ما وراء تصاعد العنف في دارفور

ما وراء تصاعد العنف في دارفور

25 ابريل 2022
تدور الاشتباكات بين "قوات الدعم السريع" و"قوات التحالف السوداني" (فيسبوك)
+ الخط -

انتقلت الاشتباكات العنيفة من منطقة كرينيك بولاية غرب دارفور السودانية إلى مدينة الجنينة، مركز الولاية، مخلفة أعداداً جديدة من القتلى والمصابين.

وبحسب ما أفاد شهود عيان في مدينة الجنينة لـ"العربي الجديد"، فإن الاشتباكات تدور بين "قوات الدعم السريع" و"قوات التحالف السوداني"، وهو تحالف موقّع على اتفاق السلام بين الحكومة والحركات المسلحة في جوبا عام 2020، إذ يقود التحالف خميس عبد الله الذي يشغل، بموجب الاتفاق نفسه، منصب والي ولاية غرب دارفور، مسرح النزاع.

وأشار الشهود إلى أن أصوات المدافع والأسلحة الثقيلة تُسمع على نطاق واسع في مدينة الجنينة، حيث سقط بعضها على المنازل، فيما أكدوا سقوط عدد من الضحايا تعذّر حصرهم حتى الآن بسبب استمرار إطلاق النار، بينما نزح سكان الأحياء الغربية في المدينة إلى وسط المدينة بسبب القتال الدائر.

وبدأت الأحداث، السبت الماضي، في منطقة كرينيك بالقرب من الجنينة، وسقط فيها نحو 167 شخصاً بين الأهالي ومليشيات الجنجويد، حيث اندلعت اشتباكات نتيجة مقتل اثنين من الرعاة المحليين قبل أن تسارع قبيلتهما إلى الثأر لهما.

وكانت تعزيزات عسكرية قد وصلت من الولايات القريبة ومن المركز في الخرطوم، غير أن تلك التعزيزات لم تباشر مهامها للفصل بين المتحاربين. ونقلت وسائل إعلام محلية عن أمين عام حكومة ولاية غرب دارفور محمد زكريا قوله، إن التعزيزات الجديدة منحت تفويضاً كاملاً للتعامل بحسم مع كل المتفلتين.

من جانبه، أوضح الصحافي محي الدين زكريا، المقيم في مدينة الجنينة، لـ"العربي الجديد"، أن "أحداث اليومين الماضيين كان يمكن تجنّبها بسهولة لو قامت الأجهزة الأمنية في الولاية بواجباتها في تعقّب مرتكبي جريمة القتل"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تباطأت حتى انهار الأمن تماماً، محملًا إياها المسؤولية الكاملة عما حدث.

وقال المحامي الصادق علي حسن، العضو القيادي في هيئة محامي دارفور، وهي هيئة حقوقية مهتمة بالدفاع عن المدنيين في الإقليم، إن دارفور لم تخرج أصلاً من دائرة العنف، وإن التصعيد الأخير سببه تقنين المليشيات وانتشار السلاح بين القبائل والاستقطاب القبلي واتخاذ البندقية وسيلة شرعية للحصول على المطالب والسلطة.

وأضاف، خلال حديث مع "العربي الجديد": "لم تعد هناك دولة في دارفور؛ بل هناك شراكات مسلحة بين العسكر والمليشيات، من دون أن يكون لتلك الشراكات خطط أو برامج، وأن بعض الأطراف فيها تحولوا إلى مستثمرين يستخدمون السلطة في نهب ثروات البلاد ورهنها لدول خليجية".

واستنكر حسن بشدة خطاب "الانتهازية والوصولية" وعدم وجود قيادة مدركة لمآلات الأوضاع في البلاد، منوهاً إلى أن الانهيار الأمني في البلاد من مدخل دارفور، قاب قوسين أو أدنى.

مجلس السيادة يبدي أسفه لتدهور الأمن غرب دارفور

قالت الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة، سلمى عبد الجبار، في تصريح صحافي، إن المجلس يبدي أسفه البالغ للتدهور الأمني في ولاية غرب دارفور، والأحداث التي أدت إلى فقد الكثير من الأرواح.

وأشارت إلى أن المجلس أكد، خلال اجتماع عقده مساء اليوم الإثنين، على "استمرار بذل المزيد من الجهد، بهدف فرض هيبة الدولة وسيادة حكم القانون، لإيقاف نزيف الدم ونشر السلام وبسط الأمن والطمأنينة في المنطقة".

وعلى صعيد الجهود السياسية لإنهاء الأزمة في البلاد، أوضحت عبد الجبار، أن المجلس تداول بشأن تهيئة المناخ العام للتقدم في مساعي الحوار، من أجل تحقيق التوافق الوطني والخطوات الكفيلة بتسريع تلك المساعي التي طرحها وقدمها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في خطاباته ولقاءاته التي تمت خلال الأيام الماضية.

وكان البرهان قد وعد بإطلاق سراح المحتجزين السياسيين ورفع حالة الطوارئ، لتهيئة المناخ للحوار.

البرهان يترأس جلسة طارئة لمجلس الأمن والدفاع

إلى ذلك، ترأس رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، جلسة طارئة لمجلس الأمن والدفاع، لمناقشة مجمل الأوضاع الأمنية في البلاد، وبصفة خاصة أحداث غرب دارفور.

 وأشاد المجلس، طبقا لتصريح صحافي صادر عن وزير الدفاع ياسين إبراهيم، بالإجراءات التي اتخذتها لجنة أمن ولاية غرب دارفور والقوات النظامية والأجهزة الأمنية لحقن الدماء، وتقديم المساعدات الضرورية للمتأثرين من الأحداث.

وأوضح إبراهيم أن مجلس الدفاع اتخذ عدة إجراءات شملت تعزيز التواجد الأمني في ولاية غرب دارفور، بدفع قوات للفصل بين الأطراف واحتواء الموقف، وضرورة استكمال الجهود والترتيبات الأمنية، والاستمرار في إنفاذ نصوص اتفاق جوبا للسلام.

وأضاف أن المجلس كلف وفداً سيادياً للوقوف على الأحداث بولاية غرب دارفور، وتهدئه الأوضاع، وتكوين لجنة لمعالجة الأوضاع الإنسانية وتحسين وتطوير بيئة لعمل النيابات والمحاكم.

إدانات أميركية وبريطانية للعنف

إلى ذلك، دانت السفارة الأميركية في الخرطوم العنف المرتكب ضد المدنيين وتشريد الآلاف في كرينك غرب دارفور. وحثت في بيان "جميع الجناة على الكف فوراً عن ارتكاب جرائمهم"، مؤكدة ضرورة وفاء قوات الأمن بالتزاماتها لضمان سلامة المتضررين من هذه الأحداث.

ودعت السفارة إلى نشر فوري لقوة حفظ السلام في دارفور، وتنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا للسلام بين الحكومة والحركات المسلحة، وتطوير مبادرات لتعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات.

من جهة أخرى، دان السفير البريطاني بالخرطوم، جابلز ليفر، في بيان، أعمال العنف في غرب دارفور، مبيناً أن الحوادث الأخيرة هي امتداد لأعمال عنف منذ أشهر تتحمل كل الأطراف مسؤوليتها.

ودعا السلطات إلى تكثيف الجهد لتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين وإنشاء القوات المشتركة، مضيفًا أن دارفور تحتاج طريقا طويلا للوصول للسلام المستدام بوجود قوة موحدة، وإمكانية الوصول للعدالة، ونزع السلاح، مع إيجاد حل عادل للأزمة السياسية في البلاد، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية تحظى بدعم شعبي.