مالي تنسحب من مجموعة الساحل: ازدياد العزلة وخطر الإرهاب

مالي تنسحب من مجموعة الساحل: ازدياد العزلة وخطر الإرهاب

17 مايو 2022
تشكلت قوة الساحل في عام 2017 (دافنيه بونوا/فرانس برس)
+ الخط -

فيما يزداد الابتعاد بين مالي والمجتمع الدولي، بعد الانقلابين اللذين نفّذهما العسكر منذ أغسطس/آب 2020، بلغ هذا الابتعاد مرحلة جديدة، بعد إعلان باماكو أول من أمس الأحد، الانسحاب من مجموعة دول الساحل (جي 5)، ومن قوتها العسكرية لمكافحة المجموعات المسلّحة المتطرفة، والتي بدأت عملها في عام 2017.

وتعترض الطغمة العسكرية الحاكمة في مالي، بقيادة الرئيس الانتقالي أسيمي غويتا، خصوصاً، على عدم تسليم مالي رئاسة المجموعة كما كان مقرراً منذ فبراير/شباط الماضي، في إجراء قد يبدو "عقابياً" بسبب عدم التزام العسكر بمهلة 16 شهراً طالبت بها الدول الأفريقية المعنية بأزمة مالي، وأبرزها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، لإجراء انتخابات في البلاد.

ويوجه انسحاب مالي من مجموعة "جي 5" لدول الساحل، المؤلفة من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد، ضربة قوية لجهود بنتها فرنسا، قوة الاستعمار السابقة في المنطقة، منذ 2013، لمحاربة "الجهاديين" في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى انسحابها من مالي، على الرغم من التشكيك المستمر طوال السنوات الماضية بجهود هذه القوة العسكرية في غرب أفريقيا، وفشلها في فرض نفسها، وتحقيق أي تقدم واضح في مواجهة المجموعات المتطرفة المتنامية، والموالية معظمها لـ"القاعدة" أو "داعش".

ويعني الانسحاب ازدياد عزلة مالي سياسياً وعسكرياً، بعد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من "إيكواس"، ما يجعلها أكثر تعويلاً على روسيا، التي وجدت في مالي موطئ قدم جديدا واستراتيجيا في أفريقيا، علماً أن هذا الافتراق بين مالي ومجموعة "جي 5" الساحلية قد يكون له تداعياته الأمنية، ليس فقط لجهة محاربة الإرهاب، بل في تبادل المعلومات المتعلقة بعمليات التهريب والإتجار بالبشر والهجرة غير النظامية إلى أوروبا، فضلاً عن أنها نقطة أساسية ينتقل منها المقاتلون المتطرفون إلى الدول المجاورة، ومنها أيضاً إلى الجزائر وليبيا.

مالي... انسحاب تام من مجموعة دول الساحل وهيئاتها

وأعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي أول من أمس، الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس، المؤلفة من مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، ومن قوتها العسكرية لمكافحة المتطرفين، واتهمها بأنها "أداة" في يد "الخارج" بعد رفضها توليه رئاستها في ما رأى أنه مسعى لإحكام عزلته.

وأشار بيان الحكومة الانتقالية إلى أن "حكومة مالي قرّرت الانسحاب من كل أجهزة مجموعة دول الساحل وهيئاتها، بما فيها القوة المشتركة" لمكافحة المجموعات المسلحة المتطرفة. وأوضح المتحدث باسم الحكومة المالية، الكولونيل عبدالله مايغا، في تصريح للتلفزيون الرسمي، إن العلاقات الثنائية مع دول مجموعة الساحل "لا تزال قائمة".

وكان من المفترض أن تستضيف باماكو في فبراير الماضي، قمّة تكرس "بداية الرئاسة المالية لمجموعة دول الساحل الخمس"، لكن "بعد مرور نحو 3 أشهر" على الموعد "لم يعقد" الاجتماع، وفق بيان الحكومة.

وأعلنت باماكو في البيان "رفضها بشدة ذريعة دولة عضو في مجموعة دول الساحل الخمس تستند إلى الوضع السياسي الداخلي، لمعارضة تولي مالي رئاسة المجموعة"، من دون أن يسمي البيان هذه الدولة.

تتهم مالي دولة أجنبية بالضغط لعدم ترؤس باماكو مجموعة الساحل، في إجراء دوري

وبحسب الحكومة المالية، "تتصل معارضة بعض دول مجموعة دول الساحل مالي، بمناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل مالي" من دون تسميتها، في إشارة إلى فرنسا على ما يبدو. وكانت باماكو قد اتهمت في وقت سابق مجموعة دول الساحل بـ"فقدان الاستقلالية" وبأنها ضحية "تسييس" هيئاتها التي تعاني من "خلل خطير".

ويعزز انسحاب مالي عزلتها عن جيرانها في حين تخضع باماكو منذ 9 يناير/كانون الثاني الماضي، لسلسلة تدابير اقتصادية ودبلوماسية فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" رداً على توجّه المجلس العسكري الحاكم للبقاء في السلطة.

ويأتي الانسحاب لمالي من قوة مجموعة "جي 5" الساحلية بعد إعلان المجلس العسكري مطلع مايو/أيار الحالي، إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة بين مالي وفرنسا في عام 2014 واتفاقات مبرمة في 2013 و2020 تحدّد الإطار القانوني لوجود قوّتي "برخان" الفرنسية لمكافحة المتطرفين و"تاكوبا" الأوروبية.

تعثر دائم في محاربة "الجهاديين"

وتشكّلت مجموعة دول الساحل الخمس في عام 2014، فيما شكلت قوتها لمكافحة "الجهاديين" في 2017. ويبلغ عديد القوة العسكرية لمجموعة دول الساحل الأفريقي خمسة آلاف عنصر، لكن نشاطها لطالما اتسم بالتعثر، بسبب نقص التمويل خصوصاً، وتمدد الجماعات "الجهادية"، بسبب فقدان القوى المعنية بالأزمة، بالإضافة إلى القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، إلى خريطة طريق لحلّ الأزمة خارج الإطار العسكري، فيما تعمل الصراعات الإثنية والدينية والفقر والجفاف والفساد على تمديد نفوذ المتطرفين في الأرياف والمناطق المهمشة والنائية في هذه المنطقة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد حذّر في تقرير سلّمه لمجلس الأمن الدولي في 11 مايو الحالي، من أن الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو (انقلاب عسكري في يناير الماضي أطاح بالرئيس روك كابوري) تضر بقدرة قوة مجموعة الساحل على التصدي لـ"الجهاديين".

خرج الحديث في مالي، أواخر العام الماضي، عن إمكانية فتح حوار بين الحكّام العسكريين و"الجهاديين"

وقال غوتيريس: "أشعر بقلق بالغ حيال التدهور السريع للوضع الأمني في الساحل، وكذلك حيال التأثير الضار للوضع السياسي الهشّ في مالي وبوركينا فاسو على الجهود الهادفة إلى تعزيز قدرة القوة المشتركة لمجموعة الساحل على تنفيذ عملياتها". وتشهد مالي منذ عام 2012 أزمة أمنية لم يساعد تدخل قوات فرنسية وأممية وأوروبية على وضع حد لها. وبات وسط مالي اليوم، إحدى النقاط الساخنة في الأزمة التي تعصف بمنطقة الساحل.

وليس معروفاً ما إذا كانت مالي ستوقف المعلومات الاستخبارية، التي تقدمها في هذا السياق، بعد الانسحاب، علماً أن فرنسا قد بدأت فعلياً في تعزيز وجودها العسكري في إطار قوة "برخان" المنسحبة من مالي، في النيجر المجاورة، والتي تتمركز في عاصمتها نيامي قاعدة دائمة للجيش الفرنسي في غرب أفريقيا.

من جهة أخرى، خرج الحديث في مالي، أواخر العام الماضي، عن إمكانية فتح حوار بين الحكّام العسكريين و"الجهاديين"، وأبرزهم من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لـ"القاعدة". وكان الحديث عن إمكانية الحوار قد خرج في عهد الرئيس المخلوع الراحل إبراهيم أبو بكر كيتا، علماً أن الشهرين الماضيين شهدا ارتفاعاً في منسوب العمليات والهجمات المسلحة للمتطرفين في مالي، والتي باتت تستهدف أيضاً مرتزقة من مجموعة "فاغنر" الروسية، التي وضعت أقدامها في البلاد خلال مرحلة الانقلاب الجديد، وشكّلت أحد أسباب التوتر الإضافي بين فرنسا، ومعها أوروبا، ومالي.

ويشكل الانسحاب الجديد لمالي من قوة دول الساحل ومجموعتها باباً إضافياً أمام دول أخرى، إقليمية ودولية، للمزيد من محاولات ملء الفراغ، فيما لا تزال المسألة الأكثر أهمية أمنياً، هي كيفية إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية المعنية بمحاربة الإرهاب، سواء الغرب أفريقية أو الأوروبية في المنطقة، على وقع ازدياد العزلة المالية. علماً أن جهاز الـ"جي 5" كان الأكثر إخفاقاً في "إدارة أزمات المنطقة"، في منطقة تعجّ بالمبادرات العسكرية غير الفعّالة.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)


 

المساهمون