استمع إلى الملخص
- ظهرت مبادرات للحل من فعاليات فكرية ومجتمعية ودينية، حيث طرح معاذ الخطيب مبادرة للحل، مشددًا على رفض التدخل الخارجي. هناك تفاوض بين جهات حكومية ووطنيين من السويداء.
- حذر أكاديميون من تداعيات الانقسام، مقترحين إجراءات لترميم الوضع. ومع ذلك، يرى رئيس تحرير "السويداء 24" أن المزاج العام غير قابل للاتفاق مع السلطة الحالية.
تشابكت خيوط المشهد السياسي في السويداء خلال الأيام القليلة الماضية، ما استدعى مبادرات لفكفكة هذه الخيوط على أسس وطنية تحول دون ترسيخ خطاب في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية، تصاعد وظهر بشكل جلي في تظاهرات تدعو إلى الانفصال عن الدولة السورية. وبات ملف السويداء الأكثر حضوراً من بين العديد من التحديات التي تواجه الدولة السورية الناشئة التي ترفض أي دعوات لتقسيم البلاد، أو فرض كانتونات هشة على أسس طائفية وعرقية تحت أي ذريعة ومسمّى. في هذا الصدد، قال الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال جلسة حوارية مساء السبت، مع أكاديميين وسياسيين وأعضاء ونقابيين في محافظة إدلب، ان "من يطالب بالتقسيم في سورية جاهل سياسي وحالم، والمجتمع في سورية غير قابل للتقسيم، ويرفض فكرة التقسيم". وقلل الشرع من أهمية "فئة في محافظة السويداء لديها أحلام أو نيات ليست جيدة"، في إشارة إلى المطالبين بالانفصال عن سورية وربط السويداء بإسرائيل.
مصادر في دمشق: هناك تفاوض جار بين جهات حكومية ووطنيين من السويداء
أزمة السويداء
وأكد أن الدولة تركز على "تهدئة الأوضاع" في محافظة السويداء، و"إيقاف إطلاق النار، وإعادة النازحين ورعاية صلح اجتماعي"، ثم "مناقشة عودة مؤسسات الدولة". واعتبر أن 90% من أهالي السويداء مرتبطون بدمشق ووطنهم، مشيراً إلى أن الحكومة استقبلت ستة وفود من أبناء المحافظة خلال الأشهر الستة الماضية لبحث مطالبهم والاستماع إلى آرائهم. ولفت إلى أن الدولة تدير المشهد في السويداء بطرق "خارج الصندوق"، مشيراً إلى أن النتائج ستكون "مبشرة". وشجب "التجاوزات" التي حصلت أخيراً بين البدو والدروز ومن الأمن والجيش، لافتاً إلى أن السياسة الحالية للدولة تجاه السويداء تركز على "تهدئة الأوضاع، وتثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة النازحين، ورعاية صلح اجتماعي، ثم مناقشة عودة مؤسسات الدولة"، مجدداً رفضه أي فكرة تقسيم أو بقاء سلاح منفلت.
وجاءت تصريحات الشرع التي رأى البعض أنها خففت بشكل عام من مسؤولية الدولة عما جرى في السويداء بعد تظاهرات حاشدة خرجت في المحافظة داعية إلى انفصالها عن سورية، في تطور يؤكد تأزم العلاقة مع دمشق. وكانت السويداء شهدت منتصف الشهر الماضي دورة عنف بدأت بين الدروز والبدو من سكان المحافظة، لتتدخّل القوى الأمنية والعسكرية، ما زاد الأمر تأزيماً مع ارتكاب تجاوزات وحصول أعمال قتل واسعة النطاق اتخذت منها إسرائيل ذريعة للتدخل العسكري في سورية تحت يافطة "حماية الدروز". ومنذ ذلك الحين، بدأت هوّة الخلاف بين السويداء ودمشق بالاتساع، حتى وصلت إلى القطيعة شبه الكاملة في ظل تراشق بالاتهامات بين مقربين من الحكومة من جهة، ومقربين من الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل في الطائفة الدرزية الذي يقود التيار الرافض أيَّ تفاهم مع دمشق، ويدفع باتجاهات مضادة تماماً تصل إلى حد المطالبة بالانفصال عن سورية، من جهة أخرى.
في ظل هذه التطورات، طُرحت مبادرات للحل من قبل فعاليات فكرية ومجتمعية ودينية في محاولة لرأب الصدع والحيلولة دون وصول السويداء إلى نقطة اللاعودة إلى البلاد، لا سيما أن الجانب الإسرائيلي يدفع في هذا الاتجاه الذي يخدم خططه في الهيمنة على الجنوب السوري برمته. وطرح معاذ الخطيب، وهو من الشخصيات التي كانت معارضة للنظام البائد وأحد الوجوه السياسية في البلاد، مبادرة للحل في السويداء، جاء فيها أن "التيار الأكبر في بني معروف (الدروز) تيار وطني مشهود لكثير من رجاله بالعمل الحثيث لإسقاط النظام السابق ويرفضون أي تدخل خارجي بشؤون سورية"، وفق بيان أصدره للرأي العام السوري. وقال إن "أساس المشكلة سياسي ويتم الدفع له وتحريكه بقوى إقليمية عديدة وإشراف جهات دولية تسعى إلى تمزيق بلدنا". ودعا الخطيب مجلس الإفتاء السوري للعب دور "الوساطة" والمبادرة إلى "محاولة وصل ما انقطع ليكون مقدمة لحل يناسب الجميع".
مفاوضات ودرعا
كما ذكرت مصادر مطلعة في دمشق لـ"العربي الجديد"، أن هناك تفاوضاً بين جهات حكومية مع "وطنيين من السويداء"، مشيرة إلى أن هناك عدة مبادرات "منها مبادرة من محافظة درعا"، المتاخمة للسويداء من الجهة الغربية. في هذا الصدد، بيّن الصحافي علي عيد (المتحدر من محافظة درعا) والمواكب للمشهد في السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك مبادرات مجتمعية في محافظة درعا من أجل التوصل إلى حلول لملف السويداء، ولكن علينا الانتظار في الطرح بسبب مرورنا بلحظة انفعال". وأعرب عن اعتقاده أن هناك تمايزاً في الرأي في محافظة السويداء حول مستقبل المحافظة، مضيفاً أن هناك مجموعة محددة ومحدودة تقود تياراً يدعو إلى الانفصال ولديها تنسيق مع جهات خارج الحدود. ولفت عيد إلى أن جذور المشكلة في السويداء "تعود إلى عقود مضت"، مشيراً إلى أن "النخب السياسية في السويداء متأثرة بلا شك بما جرى في المحافظة الشهر الماضي، ولكنها ليست منخرطة في مشروع سياسي يذهب إلى الدعوة لتقسيم سورية". وتابع أنه إذا التزمت الحكومة بتعهداتها بالاستمرار بوقف إطلاق النار ومعالجة الاحتياجات الإنسانية وفتح قنوات الحوار، فستذهب الأمور باتجاه صحيح في السويداء. مضيفاً أن سورية مرت بأزمات كبرى خلال 14 سنة، لذا من الطبيعي أن نشهد انفجارات مجتمعية وطائفية وثقافية وفكرية تحتاج إلى بعض الوقت كي تهدأ.
يحيى العريضي: لا انفصال للسويداء عن سورية
وكان عدد من الأكاديميين السوريين أطلقوا مطلع الشهر الحالي مبادرة للحل في السويداء، يرأسها مطيع البطين المتحدر من محافظة درعا الذي قال في تصريحات إعلامية إنهم "قادرون على حل أي أزمة من دون أي تدخل خارجي". كما دعا إلى "تحرك وطني" لاحتواء الازمة في السويداء، محذراً من تداعيات خطيرة في حال استمرار الانقسام. وتعليقاً على المبادرات المطروحة للحل في السويداء، أكد الباحث عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة السورية "تقبل وتتعاطى إيجاباً بأي مبادرة لحل عقد الخلاف بين السويداء والدولة خصوصاً إذا كانت من فعاليات داخلية، إذا انطلقت من المسلمات الوطنية وهي وحدة التراب السوري ورفض التدخل الأجنبي وحصر السلاح بيد الدولة. كل شيء بعد ذلك قابل للنقاش".
لا انفصال للسويداء
من جهته، أكد الأكاديمي يحيى العريضي، المتحدر من محافظة السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لا انفصال للسويداء عن سورية"، معتبراً الدعوات التي ظهرت أخيراً من البعض في المحافظة حول هذا الأمر "انعكاساً لألم وخيبة ووجع وخوف من حرب إبادة كانت ملامحها واضحة في ما حدث خلال الأيام الماضية"، مضيفاً أن "كل ذلك دفع البعض إلى رفع ذلك العلم (الإسرائيلي)، الذي يعرف حتى مَن يرفعه الرفض الكبير له". واقترح العريضي بعض الإجراءات "التي قد تكون خطوة في ترميم ما حدث، وفتح نافذة ولو بسيطة إلى خطوة نحو حل"، كـ"تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتحديد المسؤوليات من دون تدخل السلطة، والإطلاق الفوري لكل المختطفين، والخروج الكامل لقوى الأمن العام ووزارة الدفاع من محافظة السويداء". كما طالب الحكومة بـ"فتح طريق دمشق-السويداء وتأمينه، والإصلاح الفوري لمصادر المياه والكهرباء والصحة التي خرّبتها القوات المهاجمة، وتقديم الإغاثة الفورية للمحافظة بسبل الحياة، وتقديم اعتذار من سكان السويداء (بدو ودروز ومسيحيين)، ووقف وتجريم التجييش الطائفي، ولغة الكراهية، وشيطنة الآخر.
لكن رئيس تحرير موقع "السويداء 24" الإخباري ريان معروف رأى في حديث مع "العربي الجديد" أن المزاج العام في محافظة السويداء "غير قابل بأي شكل من الأشكال للاتفاق مع السلطة الحالية"، مضيفاً أن "أهل السويداء يرون أن هذه السلطة تختطف الدولة. اليوم، هناك مشكلة عميقة جداً ويجب الاعتراف بها". وأكد أنه "لا يوجد تباين في هذه المسألة داخل المحافظة"، مضيفاً: هذه باتت مسألة جوهرية، وشيوخ الطائفة الثلاثة (يوسف جربوع، حمود الحناوي، وحكمت الهجري) أكدوها في بياناتهم الأخيرة رغم الاختلاف الذي كان بينهم قبل 14 يوليو/تموز الماضي، والحال نفسها مع التيارات السياسية.