مع وصول العملية الأمنية التي تقوم بها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في مخيم الهول بريف الحسكة، إلى مرحلتها الأخيرة، تم الإعلان عن اكتشاف 28 نفقاً غير شرعي حفرتها خلايا تنظيم "داعش" داخل المخيم. كما تم الإعلان عن اعتقال 209 أشخاص من المنتمين للتنظيم، ومصادرة ثلاث بنادق كانت بحوزة عناصر من الأخير، يقومون بعمليات قتل يومية بلغت حصيلتها 44 شخصاً من قاطني المخيم خلال الفترة الأخيرة.
إن هذه النتائج المثيرة للاستغراب حول العملية الأمنية في مخيم الهول قد تكون منطقية فيما لو تمت في منطقة يسيطر عليها تنظيم إرهابي وليس في منطقة تضم عائلات منتسبي أخطر تنظيم في العالم، ويفترض أنها تحت سيطرة "قسد"، وبحماية قوات تحالف دولي من أكثر من خمسين دولة لمحاربة هذا التنظيم.
هذه النتائج تستوجب إدانة كل الأطراف التي تسيطر على المخيم، وليس تصويرها على أنها انتصار كبير على الإرهاب. من غير المعقول أن يتمكن عناصر تنظيم داعش من حفر 28 نفقاً، وقتل عشرات المدنيين والاحتفاظ بأسلحة خفيفة، من دون أن يتم لحظها من الجهات التي تسيطر على المخيم، إلا إذا كان كل ما تم كشفه في المخيم هو بالحد الأدنى، معروف مسبقاً ومسكوت عنه إلى حين القيام بالعملية الأمنية المزعومة.
ويبدو أن الهدف من هذه العملية التأكيد على استمرار خطر "داعش" والإرهاب في المنطقة، والذي يعدّ السبب الأساسي لاستمرار "قسد"، ولبقاء دعم الولايات المتحدة والغرب لها. وفي المقابل، فإن زيارة وفد من التحالف لمخيم الهول قبيل انتهاء العملية الأمنية، وتصدير تلك النتائج التي تطرح الكثير من التساؤلات، دليل واضح على توافق بين "قسد" والغرب على تسويق هذه الحملة، ولكلا الطرفين أهدافه الخاصة.
وبالتالي، فإن الحملة الأمنية في مخيم الهول هي حملة إعلامية سياسية تتشابه مع كل الحملات التي تقوم بها الأطراف الأخرى في إطار "محاربة الإرهاب"، وذلك من خلال الحفاظ على الإرهاب، وصناعته إذا تطلب الأمر، مع وجود أدوات تتحكم به، ومحاربته بين الحين والآخر من أجل الحفاظ على مبرر وجود تلك الجهات.
ولعل نظام بشار الأسد هو الأسبق والأبرع في صناعة الإرهاب بهدف محاربته، منذ بداية الثورة السورية، حين أفرج عن كل المتشددين من سجن صيدنايا ليشكلوا كل التنظيمات التي يحاربها حالياً، وعلى رأسها تنظيم "داعش". كما أن لديه أدوات تتحكم بتلك التنظيمات، التي استخدمها في تخويف المناطق الواقعة تحت سيطرته، وخاصة مناطق الأقليات الدينية كي يضعها أمام خيار الولاء له أو أن تواجه تلك التنظيمات، كما حصل في ريف السويداء حين سهل لـ"داعش" ارتكاب مجزرة بحق سكانها عام 2018، وفي ريف سلمية حين سهل للتنظيم أيضاً ارتكاب مجزرة المبعوجة عام 2015.