استمع إلى الملخص
- تواجه فرنسا حالة من عدم اليقين السياسي والاجتماعي مع إضرابات واحتجاجات، وتداول أسماء لخلافة بارنييه مثل فرنسوا بايرو وسيباستيان لوكورنو وبرنار كازنوف.
- انقسمت الجمعية الوطنية إلى ثلاث كتل رئيسية، مما أدى إلى سقوط الحكومة بعد ثلاثة أشهر، ويواجه ماكرون تحديات في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة لمعالجة العجز المالي المتزايد.
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس، أنه سيسمّي رئيسا جديدا للوزراء "في الأيام المقبلة"، بعد استقالة ميشيل بارنييه إثر حجب الثقة عن حكومته في الجمعية الوطنية (البرلمان). وفي خطاب إلى الأمة، رفض ماكرون أيّ دعوات إلى استقالته، مؤكداً أنه سيبقى رئيساً "بشكل تام، حتى انتهاء الولاية" في العام 2027، ومهاجما اليمين المتطرف واليسار الراديكالي اللذين اتّهمها بأنهما اتّحدا ضمن "جبهة مناهضة للجمهورية" بهدف إسقاط حكومة بارنييه.
وتغرق فرنسا في عدم اليقين بعد حجب الثقة عن الحكومة التي تترافق مع عاصفة أخرى اجتماعية. فمن المدرسين إلى المراقبين الجويين، يشهد الخميس تعبئة وإضراباً في صفوف الموظفين الرسميين مع عشرات التجمعات المتوقعة في كل أرجاء البلاد، فيما طلب الطيران المدني من الشركات الجوية خفض برامج رحلاتها. وصل بارنييه، المفوض الأوروبي السابق الذي ينتمي إلى صفوف اليمين، عند الساعة العاشرة (الساعة التاسعة بتوقيت غرينتش) إلى قصر الإليزيه، وخرج منه بعد ساعة من دون أن يدلي بأي تصريح.
وأعلنت الرئاسة أن ماكرون "أخذ علماً" باستقالة رئيس الوزراء الذي سيتولى مع حكومته تسيير الأعمال حتى تسمية خلف له. وجرى تداول أسماء شخصيات عدة للخليفة المحتمل، بينهم رئيس حزب "الحركة الديمقراطية" فرنسوا بايرو، ووزير القوات المسلّحة سيباستيان لوكورنو، وحتى رئيس الوزراء الاشتراكي السابق برنار كازنوف. وثمة ضرورة لحصول تحرك عاجل نظراً إلى عمق الأزمة السياسية المستفحلة منذ قرر ماكرون حل البرلمان في يونيو/حزيران الماضي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها معسكره في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أمام اليمين المتطرف.
وأفضت الانتخابات التشريعية المبكرة إلى جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على ثلاث كتل، هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون واليمين المتطرف، من دون أن يكون لأي منها الغالبية المطلقة. بعد مداولات استمرت خمسين يوماً، شكلت حكومة تضم وزراء من اليمين والوسط مطلع سبتمبر/ أيلول. وبعد ثلاثة أشهر على ذلك، سقطت الحكومة أمام الجمعية الوطنية بموجب مذكرة حجب ثقة للمرة الأولى منذ العام 1962. وهذه أقصر ولاية لحكومة في ظل الجمهورية الفرنسية الثانية التي أعلنت في العام 1958.
وطلبت رئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون-بيفيه من ماكرون، صباح الخميس، تعيين رئيس جديد للوزراء "سريعاً". واستقبل الرئيس الفرنسي برون-بيفيه، ومن المقرر أن يستقبل رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه. وتناول ماكرون أيضا الغداء، الخميس، في الإليزيه مع بايرو الذي يجرى تداول اسمه ليحل محل بارنييه. في الأثناء، امتنعت أوساط الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوى عن تقديم أي جدول زمني للخطوات التالية، لكن مقربين منه أشاروا إلى أنه ينوي التحرك بسرعة وربما اعتباراً من مساء الخميس، وأكد أحدهم "لا خيار له".
ويبدو الانقسام واضحاً بين اليسار والوسط واليمين للاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة. وحذرت زعيمة مجموعة نواب حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، الخميس، من أن حزبها لن يعطي الثقة في الجمعية لأي رئيس للوزراء لا ينتمي إلى تحالف اليسار المعروف باسم "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي يضم الخضر والاشتراكيين والشيوعيين واليسار الراديكالي.
ماكرون يرفض فكرة الاستقالة
واعتمدت مذكرة حجب الثقة بتأييد 331 نائباً فيما كانت تحتاج إلى 289 فقط لإسقاط الحكومة، ما يجعل الضربة مؤلمة أكثر على السلطة. ولحجب الثقة عن الحكومة، صوّت نواب اليسار وحزب "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف وحلفاؤه دعما للمذكرة التي تتناول مسائل الميزانية، فيما تعاني فرنسا من مديونية مرتفعة.
وسارع اليسار الراديكالي إلى المطالبة باستقالة رئيس البلاد والدعوة إلى انتخابات "رئاسية مبكرة". واعتمدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان موقفاً أكثر اعتدالاً مقارنة باليسار الراديكالي، مؤكدة أنها ستفسح المجال أمام رئيس الحكومة المقبل "للعمل على بناء ميزانية مقبولة للجميع بشكل مشترك". وقالت: "لا أطالب باستقالة إيمانويل ماكرون".
واستبعد ماكرون، الذي انتخب في 2017 لولاية أولى وفي 2022 لولاية ثانية، الاستقالة. ومع أن سقوط حكومة ميشال بارنييه كان متوقعا، إلا أن الصحافة أعربت عن قلقها، الخميس، من "مرحلة الغموض التي تلوح في الأفق". وانقسم الفرنسيون حول الوضع، فأيد 53% قرار النواب في حين أعرب 82% عن قلقهم من تبعاته على ما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "تولونا هاريس إنتراكتيف" لحساب "آر تي إل".
وأعرب مواطنون استطلعت وكالة "فرانس برس" آراءهم في أرجاء البلاد عن قلقهم من "الغموض" و"الحلقة المفرغة" و"الطريق المسدود". ويتطلب وضع الميزانية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو تشكيل حكومة بأسرع وقت. ويتوقع أن يبلغ العجز العام 6,1% من إجمالي الناتج المحلي في 2024، أي أكثر بكثير من 4,4% التي كانت متوقعة في خريف العام 2023، فيما سيؤثر عدم اليقين السياسي على كلفة الدين والنمو.
(فرانس برس، العربي الجديد)