ماكرون ينهي "أكذوبة فرنسية" عمرها 64 عاماً بشأن اغتيال مناضل جزائري

ماكرون ينهي "أكذوبة فرنسية" عمرها 64 عاماً بشأن اغتيال مناضل جزائري

03 مارس 2021
ماكرون يُدلي بالاعتراف "باسم فرنسا" (بونوا تيسيي/ فرانس برس)
+ الخط -

اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعرض المناضل الجزائري علي بومنجل لـ"التعذيب والقتل" على يد الجيش الفرنسي خلال الثورة التحريرية الجزائرية سنة 1957، وأقر ماكرون "باسم الدولة الفرنسية"، خلال استقباله في قصر الإليزيه أحفاد المناضل، بأن بومنجل "قتل"، بعد أكثر من ستة عقود ظلت السلطات الفرنسية تتسمك فيها برواية انتحاره.  

وجاء استقبال ماكرون لأفراد من عائلة المناضل بومنجل في إطار تنفيذ خطوات أوصى بها المؤرّخ الفرنسي بن يامين ستورا، في تقريره الذي قدمه قبل شهر إلى الرئيس ماكرون، حول خطوات لمعالجة ملف الذاكرة التاريخية مع الجزائر، وطي صفحة الآثار المترتبة على الاستعمار الفرنسي للجزائر. 

ويعد علي بومنجل أحد أبرز المناضلين في الحركة الوطنية الجزائرية، إذ نشط في عدة حركات سياسية قبل اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، وساعدته ثقافته ودراسته للحقوق في جامعة الجزائر، وممارسته مهنة المحاماة، في الدفاع عن القضية الجزائرية والتعريف بها في الخارج، وهو ما أزعج الاستعمار الفرنسي الذي ألقى عليه القبض وقام بتعذيبه وقتله، قبل إطلاق مزاعم بانتحاره. وقبل سنوات من إقرارات ماكرون، كان الجنرال الفرنسي بول أوساريس، وهو أحد أباطرة تعذيب الجزائريين، قد أقر في مقابلات تلفزيونية بأن بومنجل تم تعذيبه وقتله ثم رميه من الطابق الرابع لعمارة في منطقة الأبيار في أعالي العاصمة. 

 

ويعد اعتراف ماكرون بمسؤولية الجيش والدولة الفرنسية عن مقتل بومنجل الثاني من نوعه، بعد اعترافه عام 2019 بالمسؤولية عن مقتل عالم الرياضيات موريس أودان في الجزائر في يونيو/ حزيران عام 1957، بعد تعذيبه بسبب مواقفه الداعمة للثورة والقضية الجزائرية، فيما كانت باريس تزعم أن أودان (سميت باسمه ساحة وسط العاصمة) قد فر من يد الشرطة وقتل في ظروف غامضة.

وتفتح هذه الاعترافات المتتالية، التي تأتي بعد اعتراف الرئيس الفرنسي عام 2017، بأن "الاستعمار ظلم وجريمة ضد الإنسانية سلطت على الجزائريين"، الباب واسعاً حول مصير عشرات المناضلين والمفقودين الجزائريين الذين فقدوا في ظروف غامضة على يد قوات الجيش الفرنسي في الجزائر، ومسؤولية فرنسا في بعض الملفات العالقة كالمجازر الجماعية وجرائم التفجيرات النووية الصحراء الجزائرية. 

ويعتقد مؤرخون يشتغلون على ملف الذاكرة التاريخية وملف الاستعمار أن هذه الخطوة السياسية، على أهميتها، تؤكد صدقية ومشروعية المطالب التاريخية للجزائر بشأن جرائم الاستعمار وضرورات تصحيح كثير من المغالطات التي سوقتها فرنسا في السابق، لكنه يظهر في نفس الإطار اختياراً فرنسياً للتوقيت السياسي لطرح هذه الاعترافات. وقال المؤرخ أحمد بن يغرز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الإقرار الجديد لماكرون، على أهميته، يبدو كما لو أنه خطوة محسوبة في مشروع أكبر مضبوط، وضمن خطوات موزونة، مثل المحارب الذي يتراجع خطوة لكن يكسب بتراجعه المحسوب خطوات"، مضيفا أن "البعد السياسي حاضر في الخطوة الجديدة، ومن وجهة نظر أوسع، فإنني أقدر كما احتلوا جغرافيتنا في الماضي، فإن الأسلوب الفرنسي مدروس ويعمل على احتلال الإدراكات التاريخية، وهذا هو الأخطر في رأيي". 

ويضيف الدكتور بن يغرز ، وهو أستاذ التاريخ في جامعة الخميس غربي الجزائر، أن "ماكرون يريد بهذا الاعتراف تصحيح بعض المواقف الأخيرة التي كانت محل استهجان في الجزائر وفي فرنسا، لكن بدون إهمال أن تدبيرهم في ملف الذاكرة ينبع من رؤية، وهذا من حقهم، فالطرف الفرنسي يعمل على تثبيت المكانة والمقاربة الفرنسية لملف الذاكرة"، وعبر بن يغرز، في المقابل، عن استيائه من ضعف المقاربة الجزائرية وغياب تصور واضح بشأن معالجة ملف الذاكرة، وقال "التصرف حيال الملف في الجزائر ما زال لم يغادر دائرة ردود الفعل، وفاقدا للقدرة على صياغة رؤية خارج الرؤية الرسمية".