، في محاولة لإظهار نشاط برلماني رغم كونه ديكوراً سياسياً.
- أسقط المجلس عضوية ثلاثة أعضاء بسبب حصولهم على جنسيات أجنبية، وألزمت القيادة المركزية لحزب البعث النواب بالتصويت لصالح القرارات القضائية، رغم افتقار المجلس للسلطة الحقيقية.
- يُعتبر مجلس الشعب واجهة سياسية لنظام الأسد، حيث يسيطر حزب البعث على القرارات منذ انقلاب 1963، ويدرك السوريون أنه لا قيمة له بعد الثورة.

سمح مجلس الشعب التابع للنظام السوري بملاحقة اثنين من أعضائه قضائياً، بعد إسقاط العضوية عن ثلاثة آخرين، في خطوة لا يعيرها السوريون في مناطق سيطرة هذا النظام أي اهتمام لإدراكهم أن هذا المجلس مجرد ديكور سياسي يفتقد أي قيمة، فضلاً عن أن جل أعضائه في الدورة الحالية من متزعمي المليشيات وأمراء الحرب.

ملاحقة عضوين في مجلس الشعب

وذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام يوم الاثنين الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أن مجلس الشعب وافق على السماح بالملاحقة القضائية بحق اثنين من أعضائه، هما: مدلول العزيز، وهو عضو في المجلس عن دائرة محافظة دير الزور الانتخابية ويشغل أيضاً منصب مدير نادي "الفتوة" الرياضي، وأيهم جريكوس، وهو عضو عن دائرة محافظة اللاذقية. ولم تخض هذه الوسائل في الأسباب التي دعت المجلس إلى هذه الخطوة، ولكن مصادر متابعة أشارت إلى أنه رُفعت قبل أشهر دعوى قضائية على العزيز متعلقة بقضايا تهريب. وذكرت شبكة "نهر ميديا" الإعلامية المحلية أن العزيز "أحد أذرع إيران المالية في دير الزور ويعمل في تهريب المخدرات والمحروقات"، مؤكدة أنه "ارتكب العديد من الانتهاكات بحق المدنيين أثناء تزعمه أحد الفصائل الجهادية المتطرفة، قبل "التسوية والمصالحة" مع النظام، وتشكيل مليشيا موالية له". وبحسب منظمة "مع العدالة" والتي وثقت لأبرز الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم بحق المدنيين من جانب النظام، كان مدلول العزيز أحد قادة "جبهة النصرة" في دير الزور في الفترة الممتدة ما بين عامي 2012-2015، مؤكدة أنه ارتكب جرائم قبل هروبه إلى دمشق مع سيطرة تنظيم داعش على شرقي سورية، حيث أجرى مصالحة مع جهاز المخابرات الجوية، وقام بتأسيس مليشيا من عشيرته لصالحها. وبيّنت أنه جمع ثروة طائلة من وراء السرقة والابتزاز وأنه دخل مجلس الشعب لدورتين متتاليتين بدعم من مليشيات الحرس الثوري الإيراني بدير الزور، مشيرة إلى أن العزيز "مسؤول عن عمليات قتل وخطف واعتقال وطلب الفديات واغتصاب من دمشق إلى تدمر وصولاً للمنطقة الشرقية، دير الزور والميادين والبوكمال".

مدلول العزيز أحد أذرع إيران المالية في دير الزور ويعمل في تهريب المخدرات والمحروقات

أما أيهم جريكوس، فهو عضو في اللجنة المركزية لحزب البعث، وهو عضو في مجلس الشعب منذ عام 2012، ويرأس إحدى مليشيات الشبيحة في ريف اللاذقية. وهذه ليست المرة الأولى التي يرفع فيها المجلس الحصانة عن العزيز وجريكوس حيث كانا في الدورة الفائتة ضمن قائمة ضمت خمسة أسماء رُفعت عنهم الحصانة القانونية لمحاكمتهم بتهم "تتعلق بالفساد وهدر المال العام"، وعلى الرغم من ذلك عادا مرة أخرى عضوين في المجلس للدورة الحالية.

وأسقط مجلس الشعب في دورته الحالية التي بدأت أعمالها في أغسطس/آب الماضي، عضوية ثلاثة من أعضائه، هم: محمد حمشو وشادي دبسي بسبب حصولهما على الجنسية التركية، وأنس محمد الخطيب لحيازته الجنسية الأردنية. وكانت القيادة المركزية لحزب البعث الذي يهيمن على المجلس ولديه الكتلة الكبرى، قد أصدرت الأحد الثالث من نوفمبر الحالي قراراً يلزم النواب البعثيين في المجلس بالتصويت بالموافقة على القرارات القضائية، سواء كانت رفع حصانة أو إسقاط عضوية عن أحد النواب. ومن الواضح أن النظام يحاول الإيحاء أن ثمة عملاً برلمانياً في البلاد، إلا أن الوقائع والمعطيات تشير إلى أن مؤسسات النظام لا تعمل وفق قوانين ناظمة، وأن القرارات تصدر لأسباب تتعلق بمصالح المتنفذين.

وفي هذا الصدد، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن مدلول العزيز المقرب من قيادات المليشيات الايرانية، متهم بـ"إقصاء شركة الحمشو من شراء ونقل النفط الخام، لصالح توسيع عمل شركة القاطرجي، التي كانت تعمل على نقل النفط الخام عبر المعابر النهرية من مناطق سيطرة قوات قسد".

تغييرات صورية

وأوضح الحقوقي عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "طلب رفع الحصانة عن عضو في مجلس الشعب يقدّم من وزير العدل إلى رئيس المجلس الذي يستدعي العضو ويستمع إلى إفادته ثم يرفع الملف إلى لجنة الشؤون الدستورية التي في حال وجدت مبرراً لرفع الحصانة يُطرح الأمر للتصويت في اجتماع للمجلس". وتابع: "رفع الحصانة يكون بسبب جرم جزائي وهو بمثابة إذن بملاحقة العضو قضائياً، ولكن رفع الحصانة لا يؤثر على العضوية". وأضاف: إسقاط الحصانة يعني إبطال العضوية نهائياً. واعتبر حوشان أن "مجلس الشعب لا قيمة قانونية له لا قبل الثورة وبعدها، وهو مجرد مكان يضم انتهازيين وبعثيين"، مضيفاً: 90% من التشريعات كان يصدرها حافظ الأسد ولاحقاً ابنه بشار بموجب مراسيم تشريعية.

أحمد القربي: في سبيل الإبقاء على البنية الصلبة لا يمانع النظام في إحداث تغيير في المؤسسات الديكورية

وتعليقاً على رفع الحصانة عن اثنين من أعضاء مجلس الشعب وإسقاط العضوية عن ثلاثة، بيّن الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لـ"نظام الأسد بنية أمنية وعسكرية طائفية صلبة عصية على أي تغيير جوهري"، مضيفاً: "خارج هذه الدائرة لا مانع لدى النظام من تغيير الوجوه في الحكومة وحزب البعث ومجلس الشعب. هذه مجرد ديكور لا أكثر". وتابع: "في سبيل الإبقاء على البنية الصلبة لا يمانع النظام في إحداث تغيير في المؤسسات الديكورية التي ذكرتها". ورأى في خطوة مجلس الشعب الأخيرة "رسائل للداخل والخارج مفادها أن هناك محاسبة وإصلاحاً"، مضيفاً: ربما كانت هناك رسالة لتركيا باستبعاد عضوين يحملان جنسيتها، ولكن لا تأثير سياسياً لهذه الخطوات لأن مجلس الشعب لا قيمة له على الإطلاق.

وينص الدستور الذي وضعه بشار الأسد عام 2012 على أن مجلس الشعب "يتولى السلطة التشريعية في سورية، ومن مهامه: حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التنمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، والعفو العام". بيد أن الوقائع تشير إلى أن هذا المجلس الذي يتكون من 250 مقعداً جلها لحزب البعث ومن يدور في فلكه، مجرد واجهة سياسية لنظام تتحكم فيه الأجهزة الأمنية ويملك فيه الأسد سلطات مطلقة. ولم يكن السوريون يبدون أي اهتمام بمجلس الشعب وأعماله قبل عام 2011 لأنهم يدركون انه مجرد ديكور سياسي لا قيمة له على أرض الواقع، وهو ما تكرس أكثر عقب اندلاع الثورة في ذلك العام، حيث كان المجلس مجرد متفرج على ما حدث في البلاد من عمليات قتل جماعي وتهجير وفساد.

وضمت الدورة الحالية الكثير من متزعمي المليشيات المحلية التي ساندت النظام في قمع المتظاهرين ولاحقا تهجير ملايين السوريين، وأمراء الحرب والمتهمين بتجارة المخدرات. ووأد النظام الحياة السياسية في سورية منذ انقلاب عام 1963 الذي كرّس حزب البعث "قائدا للدولة والمجتمع"، والذي تحول لاحقاً هو نفسه إلى مجرد واجهة لنظام أمني يتحكم بكل مفاصل الحياة.