مجازر بحق المدنيين في الفاشر وسط تجهيزات لمعارك فاصلة

22 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 19:12 (توقيت القدس)
من مخيم أبو شوك في الفاشر، 5 نوفمبر 2019 (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتواصل المعارك في الفاشر بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، حيث تحاول المليشيا السيطرة على المدينة المحاصرة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير بسبب القصف المدفعي والهجمات بالطائرات المسيّرة.

- زعمت مليشيا الدعم السريع دخولها الفاشر، بينما نفت القوات المسلحة السودانية ذلك، مؤكدة استعدادها لمعارك فاصلة، وسط ضغوط لفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية.

- تعرضت الفاشر لهجمات مروعة، منها قصف مسجد، مما أسفر عن مقتل العشرات، وأثار استنكاراً دولياً، بينما دعت "يونيسيف" لحماية الأطفال المحاصرين.

تتواصل المعارك الضارية بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، إذ يتصدى الجيش والقوات المساندة له لهجمات شبه يومية على المدينة منذ مايو/أيار 2024، في ظلّ حصار خانق تضربه "الدعم السريع" حول الفاشر في محاولة للسيطرة على آخر المدن الحضرية الخاضعة لسيطرة الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة الموقعة على سلام مع الحكومة السودانية، في دارفور، والتي تدافع عن المدينة، وترفض الانسحاب منها، رغم استمرار الهجمات المكثفة لـ"الدعم السريع".

وآخر هذه الهجمات وقعت صباح اليوم الاثنين، عبر المدافع الثقيلة والطائرات المسيّرة والهجمات البرّية متعددة الاتجاهات، وقد بلغت الهجمات التي شنتها "الدعم" على المدينة أكثر من 240 هجوماً، بحسب بيانات الجيش السوداني.

شهدت الفاشر تحليقاً مستمراً لمسيّرات "الدعم"، إلى جانب قصف مدفعي طاول الأحياء السكنية ومخيمات النازحين

وتسيطر "الدعم السريع" منذ الأشهر الأولى للحرب السودانية التي اندلعت في 15 إبريل/نيسان 2023 على أربع من جملة خمس ولايات في إقليم دارفور، وهي ولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، ولاية شرق دارفور وعاصمتها الضعين، ولاية وسط دارفور وعاصمتها زالنجي، بينما فشلت في السيطرة على الولاية الخامسة وعاصمتها الفاشر، وتقاتل هناك الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش ومجموعة من القوات المساندة لها.

تجدّد المعارك في الفاشر

وشهدت الفاشر صباح اليوم، بحسب شهود عيان من داخل المدينة، تجدداً للمعارك بشكل متقطع في المناطق الشمالية والجنوبية، والشمالية الشرقية للمدينة، مع قصف مدفعي متبادل من الصباح الباكر. وقال مواطنون في المدينة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تحليقاً مستمراً للطائرات المسيّرة في أجواء الفاشر، إلى جانب قصف مدفعي لـ"الدعم السريع" يستهدف الأحياء السكنية ومخيمات النازحين مثل مخيم أبو شوك شمال المدينة.

وقالت الفرقة السادسة مشاة، التابعة للجيش في الفاشر، في تصريح اليوم، إن المدينة شهدت (الاثنين) قصفاً مدفعياً متقطعاً على الأحياء السكنية، لكن لم تسجل أية إصابات، مؤكدة أن الأوضاع تحت سيطرة قواتها التي أصبحت "متماسكة أكثر من أي وقت مضى".

زعمت "الدعم السريع" أن مقاتليها أصبحوا داخل الفاشر، وأن جنوداً من الجيش استسلموا لقواتها

وفي هذا الصدد، قالت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، إن الجيش و"الدعم السريع" يحشدان لمعارك كبيرة وربما تكون فاصلة في مدينة الفاشر الأيام المقبلة، مبينة أن قوات "الدعم" تصر على إسقاط المدينة المحاصرة وتواصل القصف المدفعي والهجمات بالطائرات المسيّرة، بينما تتزايد الضغوط على الحكومة المركزية لفكّ الحصار بالقوة، وفتح الطريق لإدخال المساعدات الإنسانية. وأشارت المصادر إلى أن قرب انتهاء موسم الأمطار ينذر باحتدام المعارك في جبهات كردفان ودارفور.

ونشرت "الدعم السريع" اليوم مقطع فيديو على منصة "تلغرام"، يُظهر مجموعة من مقاتليها قالت إنهم داخل الفاشر، مضيفة أن المجموعة 146 تتقدم من الجبهة الجنوبية نحو مقر قيادة الجيش في المدينة. وذكر أحد الجنود في الفيديو أن القوات في جميع الاتجاهات تواصل معاركها، وتابع: "ساعات أو أيام قليلة تفصلنا عن مقر الفرقة السادسة مشاة".

وارتكبت "الدعم السريع" يوم الجمعة الماضي، مجزرة جديدة في الفاشر من خلال قصف نفذته بطائرة مسيّرة على مسجد في حي الدرجة الأولى بالجزء الشمالي الغربي من المدينة أثناء صلاة الفجر، ما أسفر عن مقتل نحو 70 شخصاً وتدمير المسجد بالكامل. ومن بين الضحايا رئيس الإدارة الأهلية لمخيم أبو شوك للنازحين، العمدة آدم عبد الله، كما قُتل يوم أمس الأحد، الأمين العام لحكومة ولاية شمال دارفور، محمداي خاطر، وزوجته، عقب استهداف مسيّرة لمنزله.

"يونيسيف": الأطفال في الفاشر محاصرون في دوامة العنف، ومُجبرون على مشاهدة أهوال لا ينبغي لأي طفل أن يراها

وقالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، عقب الهجوم على المسجد يوم الجمعة الماضي، إن هذا الاستهداف "يأتي في سياق سلسلة من الانتهاكات الممنهجة وأعمال الإرهاب التي تمارسها هذه المليشيا ضد المدنيين، والبنى التحتية، والمرافق الدينية والصحية والتعليمية"، معتبرة أن "تمادي المليشيا في ارتكاب هذه الجرائم الإرهابية هو نتيجة مباشرة لتراخي المجتمع الدولي حيال جرائمها غير المسبوقة، وتغاضيه عن استهانتها بقرارات الشرعية الدولية، خصوصاً قرار مجلس الأمن رقم 2736، الصادر في 13 يونيو/حزيران 2024"، والذي يطالب "الدعم السريع" بإنهاء حصار مدينة الفاشر ووقف الهجوم عليها.

دعاية "الدعم السريع"

ورداً على ذلك، اعتبر مستشار قائد "الدعم السريع" الباشا طبيق، في تعليق على موقع "إكس"، أن "ما وصفها بدعاية استهداف مسجد بالفاشر ليست سوى أداة في الحرب النفسية والإعلامية، تهدف إلى تشويه صورة الدعم السريع، وكسب تعاطف المجتمع المحلي، ورفع معنويات الخصوم، واستدرار دعم دولي، وتأجيج الانقسامات الداخلية". وأضاف: "كلّها محاولات يائسة لتخفيف الضغط بعد اقتراب تحرير الفاشر".

من جهتها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، في بيان، اليوم الاثنين، إن الهجوم بطائرة مسيّرة على المسجد الواقع في مخيم أبو شوك للنازحين داخلياً في الفاشر "هو أمرٌ صادمٌ وغير مقبول"، مبينة أن التقارير الأولية تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 11 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً، في الهجوم المميت، "الذي لم يقتصر على إصابة المسجد فحسب، بل شمل أيضاً منازل مجاورة، كما أصيب عدد أكبر من الأطفال". وأضافت "يونيسيف"، أنه "لأكثر من 500 يوم، يعاني أطفال الفاشر من حصار متواصل من قِبل قوات الدعم السريع"، مشيرة إلى أن "الأطفال محاصرون في دوامة العنف، مع قلّة فرص الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، ومُجبرون على مشاهدة أهوال لا ينبغي لأي طفل أن يراها". وأشارت إلى أن الهجوم "مزّق شمل العائلات وحطّم أي شعور بالأمان لدى الأطفال الذين عانوا الكثير بالفعل".

وأعلنت المنظمة أن صهريج مياه تدعمه المنظمة تعرض لقصف بطائرة مسيرة في الفاشر، أمس الأحد، أثناء نقله مياهاً نظيفة إلى 8500 نازح ومرضى في المستشفيات، بما في ذلك المستشفى السعودي، أحد المراكز الصحية القليلة التي لا تزال تعمل في المدينة". وتابعت: "هذه هي ثالث شاحنة تدعمها يونيسيف تُستهدف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما يُعرّض العاملين في المجال الإنساني والإمدادات المنقذة للحياة لخطر جسيم".

وكانت "الدعم السريع" قد ذكرت في بيان مصور نشرته على "تلغرام"، الخميس الماضي، أن العشرات من ضباط وجنود الجيش بالفرقة السادسة استسلموا لقواتها في الفاشر تلبية لنداء قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مضيفة أنهم انضموا بطوعهم واختيارهم بسبب الظروف الصعبة التي عاشوها في الفاشر. وأشارت إلى أن هناك أعداداً جديدة سوف تنضم خلال الأيام المقبلة. وخلال مقطع الفيديو قدّمت "الدعم" عدداً من الجنود، بحسب إعلانها، وهم يتحدثون عن خروجهم من الفاشر مع ذكر رتبهم وأرقامهم العسكرية.

لكن القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات موقعة على سلام مع الحكومة) قالت إن كل ما تبثه "الدعم السريع" محض أكاذيب لتضليل الرأي لعام حول قرب سيطرتها على الفاشر. وقال نائب المتحدث باسم القوة المشتركة، الرائد جمال عيساوي، في بيان، أمس الأحد، إن "الفاشر صامدة، والقوات المدافعة عنها لن تنسحب ولا تفكر في الانسحاب حتى لو جاءت تعليمات من القيادة بذلك"، مضيفاً أن "كل ما تبثه مليشيا الدعم السريع أكاذيب"، وأنهم "باقون للقتال في الفاشر حتى الانتصار أو الموت".

وكان حاكم إقليم دارفور في الحكومة المركزية، مني أركو مناوي، قد حذّر خلال مؤتمر حول فكّ الحصار عن مدينة الفاشر، أول من أمس السبت، من أن الأوضاع الانسانية في المدينة كارثية، وهناك أكثر من 30 قافلة إنسانية جرى منعها من دخول الفاشر طوال الفترة الماضية، لافتاً إلى أن بعضها وصل حتى مسافة 70 كيلومتراً عن الفاشر، لكنها تعرضت للهجوم من قبل "الدعم السريع". ودعا أركو مناوي إلى "حشد الجهود لتجريم الدعم السريع وكسر الحصار عن الفاشر"، معتبراً أن "المعركة اليوم هي معركة كرامة وصمود في وجه الإبادة والتجويع".

وعلى وقع التصعيد في الفاشر وولاية شمال دارفور عقد مجلس الصحوة الثوري الذي يقوده الزعيم الأهلي موسى هلال، الموالي للجيش، اتفاقاً مع القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح للتفاهم والتنسيق. وقال المتحدث باسم المجلس، أحمد محمد، في بيان أمس الأحد، إن الاجتماع جاء "في إطار تنسيق الجهود المبذولة وتوحيد الصف لمجابهة التحديات والمخاطر كافة التي تمر بها البلاد من عدوان وغزو وتدخل سافر في الشأن الداخلي السوداني تنفذه بالوكالة مليشيا الدعم السريع الإرهابية وحلفاؤها وداعموها وأعوانها". وأضاف أن المجلس والقوة المشتركة عقدا اجتماعاً في شمال دارفور، واتفقا على تشكيل قوة عسكرية مشتركة بينهما، لافتاً إلى أن الطرفين جدّدا دعمهما الكامل لحكومة السودان وقواتها المسلحة والقوات الأخرى المساندة لها.

المساهمون