مالي... الرمال التي لا تهدأ

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
صهاريج نفط لمالي على حدود ساحل العاج، 30 أكتوبر 2025 (إيسوف سانوغو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتعرض باماكو لحصار من جماعات مرتبطة بالقاعدة، مما يكشف عن ضعف أمني وعسكري في مالي ويهدد استقرار المنطقة.
- المواجهة مع الجماعات المسلحة تثير تساؤلات حول تضخم الإرهاب رغم التحالفات، مع شكوك حول استفادة بعض الأطراف من الفوضى.
- الجزائر تحذر من التغيرات الأمنية في المنطقة، مشددة على ضرورة الاستعداد، خاصة بعد أحداث مثل هجوم تيقنتورين وتأثير سيطرة الجماعات الإرهابية في شمال مالي.

لم يحدث أن كانت عاصمة بلد أفريقي، تحت حصار مجموعات مسلحة موسومة بالإرهاب، تعلن ولاءها لتنظيم القاعدة (جماعة أنصار الإسلام والمسلمين)، على النحو الذي تتعرض له عاصمة مالي باماكو منذ شهر ونيّف. لا يتعلق الأمر بقوة هذه الجماعات المسلحة بالضرورة، بقدر ما يتعلق بهشاشة أمنية وعسكرية غير مسبوقة لدى السلطة الحاكمة في مالي، على الرغم من تحالفاتها الجديدة، ومرحلة تعد الأكثر ضعفاً بالنسبة للدولة المركزية في باماكو.

ينذر الوضع بلحظة انهيار خطيرة، ستكون لها تداعياتها الوخيمة، ليس على مالي فحسب، ولكن على كامل المنطقة التي تعاني أصلاً من تمزقات مناطقية وهشاشة أمنية وسياسية منذ عقود، ولم تستقر على وضع يساعد على التحول إلى استحقاقات التنمية. هذا الوضع الراهن في المحصلة، هو نتيجة لعوامل متعددة ومتداخلة، بعضها داخلي يتصل بإخفاقات النخب السياسية في تركيز مقومات الدولة الوطنية بحدها الأدنى، وبعضها مرتبط بعوامل خارجية وتدخلات استهدفت إبقاء حالة الفوضى والانقلابات، ما يُعدّ جزءاً من سيرورة سياسية لدولة مالي ودول الساحل.

بغضّ النظر عن مشكلة الأزواد في الشمال، والتي لها سياقها السياسي ومطالبها المناطقية وتؤطرها الوساطة الدولية، فإن المواجهة بين باماكو والجماعات المسلحة الموسومة بالإرهاب، ليست مشهداً جديداً في الحالة المالية، لكن بشكلها الحالي الذي بات ينذر بانهيار الخط الدفاعي الأخير للعاصمة، يطرح أكثر من سؤال حول تضخم غير طبيعي للظاهرة الإرهابية في مالي، في ظرفية عقدت فيها باماكو تحالفات عسكرية وسياسية يفترض أن تحد من تمدد الخطر الإرهابي. وهذا يدفع إلى التساؤل فعلياً عمّا إذا كانت الممرات التي تتوسع عبرها الجماعات الإرهابية، مسالك خبرتها عن معرفة أم بإغماض عين من أطراف يخدمها تعفين الوضع.

لم يعد خافياً أن ثمة علاقة وظيفية بين الإرهاب وكثير من المخططات التي تعتمد على الإرهاب، ما يُعدّ مقدمةً لتجريف الأرضية، قبل تركيز المصالح، ومالي بلد يثير الأطماع بفعل اليورانيوم ومناجم الليثيوم، وهذا قد يجيب بعض الشيء عن سؤال لماذا يراد لمالي ولكامل المنطقة أن تبقى تحت هذا الوضع المضطرب؟ إنه وضع مثالي يسهّل نهب الثروات. الشيء بالشيء يذكر، وصحيفة لومانيتي (L'Humanité) الفرنسية الصادرة أمس الثلاثاء، نشرت ملفاً عن "أسمنت الدم"، يتعلق بالتمويل الفرنسي لتنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات "الجهادية" في سورية، عبر شركة لافارج للأسمنت، يظهر ذلك أن الإرهاب هو في بعض الحالات والمناطق جزء من نسيج استخباري معقد ومتداخل.

حذّرت الجزائر، بوصفها بلداً ذا ثقل في المنطقة، لديه الإمكان لاستيعاب وفهم الاستحقاقات الإقليمية والتدبير الدولي للتوترات، من هذا الوضع، ومن التغيير الراديكالي لمحددات الأمن والاستقرار في المنطقة، ذلك أن الجزائر معنية قسراً، بغض النظر عن راهن العلاقة مع باماكو ودول الساحل، بكل تطور يحدث في مالي. تلك أحكام الجغرافية التي تفرض الانتباه بشدة إلى هذه التطورات، والاستعداد لمخارجها. لم يكن الهجوم الإرهابي الكبير على منشأة الغاز في تيقنتورين (عين أميناس) جنوبي الجزائر في يناير/كانون الثاني 2013، سوى نتيجة لسيطرة الجماعات الإرهابية على مدن شمال مالي ربيع عام 2012، بعد انهيار الجيش المالي في المنطقة القريبة من الحدود مع الجزائر، وهو حدث كان مكلفاً جداً بالنسبة للجزائر على كل الأصعدة.