مبالغات ترامب حول حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا: تضخيم متعمد للأرقام

05 مارس 2025   |  آخر تحديث: 04:18 (توقيت القدس)
جنود أوكرانيون يستخدمون مدفع هاوتزر في خاركيف، يناير 2025 (سكوت بيترسون/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التباين في الأرقام والدعم الأمريكي: أعلن ترامب تعليق الدعم لأوكرانيا، مدعيًا إنفاق 300-350 مليار دولار، بينما تشير الأرقام الرسمية إلى 182.8 مليار دولار وفقًا لوزارة الدفاع و119.7 مليار دولار حسب معهد كييل. أوروبا مجتمعة أنفقت أكثر من الولايات المتحدة.

- التأثير الاقتصادي والاستراتيجي: دعم أوكرانيا نشط صناعة السلاح الأمريكية وحقق أرباحًا اقتصادية، وساعد في تحديث فهم الجيش الروسي. تعليق ترامب يثير تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية الأمريكية وسط التوترات مع الصين.

- التفاصيل المالية وآليات الدعم: تشمل آليات الدعم العسكري المباشر والقروض والمساعدات الإنسانية. خصص الكونغرس 183 مليار دولار حتى ديسمبر 2024، لكن لم تُصرف جميع المخصصات، حيث بقيت بعض الأموال لدعم الصناعة العسكرية الأمريكية.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الاثنين، تعليق شريان الإمداد الحيوي لدعم أوكرانيا، في مواجهة الغزو الروسي، الممتد منذ بداية العام 2022، بعد أسابيع من ترويجه أن الدعم الأميركي لأوكرانيا بلغ منذ 2022 بين 300 و350 مليار دولار مقابل التقليل من حجم الإنفاق الأوروبي والادعاء أنه يقتصر على حوالى 100 مليار دولار. لكن نظرة سريعة على مختلف الأرقام المقدمة من الحكومة في عهد سلفه جو بايدن، وأرقام مراكز الأبحاث المختلفة، وهيئات مراقبة غير حكومية، أو غير حزبية أميركية، تؤكد أن لا وجود لرقم 350 مليار دولار عملياً، وأن حجم الإنفاق مهما بلغ، فهو أقلّ بكثير. وإذا كانت الولايات المتحدة أكبر جهة مساهمة في دعم أوكرانيا، بالسلاح والعتاد والمساعدات الإنسانية والدعم الاستخباري، كدولة منفردة منذ بدء الغزو الروسي، فإن الأرقام التي يتجاهلها ترامب، تشير إلى أن أوروبا مجتمعة أنفقت أكثر من أميركا عندما يتم تضمين جميع أشكال المساعدات الأميركية المقدمة إلى أوكرانيا.

يتشعب الدعم الأميركي إلى آليات عدة بالغة التعقيد

وبينما ترفض إدارة ترامب الإجابة عن أسئلة الصحافيين والإعلام، لفهم ماهية الرقم الذي يردّده البيت الأبيض، لم يعد خافياً، في ظلّ التصعيد الأميركي الحالي تجاه كييف، ومحاولة التقارب مع موسكو، أن الحرب الأوكرانية ساهمت، مثلها مثل كلّ الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، في تنشيط ماكينة صناعة السلاح الأميركي، وهي ماكينة عملاقة وتشكّل واحدة من أكبر مجموعات الضغط في واشنطن، ورفد الاقتصاد الأميركي بالأرباح، هذا من دون إغفال المكاسب الاستراتيجية التي حقّقتها الولايات المتحدة من دعم أوكرانيا، التي حاربت روسيا بالوكالة عن الأميركيين وحلفائهم لمدة ثلاثة أعوام، حيث ساهمت هذه الحرب في تحديث الصورة عن مكامن قوة وضعف الجيش الروسي، ونوعية الأسلحة الروسية المستخدمة، وطبيعة التحالفات، والتي شاركت فيها صناعة المسيّرات حول العالم، وقوات كورية شمالية، ومرتزقة روس من بينهم شيشان.

وبينما لوّح الروس مراراً خلال الحرب، باستخدام السلاح النووي، يضغط ترامب عبر تعليق المساعدات الأميركية لأوكرانيا، لوقف الحرب، وسط تساؤلات عما إذا كانت انتفت الحاجة إليها أميركياً، مع استمرار تقدم الروس وقضمهم يومياً المزيد من الأراضي الأوكرانية، وعدم الرغبة الأميركية في المواجهة المباشرة، أو تسعير الحرب بالوكالة، ما يلهي عن هدف احتواء الصين. إلا أن السجال سيبقى مستمراً، حول طبيعة الدعم الأميركي لأوكرانيا، بعد التعليق، والمكاسب الأميركية غير المعلنة من حرب أوكرانيا، لاسيما أن ترامب يعتبر، أنه في أي صفقة محتملة لوقف الحرب، فإن كييف مطالبة بأن تفي بـ"رد الجميل" والتعويض للأميركيين، وذلك تحديداً على قاعدة رقم الـ350 مليار دولار الذي يدعيه. كما أن سؤالاً يطرح حول أهداف ترامب من الإضرار بماكينة تصنيع السلاح الأميركية، فيما قد يكون الهدف توجيه التصنيع لخدمة صراعات في مناطق أخرى، كالهادئ - الأطلسي.

المساعدات الأميركية... أرقام متفاوتة

وأمام كل من التقوه، وفي تصريحاته المعلنة، وحتى خلال حملته الانتخابية العام الماضي، يردّد ترامب أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، تمكن من استدراج إدارة بايدن لصرف 350 مليار دولار على أوكرانيا، منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط 2022، وهو رقم ردّده ترامب أيضاً أمام نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار البيت الأبيض الأسبوع الماضي، لكن كييف نفت دقته.

وبحسب موقع وزارة الخارجية الأميركية، تحت عنوان "التعاون الأمني الأميركي مع أوكرانيا – ورقة وقائع"، وهي صفحة لم يتم تحديثها منذ 20 يناير/كانون الثاني الماضي، يوم تنصيب ترامب رئيساً خلفاً لبايدن، فإنه حتى ذلك التاريخ، قدّمت الولايات المتحدة 65 مليار دولار لأوكرانيا على شكل "دعم عسكري" منذ بدء الغزو الروسي، وحوالي 69.2 مليار دولار، منذ احتلال روسيا شبه جزيرة القرم في 2014. ومنذ أغسطس/آب 2021، وفق الوزارة، فقد تمّ استخدام "سلطة السحب الرئاسي الطارئ" 55 مرة، لدعم أوكرانيا عسكرياً بما يقارب 31 مليار دولار، من مخازن أسلحة وزارة الدفاع الأميركية. وتقع "سلطة السحب الرئاسي" تحت البند 506 آي (1) من قانون الدعم الخارجي، وتصنّفه الوزارة كأداة قيّمة للسياسة الخارجية الأميركية في وقت الأزمات. ومن بين الأسلحة التي قدّمتها واشنطن للجيش الأوكراني، وفق الوزارة، ثلاث بطاريات باتريوت للدفاع الجوي مع عتادها، ومنظومة صواريخ "هوك" نصف المحمولة، وأكثر من 3 آلاف صاروخ ستينغر المضاد للطائرات، والنظام الصاروخي هيمارس، وأنظمة ناسامز للدفاع الجوي، ودبابات أبرامز وغيرها، علماً أن إدارة بايدن سلّمت أيضاً صواريخ أتاكمز بعيدة المدى للجيش الأوكراني العام الماضي.

ولا يقع كل الدعم الأميركي لأوكرانيا، تحت بند "سلطة السحب الرئاسي" بل يتشعب إلى آليات أخرى، بعضها بالغ التعقيد، وبعضه الآخر، لا يخرج على أرض الواقع من الأراضي الأميركية، بل يذهب إلى مصانع السلاح، فيما هناك الكثير من الأموال التي صرفت دعماً لكييف، على شكل قروض.

وبحسب وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، فإن القيمة الإجمالية للإنفاق الأميركي على أوكرانيا منذ يناير 2022، وحتى ديسمبر/كانون الأول 2024، بلغت 182.8 مليار دولار، في الوقت الذي يقول معهد كييل الألماني، المهتم بقضايا العولمة، إن هذا "الإنفاق" بلغ بالفترة ذاتها 119.7 مليار دولار. وتشير أرقام الوزارة إلى كل الدعم المرتبط بعملية العزم الأطلسي، والتي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بمواجهة الغزو الروسي.

وبحسب معهد كييل في آخر تحديث له في 14 فبراير الماضي، فإن الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، منح أوكرانيا بين فبراير 2022 وديسمبر 2024، 70 مليار يورو (حوالي 74 مليار دولار) على شكل دعم مالي وإنساني، بالإضافة إلى 62 مليار يورو دعماً عسكرياً. أما الولايات المتحدة، فقد قدّمت 64 مليار يورو دعماً عسكرياً، وما مجموعه 50 مليار يورو على شكل مخصصات مالية وإنسانية. ويشرح المعهد في آخر تحديث له، أن الولايات المتحدة طلبت ما نسبته 48% من الأسلحة المقدمة إلى أوكرانيا، طوال تلك المدة، مباشرة من المصانع، ما يعني أن الباقي أمدّت به الجيش الأوكراني من مخازن وزارة الدفاع، وأن بعضه أعادت طلبه من المصانع، لتعويض ما أرسلته لأوكرانيا.

مركز ويلسون: المساعدات الأميركية لأوكرانيا ساهمت في تنشيط الاقتصاد الأميركي، وأمّنت الوظائف للأميركيين، فيما أضعفت الاستعدادات الروسية

ميزانية واحدة واستثمارات بالجملة

ويغرف كل ذلك من الميزانية ذاتها. وبحسب "اللجنة من أجل ميزانية فيدرالية مسؤولة"، وهي لجنة أميركية غير حزبية وغير ربحية، تعمل على مراقبة الميزانية الأميركية، فإن الكونغرس الأميركي أنفق ما مجموعه 175 مليار دولار بشكل إجمالي، على "دعم أوكرانيا". وبحسب موقع "يوكرين أوفرسايت" Ukraine oversight، الحكومي، التابع للمفتش العام الأميركي الخاص بعملية العزم الأطلسي الخاصة بأوكرانيا، فإن الكونغرس خصّص 183 مليار دولار لدعم أوكرانيا (منذ بدء الغزو حتى ديسمبر 2024) على الشكل التالي: 123.9 مليار دولار من وزارة الدفاع، 39.9 مليار دولار من برنامج المساعدات الأميركية "يو أس إيد" (علّقه ترامب فور وصوله إلى البيت الأبيض ما عدا المساعدات المقدمة لإسرائيل ومصر)، فضلاً عن 11.6 مليار دولار من "الدولة"، و7.4 مليارات دولار من "طرق أخرى".

وبحسب الموقع، فإن هناك ما قيمته 57.7 مليار دولار من المخصصات، موجب تقديمها لكنها لم تمنح بعد، وهناك 2.7 مليار دولار انتهت صلاحية منحها ولم تمنح، ولم تعد الحكومة الأميركية ملزمة بتخصيصها لأوكرانيا. لكن بحسب موقع شبكة فويس أوف أميركا في تقرير لها نشر في 19 فبراير الماضي، فإن البنتاغون أكد للموقع أن الولايات المتحدة أرسلت بالفعل 65 مليار دولار لأوكرانيا على شكل دعم عسكري، وهناك 3.9 مليارات دولار إضافية وافق عليها الكونغرس لكنها لم ترسل، وأن حوالي 58 مليار دولار من الـ183 مليار دولار التي خصصت لـ"دعم أوكرانيا" صُرفت بالفعل، داخل الولايات المتحدة، حيث ذهبت إما مباشرة لدعم الصناعة العسكرية الأميركية، أو عبر تعويض المخزون القديم الذي منح لكييف، بأسلحة أميركية حديثة، أو عبر استثمارات صناعية مباشرة.

وبحسب وكالة فرانس برس، فإن كييف كانت تنتظر أخيراً ما قيمته 3.85 مليارات دولار وافق عليها الكونغرس أخيراً، من إدارة ترامب، للحصول على أسلحة من مخازن السلاح الأميركية.

وكان مركز ويلسون البحثي، قد أكد في تقرير له نشره في 20 نوفمبر /تشرين الثاني، أن المساعدات الأميركية لأوكرانيا قد ساهمت في تنشيط الاقتصاد الأميركي، وأمّنت الوظائف للأميركيين، فيما أضعفت الاستعدادات الروسية. وبحسب المركز، فإن المساعدات الأميركية العسكرية لأوكرانيا منذ بدء الغزو، بقيت أقلّ من 0.5% من ميزانية الدفاع الأميركية للعام 2023، على سبيل المثال. وأكد الموقع أن معظم الأموال للمساعدات الأميركية لأوكرانيا تبقى "داخل الولايات المتحدة"، وهو ما أكده مرة الرئيس السابق جو بايدن، في إحدى كلماته من داخل البيت الأبيض.

(العربي الجديد)

المساهمون