مجزرة البيضا... وحشية قوات النظام ما تزال حاضرة في ذاكرة السوريين

مجزرة البيضا... وحشية قوات النظام ما تزال حاضرة في ذاكرة السوريين

05 مايو 2022
قتل نحو 500 مدني في البيضا مطلع مايو/أيار من عام 2013 (موقع الائتلاف السوري المعارض)
+ الخط -

يستذكر السوريون هذه الأيام واحدة من أكثر المجازر وحشية ارتكبتها قوات النظام والمليشيات التابعة لها، حين قُتل المئات بدم بارد، بينهم أطفال ونساء، في قرية البيضا بريف بانياس في محافظة طرطوس على الساحل السوري، قبل تسع سنوات.

وقد باتت ذاكرة السوريين مثقلة بعشرات المجازر التي ارتكبتها قوات النظام ومليشيات "الشبيحة"، على امتداد سورية، في السنوات الأولى من الثورة التي انطلقت في 2011.

وتأتي مجزرة بلدة البيضا وحي رأس النبع في مدينة بانياس القريبة، في مقدمة هذه المجازر، لا سيما طابعها الطائفي والطرق الوحشية التي قتل "الشبيحة" (الموالون الأكثر قسوة في التعامل مع المدنيين) فيها نحو 500 مدني، على مدى عدة أيام، مطلع مايو/أيار من عام 2013، وفق شبكات حقوقية.

وتتبع البيضا لمدينة بانياس الواقعة شمالي محافظة طرطوس، وتطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكانت هذه البلدة من أولى المناطق التي انطلقت منها الثورة السورية بعد درعا، في ربيع عام 2011. 

وروى ناجون وشهود عيان، لعدة وسائل إعلام، خلال السنوات الفائتة، تفاصيل ما جرى، حين اقتحمت بلدة البيضا (يقطنها سوريون سنّة، وأقلية من المسيحيين)، وحدات من قوات النظام ومليشيات طائفية يقودها المدعو معراج أورال، وهو مواطن تركي (من الطائفة العلوية) ارتكب العديد من المجازر بحق السوريين. ووفق ناجين، فإنّ المقتحمين استخدموا كل أساليب القتل بحق المدنيين العزّل، بما فيها جز الرؤوس بالسكاكين والسواطير لنساء وأطفال بينهم رضّع، ومن ثم تكديس الجثث وحرقها.  

ووفق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فإنه قُتل في المجزرة 495 مدنياً، بينهم 264 في قرية البيضا، و195 في حي رأس النبع. وبيّنت الشبكة أنّ النظام اتبع سياسة ممنهجة لتهجير أهالي المنطقة بعد المجزرة، تقوم على تدمير وتخريب المنازل، والقيام بمجازر بحق من بقي في البلدة، على غرار ما حدث منتصف عام 2013، حيث قتلت مليشيات النظام أحد المدنيين وحرقت زوجته وأطفاله. 

ورغم مرور تسع سنوات على مجزرة البيضا ورأس النبع، إلا أنها ما تزال حاضرة في المشهد، خاصة هذه الأيام التي أماطت فيها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية اللثام عن فيديو مجزرة طائفية أخرى جرت في ذلك العام أيضاً في حي التضامن جنوبي العاصمة السورية دمشق، حيث قتل عدد غير معروف من المدنيين وأُحرقت جثثهم في حفرة. 

وطيلة سنوات الصراع، ارتكب النظام العديد من المجازر ذات الطابع الطائفي، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي أحصت 50 مجزرة تحمل هذا الطابع منذ عام 2011 وحتى عام 2018، قُتل فيها 3098 شخصاً، من بينهم 531 طفلاً و472 امرأة.

وبحسب الشبكة، فإنه كان لمحافظة حمص وسط البلاد النصيب الأكبر من هذه الجرائم، حيث وقعت فيها 22 مجزرة، قتل فيها أكثر من ألف شخص. وكانت مجزرة منطقة الحولة شمال غربي حمص في 25 مايو/أيار عام 2012 أولى المجازر واسعة النطاق التي تحمل صبغة طائفية واضحة، حيث هجم شبيحة (من الطائفة العلوية) على بلدات الحولة في ذلك العام، وقتلوا ذبحاً وحرقاً أكثر من 100 شخص، من بينهم نحو 65 طفلاً دون العاشرة. 

وفي مطلع عام 2013، ارتكبت قوات النظام مجزرة لا تقل وحشية في قرية الحصوية القريبة من مدينة حمص، انتقاماً لمقتل عنصر من مليشيا طائفية. وتؤكد الشبكة السورية أنّ 108 أشخاص قتلوا في تلك المجزرة، من بينهم 25 طفلاً و17 امرأة، مشيرة إلى أنّ "عائلات كاملة أبيدت بأكثر القتل وحشية". 

ويرى الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المجازر التي ارتكبها النظام في وقت مبكر من عمر الثورة "كان يهدف من خلالها إلى تحقيق هدفين: الأول إرسال رسالة إلى السوريين أنه لن يرحم أو يتساهل مع من يخرج ضده ويطالب بالإصلاحات السياسية وتداول السلطة". والهدف الثاني، وفق حوراني، هو "تجييش الطائفة العلوية وتعبئتها وتصوير الحراك الشعبي السلمي المطالب بالتغيير السياسي على أنه حراك طائفي هدفه قتل العلويين وعليهم الدفاع عن أنفسهم"، مضيفاً: "وقد نجح في ذلك".