مارين لوبان... حلم الرئاسة بين القضاء والسياسة

04 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
لوبان في الجمعية الوطنية، 1 إبريل 2025 (آن كريستين بوجولا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحكم القضائي ضد مارين لوبان يقصيها من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، مما يضع حزبها "التجمع الوطني" في موقف صعب ويفتح المجال أمام قوى اليمين التقليدي لإعادة تشكيل صفوفها.
- إقصاء لوبان يؤثر على زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون، حيث يفقد خصمًا قويًا، لكنه يواجه تحديات جديدة من تكتل اليمين.
- ردود الفعل الدولية والمحلية متباينة، حيث تحاول لوبان تحويل الحكم إلى قضية سياسية، بينما يسعى حزبها للحفاظ على سلمية الحراك.

حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية بدأت قبل عامين من موعدها المقرر في مايو/ أيار 2027، نتيجة للتداعيات التي أثارها الحكم القضائي، الذي صدر في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي ضد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي تحظى بنسبة تأييد تتراوح بين 34% و37% من الناخبين، بحسب آخر استطلاعات الرأي. حيثيات الحكم القضائي الذي صدر، تضع مارين لوبان خارج سباق الرئاسة في الانتخابات المقبلة، كونها باتت مجردة من حقوقها السياسية لمدة خمسة أعوام، ومن غير المؤكد أن مضمون الحكم سيتغير، حينما تُعقد محكمة الاستئناف للنظر في القضية، في صيف العام المقبل.

الحكم على مارين لوبان

جاء الحكم على لوبان بعد مداولات قضائية، العام الماضي، وخلاصة لـ152 صفحة من الحيثيات، وعدة آلاف من الصفحات التي تضمنت تفاصيل الادعاء ضدها مع مجموعة من أعضاء حزبها من قبل البرلمان الأوروبي بتهمة اختلاس المال العام. وقد طلبت محكمة الجنايات في باريس، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إيقاع عقوبات أقسى من ذلك، ولكن يبدو أن عدة معطيات التقت من حول الخلاصة الأخيرة، التي تجردها من حقوقها السياسية لمدة خمسة أعوام، وإيقاع عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، من بينها سنتان مع النفاذ، وهو أمر لم يكن مفاجئاً للرأي العام، لأن الوقائع والمؤشرات كانت تلتقي عند عدم خروجها سالمة هذه المرة من بين مسالك القضاء، الذي حاول في أكثر من مرة أن يشل حركتها السياسية، ولكنها نجت. ولذلك رأى استطلاع رأي أن 55% من الفرنسيين، وجدوا أن الحكم عادل و63 في المائة وجدوه غير مفاجئ.

تحسب لوبان بأن تحريك الشارع قد يدفع الحكومة على حثّ القضاء للاستعجال بالمسألة

تشابهت الأسباب التي قادت لوبان إلى المحاكم في جميع المرات السابقة، وهي متعلقة بالطرق والأساليب الملتوية لتمويل حزبها، الذي بات رقماً صعباً في المعادلة السياسية، وهدّد بعد انتخابات الصيف الماضي البرلمانية، بإيصال رئيسه جوردان بارديلا إلى موقع رئيس الحكومة، ولكنه لم يفلح في ذلك، رغم النتائج التي حققها، ووضعته في موقع القوة السياسية الثالثة.

تقارير دولية
التحديثات الحية

بدأت القضية الحالية في عام 2015، بعدما فتح البرلمان الأوروبي تحقيقاً في قضية الوظائف المزيفة لعدد من المساعدين على مدى أكثر من عشرة أعوام، ما بين 2004 و2016، وذلك بمبادرة من الاشتراكي الألماني مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي (في ذلك الوقت)، بالاتفاق مع الاشتراكية الفرنسية كريستيان توبيرا وزيرة العدل الفرنسية في تلك المرحلة. ووضع البرلمان الأوروبي تحت تصرف القضاء العديد من الأدلة، التي تدين لوبان وحزبها بممارسة واسعة للفساد الذي وصل إلى وضع اليد على أموال أوروبية، من خلال وظائف لأعضاء من الحزب بهدف تمويله، وهو ما نصّ عليه العديد من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية المتبادلة بين لوبان ومساعديها، والتي كشفت عنها جلسات المحكمة. وقدّر برلمان الاتحاد الأوروبي الأضرار المالية التي لحقت به بنحو ثلاثة ملايين يورو، وطالب باستعادة مليونين فقط، موضحاً أنه جرى سداد مليون منهم بالفعل، وهو أمر لا يعتبره حزب "التجمع الوطني" إقراراً بالذنب.

عمل محامو مارين لوبان بعد صدور الحكم على التعجيل بانعقاد محكمة الاستئناف، وإصدار قرار لصالحها قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسة المقبلة، ولكن عمل آلية القضاء الفرنسي مختلفة، ويستغرق الاستئناف وقتاً أطول، ولذلك صرحت لوبان في أول رد فعل لها على القرار القضائي بأنها لا تعول على المسار، الذي يعمل ببطء شديد، والآجال التي حُدّدت تعطيها حظّاً قليلاً في تعديل الحكم الحالي، ووجدت أن البديل هو تحريك الشارع من أجل الاستثمار سياسياً في قرار إدانتها، وهي تحسب أن ذلك قد يدفع الحكومة على حثّ القضاء للاستعجال بالمسألة. ولم يكن من المستبعد أن تدخل في مساومة مع رئيس الحكومة فرانسوا بايرو، إذ إنها قادرة على لعب ورقة سحب الثقة من الحكومة بما تمتلكه من قوة برلمانية مؤثرة، وهذا ما يفسّر انزعاج بايرو من القرار القضائي وقوله إنه يخشى أن يُطبق بمفعول رجعي.

المواقف الدولية لم تصب في صالح لوبان، بل ضدها، لأنّها جاءت من عتاة الشعبوية في العالم، ومن المعادين للحرية والديمقراطية في نظر الشارع الفرنسي. وقد كان لافتاً أنها لم تحصل على أي رد فعل متعاطف خارج هذه الدائرة العقائدية لليمين المتطرف، من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والسياسي الإيطالي ماتيو سالفيني والملياردير الأميركي إيلون ماسك والرئيس البرازيلي السايق جايي بولسونارو. وبالنسبة لهؤلاء يشكل إقصاء لوبان خسارة حليف أساسي داخل المؤسسات الأوروبية.  

حاولت مارين لوبان تحويل الحكم من قضائي إلى سياسي، ولكن القضاء الفرنسي دافع عن استقلاليته، وعدم خضوعه للتأثير السياسي، وضغط الشعبوية، والإعلام الموالي لليمين المتطرف، والممول من رجال أعمال يعملون على التحكم بالحياة السياسية. وقد أثبت من جديد استقلاليته وعدم خضوعه لتأثير الأشخاص ومواقعهم، أو التمييز بين طرف سياسي وآخر، حيث سبق له أن حكم ضد الرئيسين الأسبقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون، وإلى الآن يعيش ساركوزي تحت المراقبة القضائية، بسبب تهمة تمويل حملته الرئاسية عام 2007 من طرف الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

الرابحون والخاسرون

تصريح لوبان أن القضاء هو قضاء الشعب محاولة للنيل من استقلالية القضاء، وعلى هذا جاء قرارها بالاستئناف، وهو كناية عن رفض الحكم، الذي يعده المتخصصون بأنه لا تشوبه شائبة، وأن أسباب الإدانة واضحة، ومتكاملة الأركان، ولا تحتاج إلى جهد كبير من أجل شرحها. ومع ذلك قرّرت محكمة الاستئناف أن تقرب الأجل، وتعيد النظر في القضية في صيف العام المقبل، ضمن إطار زمني مدته تسعة أشهر، ما يسمح لها بالترشح من عدمه.

وفي حال جرى تثبيت الحكم بإقصاء لوبان من سباق الرئاسة، فإن له نتائج ذات تأثير مباشر، وأخرى بعيدة المدى. ومن بين النتائج المباشرة، أن الحكم يقصي لوبان من السباق ويترك حزبها من دون مرشح رئاسي قوي يحل محلها. ونقطة الضعف هنا هي أن حزبها هو حزب الشخص الواحد، منذ أن أسّسه والدها وحتى الآن، وفي حين أنها تمكنت من خلافة والدها على رأس الحزب، ليس هناك من يمكن أن يحل محلها، فلا بارديلا يستطيع أن يتولى قيادة الدفة، ولا ابنة شقيقتها ماريون ماريشال.

تحسب لوبان بأن تحريك الشارع قد يدفع الحكومة على حثّ القضاء للاستعجال بالمسألة

تكمن مشكلة بارديلا الذي يترأس الحزب، في أنه دخل المعترك السياسي قبل أوان استعداده جيداً لذلك، فهو صغير السن، ولم يشغل وظيفة أو يتولى موقعاً رسميا حتى الآن، ولذلك من الصعب جدا أن يكون مرشحاً رئاسياً بديلاً، لأن الناخب الفرنسي لن يغامر بمنح صوته لشاب لم يخضع للتجربة من قبل، وكذلك الأمر لابنة شقيقة مارين لوبان التي عادت حديثاً إلى حزبها بعد أن التحقت بحزب خصمها إريك زيمور (حزب الاستعادة)، بعد خلافها مع خالتها في الصيف الماضي خلال الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وهي فتاة في مقتبل عمرها السياسي ولا تمتلك تجربة سياسية، تؤهلها لخوض انتخابات رئاسية.

خسارة الحزب لمرشحته مارين لوبان ضربة كبيرة تبعده عن السباق الرئاسي وتحرم جمهوره مرشحاً مثالياً لليمين بكافة تشكيلاته، ولذلك تبدو قوى اليمين التقليدي من بين أكثر المستفيدين من إقصائها عن حلبة السباق، وباتت الفرصة متاحة أمامه ليعيد تشكيل صفوفه من دون سطوة لوبان، التي حصدت الشعبية في العقد الأخير بوصفها مرشحة اليمين صاحبة الحظ الأكبر بدخول قصر الإليزيه عام 2027.
ومن بين المتأثرين بإقصاء لوبان زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون. وهو متأثر في اتجاهين، سلباً وإيجاباً. من ناحية سيفقد ميلانشون الخصم الذي بنى في مواجهته خطاباً متوتراً دوماً، شدّ من حوله عصب الشارع المعادي لليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى سيجد الطريق أمامه ممهداً من دون خصم كان ينافسه بقوة، ويهدد فرصته في الوصول للرئاسة. وفي الحالتين، لن تصبح الطريق أمام ميلانشون أسهل على طريق الإليزيه، وسوف يجد أمامه نمطاً جديداً من تكتل اليمين، ربما أقل قدرة على الحشد من لوبان، لكنه يساويها في المقدرة على تحريك الرأي العام ضد اليسار المتطرف، وإثارة جماهير اليمين المتطرف على العناوين ذاتها التي بنت لوبان عليها رصيدها، وهي الهجرة والعداء للأجانب والأمن، وأهملت الحديث عن المشاكل الأساسية المتمثلة بارتفاع نسب البطالة وانخفاض القدرة الشرائية وتراجع مستوى الخدمات وخصوصاً الصحة، وتدهور التعليم، ويشاركها في ذلك اليمين الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة. جدير بالذكر في هذا السياق أن ميلانشون وحزبه يواجهان محاكمة منذ سنوات على خلفية تهم شبيهة بالتي صدر الحكم فيها على لوبان وزملائها.

إلى أن تتم مراجعة الحكم على لوبان، تشهد فرنسا أزمة سياسية حادة، وقد بدأ حزب لوبان (التجمع الوطني) بالحشد والتظاهر، لكن من المستبعد جداً أن يلجأ إلى العنف، لأن ذلك يحرق أوراقه السياسية على مستوى الجمهور، ثم إن الحزب حاول طيلة العقد الماضي أن يطمئن الجمهور على أنه غادر الراديكالية والصورة القديمة نهائياً. وعلى هذا الأساس عملت مارين لوبان على توسيع قاعدتها الانتخابية، وبذلك ابتعدت عنها الكتل المتطرفة، التي هاجرت نحو حزب زيمور (الاسترداد)، وبالتالي فإن التقديرات ترجح أن تبقى تفاعلات هذا الحدث سياسية فقط، وضمن الإطار الدستوري. ويبدو أن هناك وعياً لهذه النقطة، ومخافة أن تستغل أوساط في اليمين المتطرف الفرصة، وتذهب نحو أعمال عنفية، لذلك شدّد بارديلا على ضرورة أن يكون الحراك سلمياً، وهو بذلك يهدف إلى حشد أكبر عدد من المؤيدين، لكن الأعداد التي ستنزل في تظاهرات المرحلة المقبلة للتعاطف مع الحزب قد لا تبلغ الأرقام التي تراهن عليها لوبان، فالمصوتون الذين منحوها صوتهم في الانتخابات، لن ينزلوا بالضرورة للشارع، وقد يقتصر الأمر على نسبة ضئيلة من الـ11 مليوناً الذين صوتوا لحزبها في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

 

المساهمون