ما وراء مسارعة السلطة لإعلان عودة التنسيق مع الاحتلال

ما وراء مسارعة السلطة لإعلان عودة التنسيق مع الاحتلال

18 نوفمبر 2020
نتنياهو ووزراؤه يواصلون تأكيد التزامهم عدم السماح بتدشين دولة فلسطينية (Getty)
+ الخط -

لم يكن مستغرباً إعلان السلطة الفلسطينية عودة علاقاتها مع سلطات الاحتلال، وضمن ذلك التعاون الأمني، في أعقاب فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأميركية. ففوز بايدن وفّر لقيادة السلطة الظروف التي تسمح لها بالنزول عن الشجرة، حيث إنها وظفت هذا التطور في تبرير عودة العلاقات مع الولايات المتحدة، ومن جهة ثانية استئناف التعاون الأمني مع الاحتلال.

وقد حرصت السلطة ممثلة في وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، المسؤول عن التعاون مع الاحتلال، على الاستناد إلى مسوغين أساسيين لتبرير هذه العودة، وهما: أن فوز بايدن يعني إسدال الستار على خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الأميركية التي صاغتها إدارة الرئيس الخاسر دونالد ترامب والمعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن"، والتأكيد على أن قيادة السلطة تلقت رسالة من الحكومة الإسرائيلية تؤكد احترامها " التزاماتها" للسلطة، من دون أن يذكر الشيخ، الذي تحدث اليوم إلى تلفزيون "فلسطين"، طابع هذه الالتزامات.

لكن قيادة السلطة تعي أنه على الرغم من أن مغادرة ترامب مشهد الأحداث ستنهي الحديث عن "صفقة القرن"، فإن دخول بايدن إلى البيت الأبيض، في المقابل، لن يغير الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث إنه قبل يوم من إعلان عودة التعاون الأمني، أقرّت الحكومة الإسرائيلية مخططاً لتدشين حي استيطاني في محيط القدس المحتلة، وعاد المستوطنون إلى مستوطنة أخليت عام 2005، شمال الضفة، إلى جانب تدمير إسرائيل الأسبوع الماضي قرية في منطقة "غور الأردن"، مع العلم أن العام الجاري شهد أكبر حملات للبناء في المستوطنات المنتشرة في أرجاء الضفة، كما ذكرت صحيفة "هآرتس".

إلى جانب ذلك، فإن صعود بايدن للحكم لن يغير من الخطوات التي أقدمت عليها الولايات المتحدة في ظل حكم ترامب بشأن القضية الفلسطينية، سيما الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، إلى جانب تطبيق الاتفاقات الموقعة بين واشنطن وتل أبيب على المستوطنات، وهو ما يمثل اعترافاً أميركياً واقعياً بضم هذه المستوطنات لإسرائيل.

فضلاً عن ذلك، فإن رئيس حكومة اليمين في تل أبيب بنيامين نتنياهو ووزراءه يواصلون تأكيد التزامهم عدم السماح بتدشين دولة فلسطينية، وحرصهم على طمأنة جمهورهم بأن مخطط ضم أجزاء من الضفة سينفذ آجلاً أم عاجلاً.

في الوقت ذاته، فقد تبين أن الرسالة التي تضمنت احترام تل أبيب "التزاماتها" تجاه السلطة أرسلها وزير الأمن بني غانتس، والذي لا يتعاطى معه أحد بجدية في إسرائيل، حيث يتعرض لانتقادات حادة من قبل القيادات السياسية في الوسط واليسار والنخب الإسرائيلية بسبب عدم تحركه لمواجهة خطوات نتنياهو على كل الصعد. مع العلم أن غانتس كوزير للأمن هو المسؤول المباشر عن منح الأذونات بتدشين المشاريع الاستيطانية.

وتتمثل الأسباب الحقيقية وراء عودة السلطة لنمط علاقاتها السابق مع سلطات الاحتلال، في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها بسبب رفضها تلقي عوائد الضرائب التي تجبيها لصالحها إسرائيل، سيما بعد تقلص الدعم الذي تقدمه الدول العربية لها، واشتراط الدول الأوروبية على السلطة العودة لاستلام عوائد الضرائب قبل أن تقدم لها المساعدات.

مع العلم أن السلطة كانت قد رفضت تسلّم عوائد الضرائب احتجاجاً على مشروع قانون إسرائيلي، يلزم حكومة تل أبيب باقتطاع حجم المخصصات المالية التي تمنحها السلطة لعوائل الأسرى وشهداء الحركة من هذه العوائد.

لكن مصادر متطابقة أكدت لـ"العربي الجديد" قبل أيام، قيام السلطة الفلسطينية بتوقيع فواتير عائدات الضرائب، وهي الخطوة التي تسبق تحويل عائدات الضرائب للبنوك الفلسطينية، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ إعلان السلطة الفلسطينية في مايو/ أيار قطع العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن عودة التعاون الأمني سيساعد إدارة بايدن المقبلة على اقناع إسرائيل باستئناف المفاوضات مع إسرائيل بشأن حلّ الصراع، وهو ما سيضفي مصداقية على تشبث قادة السلطة ببرنامجها السياسي، مع إدراكها أنه في ظل موازين القوى القائم في الحلبة الداخلية الإسرائيلية، فإن المفاوضات لن تسفر عن حدوث أي تحول على مواقف تل أبيب من الصراع.

ومن الواضح أن أولى ضحايا عودة العلاقة بين إسرائيل والسلطة ستكون المصالحة الفلسطينية الداخلية، التي استثمرت فيها حركتا "فتح" و"حماس" خلال الأشهر الماضية جهوداً كبيرة، تمثلت في عقد لقاءات كثيرة في كل من اسطنبول، بيروت، القاهرة، وفي كل من رام الله وغزة.

فنظراً لأن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تُعدَّان ضمن قائمة "الإرهاب" الأميركية والأوروبية، فإن أية مصالحة تضمن انخراط الحركتين في النظام السياسي للسلطة ستقلص فرص عودة العلاقة بين واشنطن والسلطة.

علاوة على ذلك، فإن استئناف نمط التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة يوفر نظرياً بيئة لتوسيع مسار التطبيع بين إسرائيل ومزيد من الدول العربية، على اعتبار أن نظم الحكم العربية المعنية بالتطبيع مع الاحتلال ستدّعي أنه لا يمكن لأحد أن يعترض على تطبيعها مع الاحتلال، في الوقت الذي تعود السلطة للتعاون الأمني معه.