استمع إلى الملخص
- التأثير الدولي على المحادثات: بيان مجموعة الدول الصناعية السبع يتهم الصين بأعمال استفزازية، مما يعقد المحادثات. تفضل بكين المفاوضات الثنائية، بينما تعاني "آسيان" من انقسامات داخلية، مع تدخلات أمريكية وتوترات بين الصين والفلبين.
- استراتيجية الصين في المحادثات: يشكك بعض الخبراء في جدية الصين للتوصل إلى اتفاق، حيث تستغل الانقسامات الداخلية بين دول جنوب شرق آسيا لإطالة أمد المحادثات، مما يتيح لها مواصلة أنشطتها في المناطق المتنازع عليها.
تكافح الصين ودول جنوب شرق آسيا منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً لصياغة مجموعة من القواعد لتهدئة التوترات المستمرة في بحر الصين الجنوبي، أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً وإثارة للنزاع في العالم. وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، قد أعلن في مارس/ آذار الماضي، على هامش الاجتماعات التشريعية السنوية في بكين، الانتهاء من القراءة الثالثة لمدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي التي طال انتظارها، ما شكّل رافداً للآمال بأن تؤدّي رئاسة ماليزيا لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) هذا العام إلى تسريع المفاوضات المطولة قبل الموعد النهائي في عام 2026.
ومع ذلك، أشارت وسائل إعلام صينية إلى أنه بغض النظر عن المحادثات الدبلوماسية، يبدو أنه لم يتم تحقيق سوى مكاسب قليلة فعلياً بشأن نقاط الخلاف الشائكة، مع استمرار النزاعات الأساسية حول آليات التنفيذ، والنطاق الجغرافي، والوضع القانوني، ودور القوى الخارجية. وقالت إنه من غير المرجح تحقيق اختراق أو حلّ سريع، مشيرة إلى ارتفاع وتيرة العنف والمواجهات بين القوى العظمى في الممر المائي المزدحم، والذي اتسم بتصاعد التوترات البحرية والحرب الكلامية الأخيرة بين بكين والغرب بقيادة الولايات المتحدة.
لم يتم تحقيق سوى مكاسب قليلة فعلياً بشأن نقاط الخلاف الشائكة
وخلال الشهر الماضي، أصدرت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بياناً شديد اللهجة على نحو غير عادي، اتهمت فيه الصين بالقيام بأعمال غير مشروعة واستفزازية وقسرية وخطيرة في بحر الصين الجنوبي تعرض الأمن البحري للخطر، مثل استصلاح الأراضي وبناء المواقع العسكرية، فضلاً عن استخدام الممرات المائية لأغراض عسكرية. وجاء ذلك بعد وقت قصير من وصف وانغ يي للاحتكاكات البحرية المتكررة بين مانيلا وبكين بأنها لعبة ظلّ تسيطر عليها الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، واتهم واشنطن بتأجيج التنافس بين القوى الكبرى من خلال التدخل في آسيا.
يشار إلى أن محادثات قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي بدأت في تسعينيات القرن الماضي، لكنها منذ ذلك الحين لم تسفر عن نتائج مثمرة بسبب الخلافات بين الدول المتنازعة بشأن رؤية كل دولة لإدارة المحادثات، إذ تفضل بكين المفاوضات الثنائية بدلاً من المحادثات متعددة الأطراف مع الدول المطالبة بالسيادة لتسوية النزاعات، في حين عانت رابطة "آسيان" من انقسامات داخلية بين أعضائها.
تحديات كبيرة في بحر الصين الجنوبي
رأى الخبير في شؤون بحر الصين الجنوبي، ما تشونغ (باحث في مركز لونغ مارش للدراسات الاستراتيجية)، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا يزال من المبكر الحديث عن انفراجة في المحادثات المرتبطة بمدونة قواعد السلوك، موضحاً أن هناك خلافات جوهرية لها علاقة بهامش التدخلات الأميركية في المنطقة وتأثير واشنطن على دول جنوب شرق آسيا، إلى جانب التوترات الأخيرة بين الصين والفيليبين. لكنه لفت إلى أن الصين قد ترغب في قطع الطريق أمام الولايات المتحدة من خلال صياغة مدونة سلوك ربما تقدم من خلالها بعض التنازلات التكتيكية، في مقابل ضبط وتقييد الأنشطة الأميركية في المنطقة والتي كانت سبباً خلال العام الماضي في تصاعد حدة التوترات بين بكين ومانيلا.
وأضاف ما تشونغ أن حديث وزير الخارجية الصيني بصورة إيجابية عن القراءة الثالثة لمدونة قواعد السلوك يدلّ على رغبة جادة لدى بكين في تسريع وتيرة العمل والانتهاء من صياغة متفق عليها بين جميع الأطراف قبل نهاية العام المقبل. وذكّر بأن الصين واجهت وضعاً مماثلاً في عام 2018، عندما أعلن رئيس الوزراء الصيني آنذاك لي كه تشيانغ، أن بكين تهدف إلى اختتام المحادثات بشأن قواعد سلوك بحر الصين الجنوبي في غضون ثلاث سنوات. لكن على الرغم من التعهدات المتكررة بتسريع المحادثات، فقد انقضى الموعد النهائي المحدد في عام 2021 دون التوصل إلى اتفاق، بسبب الخلافات القائمة وكذلك تفشي جائحة كورونا التي أدت إلى تجميد المحادثات، وفق الخبير.
ما تشونغ: الخلافات الجوهرية لها علاقة بهامش التدخلات الأميركية والتوترات بين الصين والفيليبين
ورقة صينية
في المقابل، أعرب الخبير في الشؤون الآسيوية المقيم في هونغ كونغ، كاي فنغ، عن اعتقاده، بأن بكين ليست لديها رغبة حقيقية في التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع في بحر الصين الجنوبي، لأن صياغة مدونة سلوك يتوافق عليها جميع الأطراف تنطوي على تنازلات صينية استراتيجية تتعلق بالسيادة وتتعارض مع كل ما جرّته من وثائق ومستندات خلال العقود الماضية لتأكيد مطالبها. وأكد كاي فنغ في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين لن تتخلى بسهولة عن نفوذها في المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية، كما أن سلوكها هناك من خلال بناء مدرجات للطيران الحربي، واستصلاح الأراضي، لا يعكس أي توجه جاد لحلّ الخلافات وتنازل بكين عن هيمنتها على دول الجوار.
كاي فنغ: صياغة مدونة سلوك يتوافق عليها جميع الأطراف تنطوي على تنازلات صينية استراتيجية
ولفت كاي فنغ إلى أنه في مقابل ذلك، تدفع بكين نحو إطالة أمد المحادثات قدر الإمكان، لأن ذلك يضمن لها استمرار العمل في بحر الصين الجنوبي ضمن المناطق الرمادية، في وقت تقدم فيه إيحاءات للدول المتنازعة بأن هناك فرصاً حقيقية وتقدماً في المفاوضات، وبالتالي إبقاء الوضع على حاله وقطع الطريق أمام أي محاولات لتغيير الواقع لأن ذلك يمثل انقلاباً على الجهود الدبلوماسية. واتهم الخبير في الشؤون الآسيوية، الصين، باستغلال الانقسامات الداخلية بين دول جنوب شرق آسيا، أيضاً، لإطالة أمد حالة الجمود، وهو ما يفسّر استمرار المحادثات بين الأطراف المتنازعة بشأن مدونة قواعد السلوك منذ أكثر من ثلاثة عقود، بحسب رأيه.
وكانت بكين أثارت حفيظة دول جنوب شرق آسيا بسبب تأكيدها ملكيتها معظم الممر المائي الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي، على الرغم من حكم دولي صدر (عن محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي) في عام 2016 أفاد بأن هذا الادعاء لا أساس قانونياً له. وقد وضع هذا الأمر الصين في منافسة مع بروناي وماليزيا والفيليبين وتايوان وفيتنام، التي لها مطالبات جزئية في المناطق المتنازع عليها. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بكين ومانيلا تصعيداً في المواجهات، بما في ذلك حوادث الاصطدام بالقوارب وإطلاق سفن خفر السواحل الصينية مدافع المياه على نظيرتها الفيليبينية، وقد أثارت هذه الاشتباكات مخاوف من أنها قد تجر الولايات المتحدة، حليفة مانيلا الأمنية منذ فترة طويلة، إلى صدام مسلح مع الصين.