عاد المسجد الأحمر، الواقع في قلب العاصمة الباكستانية إسلام أباد، إلى الواجهة مجددا بعد سيطرة حركة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، وبعد إعلان الفرع الباكستاني "تحريكي طالبان" أو "طالبان باكستان" عن سعيها السير على المنوال نفسه لتطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان.
وتواصل حركة "طالبان باكستان" بعث التهديدات وتنفيذ أعمال عنف ضد الجيش الباكستاني والمصالح الحكومية، وبالأخص شمال وجنوب غربي باكستان.
ومنذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، حينما استولت "طالبان" على العاصمة الأفغانية كابول، قامت السلطات الباكستانية ثلاث مرات بإنزال علم حركة "طالبان" الأفغانية عن المسجد الأحمر المعروف أيضا بجامعة حفصة، نسبة للمدرسة الدينية الملحقة به، والقريب من المنشآت الحكومية المهمة في العاصمة الباكستانية، وفي كل مرة كانت تقع مناوشات بين طلاب المدارس وأجهزة الأمن.
وفي المرة الأخيرة لم يكتف مؤسس الجامعة وإمام وخطيب المسجد، عبد العزيز غازي، برفع علم "طالبان" بعدة أماكن في المسجد والمدرسة، بل نشر أيضا صور اً له وهو يجلس في المسجد وبيده السلاح. كما حضر مع عدد من أنصاره أثناء قيام الشرطة بإنزال علم "طالبان" ومعهم السلاح، ما أزعج السلطات الباكستانية التي قامت بتسجيل دعوى ضد الإمام ومدرسته بعد إنزال العلم. وحين حاولت قوات الأمن إنزال علم "طالبان" عن المدرسة والمسجد تجمع الطلاب والطالبات، وحاولوا منعهم من ذلك.
وقالت شرطة إسلام أباد، في بيان، إن غازي يدافع عن "طالبان" وأيديولوجيتها بشكل علني، ويدعو الباكستانيين إلى القيام بالمثل، واتهمته بتهديد الشرطة وأجهزة الأمن، وبمواجهة عواقب وخيمة جراء ذلك.
ويتوقع مراقبون وخبراء في القانون أن السلطات عبر تسجيل الدعوى تمهد لاعتقال الرجل، وتحاول في الآن نفسه تفادي وقوع صدامات مع أنصاره على غرار ما حصل في يوليو/ تموز 2007، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين أنصار غازي وقوات الجيش في قلب العاصمة راح ضحيتها العشرات من طلاب وطالبات المدرسة.
وتعود جذور أزمة المسجد الأحمر، المعروف محليا بـ"لال مسجد"، إلى عام 2001 عندما دخلت القوات الأميركية إلى أفغانستان ووقفت الحكومة الباكستانية إلى جانبها، حينها أصدر المسجد فتوى بحرمة الوقوف مع الأميركيين، ودعا إلى الجهاد ضد القوات الأميركية، وهو ما كان يخالف سياسات الحكومة والجيش الباكستاني.
وفي بداية عام 2007، استفحلت الأزمة بين المسجد والحكومة بعد أن حاولت السلطات تدمير المسجد بحجة أنه بني بشكل غير قانوني.
وبعد عدة أشهر، أطلقت المدرسة والمسجد حملة استقطاب في المنطقة نجم عنها المواجهات العنيفة بين الطرفين راح ضحيتها العشرات، بينهم مدير المدرسة عبد الرشيد غازي.
ويعتبر المسجد رمزا للساعين لتطبيق الشريعة في باكستان، تحديدا حركة "طالبان باكستان"، لذا تراقب السلطات الباكستانية تحركات المسجد بشكل دقيق، لا سيما أن له أنصارا كثرا في شمال غرب وجنوب باكستان.
وجاءت التطورات بالمسجد الأحمر في وقت أعلنت فيه حركة "طالبان باكستان" ترتيب صفوفها من جديد من أجل ما وصفته بتطبيق الشريعة في باكستان، والعمل الحثيث من أجل ذلك، رافضة عرض الحكومة الباكستانية الأخير بالعفو العام عن عناصر الحركة إذا عادوا إلى الحوار.
وقالت الحركة في بيان أخير لها إنها "تسعى لتطبيق الشريعة في باكستان وإسقاط الحكومة" التي تصفها بـ"العميلة للغرب"، وذلك من خلال العمل العسكري.
وتتزامن كل تلك التطورات مع موجة جديدة من أعمال العنف والعمليات التفجيرية التي يشهدها جنوب وشمال غرب باكستان، وجلها تتبناها حركة "طالبان باكستان".
ميدانيا، قتل ظهر اليوم الأحد شرطي باكستاني جراء هجوم نفذه مسلحون على فريق للشرطة كان مكلفا بحراسة حملة مكافحة شلل الأطفال في مدينة كوهات شمالي غرب باكستان. ولم تتبن أي جهة المسؤولية عن الهجوم على الفور.