يأتي إعلان السفير الألماني لدى مصر فرانك هارتمان إلغاء مؤتمر بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والذي كان مقرراً في الـ20 من يونيو/ حزيران الحالي، ليعكس التعاطي الأوروبي والغربي حيال مسألة التقارب العربي مع النظام السوري، وذلك بعدم قبول خطة الجامعة بإعادة مقعد سورية إلى النظام.
ووجهت دول أوربية وغربية ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي رسائل واضحة ترفض تعويم النظام والتطبيع معه تحت أي بند، ما لم يقرّ بالحل السياسي على أساس القرار الأممي 2254.
وأعلن السفير الألماني، أول من أمس الثلاثاء، إلغاء المؤتمر بسبب مشاركة وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، مشيراً إلى أنه من الممكن أنيُكتفى باجتماع بين الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بديلاً عن المؤتمر.
وعلق هارتمان بالقول إن بلاده تحترم القرار العربي (إعادة النظام للجامعة)، لكنها لا ترى أساساً لتطبيع العلاقات، مرجعاً بذلك السبب: "كونه لم يحدث شيء في ما يتعلق بقرار الأمم المتحدة المتعلق بسورية، والذي يؤكد ضرورة إقدام النظام السوري على تحسين أوضاع الداخل السوري، وإعادة اللاجئين، ومكافحة التهريب والاتجار بالمخدرات".
تقييم حذر
وحول هذا الإجراء الألماني، يشير الحقوقي سامر ضيعي، المدير التنفيذي لـ"رابطة المحاميين السوريين الأحرار"، إلى أن الرغبة الألمانية في إلغاء المؤتمر تعبّر عن تقييم الغرب الحذر تجاه النظام السوري.
وأضاف ضيعي لـ"العربي الجديد": "تتضمن معايير هذا التقييم تقدير الوضع الداخلي في سورية والقيمة الاستراتيجية للمشاركة في أي فعاليات دولية مع النظام السوري"، لافتاً إلى أن "الغرب سيستمر في مراقبة التقارب العربي وسيحاول الموازنة بين الرغبة في الحوار والتفاوض والحاجة للحفاظ على القيم والمبادئ الأساسية".
ويعتقد الحقوقي السوري أن "هذا الرفض يشير إلى أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري يجب أن يكون مشروطا بتغييرات كبيرة وملموسة في السلوك والسياسات الداخلية للنظام، وهذه الشروط تشمل الإفراج عن المعتقلين، والتقدّم نحو حلّ سياسي، ووقف القمع الداخلي، والالتزام بالقواعد والمعايير الدولية بشأن حقوق الإنسان. وكذلك المحاسبة على جرائم الحرب بغية تسهيل عملية مصالحة وطنية وعدالة انتقالية".
وأضاف: "من الواضح أن الغرب لن يكون مستعدا للتطبيع إلا إذا شهد تغييرات كبيرة في سورية، وستكون هذه التغييرات مرتبطة بمدى الالتزام الحقيقي للنظام السوري بالقيم الإنسانية والمعايير الدولية والجهود الحقيقية نحو التقدّم السياسي".
لكن الصحافي السوري مصطفى السيد، المقيم في ألمانيا، لا يولي أهمية للإجراء الأوروبي – الألماني، ويعلل رأيه بالقول: "جاء تحرك الجامعة العربية تجاه إعادة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية متوافقا مع بنية ومصالح معظم الحكومات العربية، التي لا تبتعد صناعة القرار في جوهرها عن جوهر بناء القرار في الحكومة السورية، إضافة للبعد الإقليمي بإعادة تشكيل العلاقات مع إيران والبلدان العربية، التي تدور في الفلك الإيراني من بغداد إلى صنعاء ودمشق وبيروت".
وأضاف السيد لـ"العربي الجديد" أن "معظم الحكومات العربية تستلهم قراراتها من آراء الحاشية الملكية أو الرئاسية، ولا تقيم كثيرا من الوزن لرأي الشعب العربي".
وتابع: "والموقف الأوروبي من إعادة تمثيل الحكومة السورية في جامعة الدول العربية يأتي وفقا لمصالح الدول الأوروبية، التي تسعى لتثبيت مكاسبها شرق المتوسط عبر منهج تعديل (سلوك النظام) وفقا للخطوط الرئيسة المعتمدة على تنفيذ القرار الأممي رقم 2254 أو التقدم في تنفيذه، وتحسين الوضع في سورية، سواء العملية السياسية أو عودة اللاجئين أو مكافحة التهريب والمخدرات".
قرار سيادي
من جهته، يرى رائد المصري، وهو أستاذ محاضر في الفكر السياسي والعلاقات الدولية، أنه "يجب الفصل بين قرار الجامعة العربية المتعلق بعودة النظام إلى مقعده وبين القرارات والمواقف الدولية الأخرى، الأميركية والأوروبية".
ولفت المصري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إلغاء الإتحاد الأوروبي المؤتمر قرار سيادي للاتحاد، ويمثل حرية مطلقة لأي دولة، رغم أن الأوروبيين أعلنوا وعبّروا عن احترامهم قرار الجامعة العربية، لكن من وجهة نظرهم هذا لا يلزم الأوروبيين ولا ألمانيا حتى بإعادة التطبيع مع النظام السوري".
وأشار إلى أن "هناك مطالب محقة وسياسات يجب انتهاجها من قبل النظام، هي غير متوفرة حتى الآن، أهمها عودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم والدخول في حل سياسي شامل وضبط الحدود ومنع تهريب المخدرات، وهذه كلها خطوات لا أعتقد أن النظام قادر على تحقيقها بسبب ضعفه، وسيطرة المافيات والمليشيات المسلحة على مفاصل الدولة وكل مؤسسات الإنتاج من نفط وزراعة وتصدير وغيرها".
ويشدد المصري، لـ"العربي الجديد"، على أن "السوريين اليوم وكل العالم أمام قضية صعبة ومعقدة تتطلب حلولاً سريعة لإنهاء معاناة الناس، وهذا يتطلب قرارات قوية وجريئة وتنازلات سياسية للدخول إلى حل وتسوية، ولا أعتقد أن النظام بوارد القيام بذلك الآن طالما أنه يمرر الوقت على اعتبار أنه حقق إنجازاً بالعودة إلى الجامعة العربية".
وأضاف: "أعتقد أن الأوروبيين يجب أن يكون تنسيقهم مع الجامعة العربية كمؤسسة في هذا الشأن لمحاولة الاستدراج البطيء في تقديم تنازلات سياسية، وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي غير ملزم بإعطاء سلفة للنظام من دون تقديم شيء ملموس".
ويعتقد المصري أن "سيف العقوبات الأوروبية والغربية سيبقى مسلطاً على النظام السوري، ويجرى التعامل مع الجامعة العربية كمؤسسة إقليمية رسمية تتولى عمليات التواصل مع النظام وانتظار ما يمكن أن يقدمه في هذا المجال".