مجزرة شارع الوحدة... جريمة حرب مكتملة الأركان

مجزرة شارع الوحدة... جريمة حرب مكتملة الأركان

غزة

ضياء خليل

avata
ضياء خليل

علاء الحلو

avata
علاء الحلو
17 مايو 2021
+ الخط -

حولت وحشية الاحتلال الإسرائيلي المنطقة المدنية الآمنة في شارع الوحدة، أحد أبرز شوارع مدينة غزة التجارية، إلى ساحة من الدمار والدماء، بفعل القصف العنيف، فجر أمس الأحد، الذي استهدف حياً سكنياً في الشارع، ما أسفر عن مجزرة راح ضحيتها أكثر من 37 شهيداً وما لا يقل عن 50 جريحاً، جلهم من النساء والأطفال، بعد تدمير ثلاث بنايات سكنية على رؤوس قاطنيها، في رسالة متعمدة من الاحتلال بأن لن يبقى مكان في غزة بمنأى عن مجازره بحق المدنيين، الذين يشكلون بنك أهدافه الرئيسي، إذ يتعمد قصفهم على نحو مباشر ومن دون أي إنذار. ولم يكتف الاحتلال بمجزرته الجديدة، أمس، بل عمد إلى قصف الطرق المؤدية إلى شارع الوحدة وإلى مجمع الشفاء الطبي، في محاولة لإعاقة جهود الإنقاذ، في جريمة حرب مكتملة الأركان.
وعلى مدى ساعات، أمس الأحد، كانت تسمع بين الحين والآخر أصوات مناشدات لمواطنين عالقين تحت الركام في شارع الوحدة، وسط جهود لم تهدأ لفرق الإنقاذ التي كانت تعمل بإمكانيات بسيطة بحثاً عن المفقودين ومحاولة إبقاء من هم تحت الأنقاض أحياء حتى الوصول إليهم عبر إرسال أنابيب الأوكسجين لهم. وعمد بعض العالقين إلى الاتصال بذويهم لطلب إنقاذهم بعدما علقوا تحت الدمار.

على مدى ساعات، أمس الأحد، كانت تسمع بين الحين والآخر أصوات مناشدات لمواطنين عالقين تحت الركام

ولم يتمالك أهالي المنطقة أنفسهم منذ اللحظة الأولى للقصف المُدَمِّر، إذ هبوا لنجدة العائلات المنكوبة، وقد تناثر الحطام والردم في كل مكان، بفعل الاستهداف المُباشر لعمارتين متلاصقتين لعائلة أبو العوف، وعمارة ثالثة لعائلة الكولك.
ويقول الفلسطيني أحمد اليازجي، وهو يقطن قرب المباني المُدمَّرة، إنه وفي تمام الساعة الواحدة فجراً، صبّت الطائرات الحربية الإسرائيلية نارها وجنونها على المنطقة، مستهدفة بشكل مباشر عمارتين لعائلة أبو العوف وأخرى لعائلة الكولك، إلى جانب استهداف مفترق بالميرا ومفترق التايلندي، واستهداف وزارة العمل والطرق المؤدية إليها.
ويتابع اليازجي قائلاً: "ساعات عصيبة مرّت علينا منذ اللحظة الأولى لبدء القصف، إذ اعتقدنا للحظة أننا سنصبح جميعاً في عداد الشهداء، فقد كان القصف جنونياً، حين سقط ما يزيد عن 30 صاروخاً من الطائرات الحربية الإسرائيلية على المنطقة المأهولة بالسكّان، خلال أقل من خمس دقائق".
ولم يُشح اليازجي بنظره عن العمارات المُدمّرة خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إذ كانت تحاول فرق الدفاع المدني إنقاذ خالته من تحت الأنقاض إلى جانب عشرات المفقودين الآخرين. ويقول: "لا يتصوّر عقل بشري أن يتم استهداف النساء والأطفال والمدنيين العزل بهذه الطريقة الوحشية، وغير الآدمية".
وتضم المنطقة المُستهدفة والمجاورة لمجمع الشفاء الطبي، غربي مدينة غزة، العديد من المنشآت والمحال التجارية والمطاعم، فيما ظهرت من نوافذ العمارات المستهدفة ملابس الأطفال وقد علقت على الأحبال، إلى جانب تناثر الألعاب وأحبال الزينة الرمضانية بين الرُكام.
ويقول الفلسطيني عاهد نصر، وهو يقطن أيضاً قرب المباني المستهدفة، إنّ القصف الإسرائيلي كان فظيعاً لدرجة كبيرة، حيث اعتقد السُكان أنّ زلزالاً عنيفاً يضرب المنطقة الهادئة بطبيعتها، والتي تحوّلت خلال دقائق معدودة إلى منطقة مُدمرة.
وخرج أهالي المنطقة بعد هدوء القصف للاطلاع على أماكن الاستهداف، ويقول نصر: "صُعقنا من هول ما رأينا، إذ تحوّلت عمارات سكنية كاملة إلى كومة من الردم فوق رؤوس ساكنيها، ما جرى مجزرة حقيقية بحق النساء والأطفال والشيوخ".

فيما يروي الشاهد محمد توربان المقيم في المنطقة ما جرى قائلاً إنه مع انتصاف الليل، كان أهالي المنطقة داخل بيوتهم، يتابعون الأحداث، إلى أن تحوّلت منطقتهم إلى عنوان للأحداث، ويضيف: "سمعنا أصوات انفجارات مرتفعة جداً، وبتنا محتارين بين ترك المنزل لاحتمال قصفه أو الاحتماء فيه من القصف الخارجي". ويضيف: "العمارات المستهدفة مدنية، وتضم عدداً من المحال التجارية، والمدنيين، وقد استقبل أصحابها عدداً من أقاربهم، بسبب أمان المنطقة وبعدها عن المناطق التي يتم استهدافها بشكل مستمر منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لكنه من الواضح أنّ الطائرات الحربية لا تريد في غزة مكاناً آمناً".
وإلى جانب المدنيين والبيوت الآمنة والأبراج، يستهدف الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الطرق الرئيسية والبنية التحتية التي تربط قطاع غزة ببعضه. كما تتعمد الطائرات الحربية الإسرائيلية، خلال عدوانها المُستمر على قطاع غزة استهداف الطرق المؤدية إلى الأماكن المدنية المستهدفة بغرض عرقلة سيارات الإسعاف من الوصول إليها وإنقاذ المُصابين.
ضمن هذا السياق، دمر القصف، فجر أمس، مفترقات رئيسية في شارع الوحدة الذي يصل مجمع الشفاء الطبي الأكبر في القطاع، مع مزيد من الاستهداف الذي يطاول خطوط الكهرباء والمياه، والتي باتت شحيحة الوصول إلى منازل الفلسطينيين.
كما دمر الطيران الحربي، فجر أمس الأحد، الشارع الواصل بين مستشفى الإندونيسي ومفترق حمودة على مدخل بلدة بيت حانون، ما قطع الطريق للوصول للمجمع الطبي الأهم شمال القطاع بسهولة.

إسرائيل تتجاهل مبدأ الضرورة والتناسب، وتستهدف الأعيان المدنية بشكل عمدي

وفي السياق، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، في حديث مع "العربي الجديد"، إن إسرائيل تمارس ما يرقى إلى جرائم حرب متكاملة الأركان في غزة، مستشهداً بعمليات الاستهداف العشوائية للأعيان المدنية واستهداف غير مسبوق للبنى التحتية وعمليات قتل جماعي بحق عوائل كاملة.
وأشار إلى أن إسرائيل تتجاهل مبدأ الضرورة والتناسب، وتستهدف الأعيان المدنية بشكل عمدي لإيقاع الضحايا وإلحاق الدمار والخسائر المادية كشكل من أشكال الانتقام والعقاب الجماعي، الأمر الذي تحظره قواعد القانون الدولي الإنساني.
يذكر أن المادة 25 من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية تحظر "مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية"، كما نصت المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير". ويعد تدمير الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير مخالفة جسيمة للاتفاقية بموجب المادة 147 منها، وجريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي السياق، نبه عبده إلى أن إسرائيل تواصل استخدام منهجيتها في تعمد استهداف منازل المدنيين ومسح أحياء سكنية كما حدث في الهجمات العسكرية السابقة، بدون أي اعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني. وبرأيه، فإنها تستغل عجز المنظومة الدولية عن محاسبتها عن انتهاكاتها السابقة، وتمتعها برصيد مفتوح من الإفلات من العقاب.
ولفت إلى أن الغاية الإسرائيلية في هذا الهجوم واضحة المعالم وهي قائمة على المساس بالمدنيين والبنى التحتية بشكل يهدف لكي الوعي وإخضاع السكان والفصائل الفلسطينية.

ذات صلة

الصورة
فرحة الحصول على الخبز (محمد الحجار)

مجتمع

للمرة الأولى منذ أشهر، وفي ظل الحصار والإبادة والتجويع التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، تناول أهالي الشمال الخبز وشعر الأطفال بالشبع.
الصورة

سياسة

رغم مرور عشرة أيام على استشهاد الأسير وليد دقة (62 عاماً) تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمانه، متجاهلة مناشدات عائلته.
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه