ما بعد "الطوارئ" في مصر: قوننة سطوة الجيش وتكريس الاستثناء بسيناء

ما بعد إنهاء "الطوارئ" في مصر: قوننة سطوة الجيش وتكريس الاستثناء في سيناء

31 أكتوبر 2021
يواصل الجيش تكبيل حياة المواطنين في شمال سيناء بحجة محاربة الإرهاب (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

يناقش مجلس النواب المصري، اليوم الأحد، عدداً من مشاريع القوانين المهمة التي تؤسس لمرحلة جديدة من القمع والتنكيل وإغلاق المجال العام، بعد الإلغاء الدعائي لحال الطوارئ ووقف تطبيق قانونها ذي الإجراءات الاستثنائية، على رأسها تعديل قانون حماية المنشآت العامة والحيوية سيئ السمعة رقم 136 لسنة 2014، الذي يحيل المدنيين إلى المحاكمات العسكرية بعيداً عن قاضيهم الطبيعي، وتعديل قانون الإرهاب المشدد رقم 94 لسنة 2015 الذي يحمل إجراءات أقسى من الطوارئ.

يتضمن تعديل قانون حماية المنشآت إلغاء الصفة الوقتية

ويتضمن تعديل قانون حماية المنشآت إلغاء الصفة الوقتية التي نص عليها القانون منذ عام 2014، بحيث يصبح دائماً دون ارتباط بفترة محددة، وبحيث تخضع جميع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية لاختصاص القضاء العسكري، بحجة أن القوات المسلحة تتولى مع الشرطة تأمين وحماية تلك المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك محطات وخطوط الغاز، وحقول البترول، وخطوط السكك الحديدية، وشبكات الطرق والجسور، وغيرها من المرافق والممتلكات العامة، وما يدخل في حكمها. وسينتج عن إقرار هذا التعديل استمرار إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية بالمخالفة للدستور، الذي ينص على حق الأفراد في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي، والخروج عن الحالات الاستثنائية التي تنص عليها المادة 204 من الدستور بشأن اختصاصات القضاء العسكري.

وعلى الرغم من أن المحاكم العسكرية تتميز عن محاكم أمن الدولة طوارئ بأنها على درجتين ويمكن الطعن في أحكامها، فإن النظامين يتفقان على ضرورة تصديق الحاكم العسكري على الأحكام ليتمكن المتهمون من الطعن فيها، وهو إجراء يمتد أحيانا ليستغرق أكثر من عام على سبيل التنكيل بالمتهمين وإبقائهم محبوسين.

أما التعديل الثاني على قانون الإرهاب، فيتعلق بالمادة 53 منه، حيث يمنح رئيس الجمهورية الحق في تفويض مسؤولين آخرين لفرض "تدابير احترازية" في مواجهة خطر الإرهاب في بعض المناطق التي يحددها قرار منه، بحجة مواجهة الأخطار والجرائم الإرهابية، وتحقيق المرونة اللازمة في إصدار القرارات المنفذة لهذه التدابير، وذلك لمدة لا تجاوز 6 أشهر، مع تحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير. وفي حقيقته، يستهدف هذا التعديل تقنين القرار الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل إلغاء الطوارئ بنحو 3 أسابيع، بتفويض وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي فرض 10 تدابير استثنائية، وقتما يشاء، بناء على توجيهات السيسي نفسه، على مستوى جميع مناطق شبه جزيرة سيناء، وليس فقط شمال شرقيها الذي يشهد ذروة المعارك مع تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش".

وكان هذا القرار يمنح وزير الدفاع سلطات تفوق بكثير ما يملك رئيس الوزراء نفسه اتخاذه في حال الطوارئ، ويعتبر التفافاً على المادة 53 من قانون مكافحة الإرهاب بنصها القديم، التي كانت تجيز لرئيس الجمهورية حصراً اتخاذ مثل تلك التدابير حفاظاً على الأمن والنظام العام، ولكن دون تفويض لأحد، وكذلك بشرط موافقة مجلس النواب عليها، الأمر الذي لم يشر إليه القرار الجديد من قريب أو بعيد. وبالتالي، يمنح التعديل، الذي ينظر في البرلمان اليوم بعد موافقة اللجنة المشتركة المختصة، تغطية تشريعية لهذا القرار المشكوك في دستوريته، والذي يمنح وزير الدفاع حق فرض حظر التجول في المناطق والتوقيتات والحدود، حتى يرتئي رفع حال الحظر بقرار منه أيضاً، وبغض النظر عن قيام حال الطوارئ من عدمه.

يستهدف تعديل قانون الإرهاب تقنين تفويض وزير الدفاع

وبموجب القرار، من حق وزير الدفاع إصدار قرار بحظر التجول، وتحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها، وإخلاء بعض الأماكن أو المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على أماكن معينة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة، أو غيرها من تقنيات البحث عن الأشخاص والمنشآت أو منع إحرازها وحيازتها. وإمعاناً في السيطرة العسكرية التنفيذية والقضائية على سيناء، ينص القرار على أن "تتولى القوات المسلحة معاونة هيئة الشرطة والتنسيق الكامل معها، ولها اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن، وحماية الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين". كما لها حق اتخاذ إجراءات التحفظ والقبض والتفتيش وضبط الأشياء، ما يعني إحالة جميع المضبوطين والمتهمين في تلك الوقائع إلى النيابة العسكرية فور ضبطها، وعدم اختصاص الشرطة والنيابة العامة بتلك الإجراءات.

وتعليقاً على هذه المستجدات الموجهة إلى سيناء في المقام الأول، يقول أحد مشايخها لـ"العربي الجديد": "لا نشعر بأن الدولة تساوي في التعامل بين أهالي سيناء وبقية الجمهورية، وهذا الشعور ليس جديداً، ولكن مع إعلان السيسي الصريح لإلغاء مد حال الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، تتزايد الأسئلة والتشكيك في أن يشمل القرار سيناء". ويرى أن شمل سيناء "يعني انتهاءً لحالة الإرهاب في المحافظة، وأنها مقبلة على الانفراجة والتسهيلات، وأن شمال سيناء باتت محط اهتمام حقيقي، بينما إن لم يشملها القرار، فذلك يعني أن هذه المنطقة خارج حسابات الجهات السيادية في مصر". ويؤكد الشيخ القبلي أن هناك اهتماماً حقيقياً من قبل المواطنين في سيناء بمعرفة مصيرهم في ضوء تضارب قرار تفويض وزير الدفاع مع قرار إلغاء الطوارئ.

وتعليقاً على ذلك، يرى باحث في شؤون سيناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إلغاء مد حال الطوارئ يتعلق بصورة مصر أمام العالم، وموجه لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية يسعى إليها فريق السيسي. لكنه يضيف أن القيادة العسكرية في مصر تعلم جيداً أنه لا يمكنها إنهاء الطوارئ في شمال سيناء، ورفع يد قوات الجيش عن المواطنين فيها، وترك الأمر إلى تدخل وزارة الداخلية فقط. ويؤكد الباحث أن الجيش يتوسع في استخدام الطوارئ ليتدخل في كل تفاصيل الحياة بسيناء، ويضيّق على المواطنين حياتهم بحجة مكافحة الإرهاب، حيث لا يفصل بين المدنيين الأبرياء والمسلحين. ويوضح الباحث أن "استباق السيسي إلغاء الطوارئ بقرار التفويض، الذي يحصن أعمال الجيش فيها للاستمرار في سياسة التعامل بسيناء، يمنح السلطة الحق في ممارسة إجراءات حال الطوارئ كما هي دون تغيير".

يذكر أنّ البرلمان سيناقش اليوم أيضاً مشروع تعديل قانون العقوبات لتغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع، لتصل إلى السجن مدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تزيد عن 5 سنوات، مع دفع غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه (حوالي 320 دولاراً)، ولا تزيد عن 50 ألف جنيه (حوالي 3200 دولار)، بدعوى تحقيق المزيد من الردع العام قبل هذه الجريمة. ويضيف هذا المشروع للمرة الأولى بنداً غامضاً بحظر إجراء استطلاعات أو أبحاث أو استبيانات أو جمع معلومات بشأن القوات المسلحة أو أفرادها السابقين والحاليين من دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع.