- تحديات التحالف والوحدة الوطنية: يواجه كارني تحديات في تشكيل ائتلافات سياسية مع "الديمقراطي الجديد" وكتلة كيبيك لتعزيز الوحدة الوطنية، خاصة مع اختلاف الأجندات السياسية وسعي كتلة كيبيك للاستقلال.
- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: تواجه كندا أزمات تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، مما يشكل اختبارًا لقدرة كارني على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية.
من الواضح أن الناخب الكندي اختار الاثنين الماضي الوسطية، لمنح الليبرالي مارك كارني الفرصة لقيادة كندا، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها. وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1980 التي يحقق فيها الليبراليون هذا الحجم من الفوز الذي وضعهم في مقدمة الأحزاب الكندية. وبالنسبة لكارني فإن تحقيق هذا الفوز، بعد نحو ستة وثلاثين يوماً على تزعمه "الليبرالي"، يعدّ إنجازاً شخصياً لم يسبقه إليه لا جان كريتيان ولا جاستن ترودو في ذروة شعبيتهما.
إذ وبعد عامين من مواصلة تحقيق الحزب الليبرالي نتائج ضعيفة في استطلاعات الرأي، جاءت رياح التهديدات الترامبية، في تعبير دونالد ترامب عن رغبته ضم كندا إلى الولايات الأميركية وخوضه، حرباً تجارية ضدها، لتدفع بأشرعة الحزب نحو تحقيق فوز يقطع الطريق على عودة معسكر المحافظين إلى الحكم، حيث كانت التقديرات تمنحهم فوزاً حتى تولى ترامب منصبه قبل نحو مائة يوم. فالاستطلاعات التي تزامنت واستقالة ترودو في بداية يناير/كانون الثاني الماضي لم تعط الليبراليين أكثر من 20%، بينما حققوا قفزة إلى أكثر من 43.5% بحسب نتائج الاثنين.
وبالنسبة لكارني، الآتي من عالم المصارف، فإن تحقيق حزبه تحت زعامته 169 مقعداً من أصل 343 يضعه على سلم مواصلة "الليبرالي" الحكم. بالطبع عليه تأمين ثلاثة مقاعد برلمانية لتشكيل الأغلبية المطلوبة بـ172 مقعداً، والمحافظون سيلعبون دور المعارضة القوية بعد حصول حزبهم على 144 مقعداً.
كذلك يبدو لافتاً صمود الاستطلاعات عن خسارة زعيمهم بيير بواليفير مقعده، في نوع من عقاب الناخبين له على تحوله اليميني الشعبوي وعلى نسق ترامب، بعد أن كان يحقق تقدماً في استطلاعات يناير الماضي بفارق نحو 20-25 نقطة مئوية عن جاستن ترودو. وحققت الكتلة الكيبيكية 23 مقعداً (كانت تملك 32 مقعداً)، بينما الحزب الديمقراطي الجديد لم يحقق سوى 7 مقاعد (24 سابقاً)، وحقق الخضر مقعداً واحداً.
تحديات أبعد من ترامب... الوحدة على المحك
بالطبع سيتعين على كارني وحزبه الليبرالي الخوض في ائتلافات، رغم ندرتها في السياسات الكندية الحديثة، إذ يمكن الحصول على دعم "الديمقراطي الجديد" (اجتماعي ديمقراطي) أو من كتلة كيبيك، التي ترشحت فقط في مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية.
في الحكومة السابقة، برئاسة ترودو، تمكن الليبراليون من الحصول على دعم "الديمقراطي الجديد" في مجالات مختلفة كالصحة والخدمات الاجتماعية والمناخ، رغم أن التعاون كان أحياناً يصل إلى طريق مسدود، خاصة بسبب تصاريح مشاريع النفط والغاز. أما التعاون مع كتلة كيبيك فالأمر أكثر صعوبة. فالكيبيكيون يعملون أساساً من أجل استقلال مقاطعتهم كيبيك عن كندا، ما يعني أنهم بذلك يختلفون جذرياً عن الليبرالي كارني الساعي في توحيد كندا رفضاً لسياسات ترامب تجاهها.
وحتى مع تأمين تلك الأغلبية المطلوبة فسيكون كارني أمام مهمة تأمين تعزيز الوحدة الوطنية، كما صرح المؤرخ الكندي مايكل إغناتييف، الذي كان زعيماً للحزب الليبرالي من عام 2008 إلى 2011. فتهديدات ترامب بضم كندا إلى الولايات المتحدة وفرضه رسوماً جمركية مرتفعة، تجعل من الوحدة الوطنية قضيةً ملحّة، وهذا بالطبع سيمنح الأحزاب الصغيرة بعض النفوذ.
ومع أن تقدم الليبرالي يعد تحدياً لترامب والرغبة في الحفاظ على سيادة البلاد، فثمة تحديات كثيرة أخرى، وبينها الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف السكن، بحسب ما صرح للصحافة سكوت ماك آرثر، مستشار الطاقة من كالغاري في مقاطعة ألبرتا المحافظة والغنية بالنفط.
كذلك فإن تحقيق المحافظين 144 مقعداً (41.4%) أمر لا يمكن الاستهانة به، فتلك نسبة كبيرة مقارنة بفوزهم بنحو 34% في عام 2021. وبرغم أن الأصوات ترتفع اليوم لمطالبة زعيم المحافظين، بواليفير، بالاستقالة، ورغم أنه انتهج شعبوية مستوحاة جزئياً من ترامب، فإنه يستطيع المناورة بما حققه حزبه من تقدم. وصحيح أنه خسر مقعده في دائرة أونتاريو، وهو الذي انتخب لعضويته أربع مرات، إلا أن خطابه بعد ظهور النتائج يشير إلى استمراره في قيادة حزب المحافظين. ويدرك كارني هذا الأمر حين صرح بنفسه أنه سيبذل الجهود "لتمثيل كل من يعتبر كندا وطنه". فهو ببساطة لن يكون متحرراً تماماً من حقيقة أن بواليفير (إذا استمر في قيادة المحافظين) مثل دونالد ترامب يحظى بدعم قوي من ناخبي الحزب الأساسيين، وقادر على توحيد كتلته البرلمانية. ومسألة تعزيز وحدة البلاد تعد أولوية عند كارني مع وجود هذا الاستقطاب بعد تحقيق كلا المتنافسين "الليبرالي" و"المحافظ" أكثر من 80% من أصوات الناخبين.
بالنسبة لزعيم الليبراليين السابق، إغناتييف، فإن خسارة الاجتماعي الديمقراطي وتراجعه إلى سبعة مقاعد (استقال زعيمه جاغميت سينغ) بعد النتائج يعد مؤشراً إضافياً على أن ناخبي الحزب اختاروا التصويت تكتيكياً ووسطياً، ولليبراليين تحديداً، على أمل أن يكون لدى كارني ما يكفي من الحكمة لمواجهة التحديات الوطنية الكبيرة في البلاد.
وفي الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، حذّر كارني من أن "الأيام والأشهر القادمة ستكون صعبة وستتطلب بعض التضحيات". لكنه تعهد "بالنضال" و"البناء" و"التفكير والعمل على نطاق أوسع". النطاق الأوسع هو فهمه أهمية وحدة البلاد ومشاركة ممثلي مختلف التيارات السياسية في تعزيزها، حيث قارن كارني بنفسه بين وحدة الكنديين والانقسام الحاصل في الولايات المتحدة، معتبراً أن "الوحدة تختبر من جديد الآن".
ليس ترامب وحده التحدي. حيث تواجه كندا تحديات أزمتها الداخلية
إذاً، ليس ترامب وحده التحدي. حيث تواجه كندا تحديات أزمتها الداخلية على مستوى تكلفة المعيشة والأثر السلبي للتضخم والسكن باهظ التكلفة، وسط قلق من تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.
وتلك أمور واجهت جاستن ترودو إلى حد أنه لو استمر لكان أخذ حزبه الليبرالي إلى حافة الهاوية، بسبب نقمة شعبية على تردي الأوضاع المعيشية، وتركيزه على ما سماه كبح جماح الشعبوية المتصاعدة. فهل سينجو منها كارني؟