ماذا تقول أرقام الاستفتاء عن شعبية قيس سعيّد

29 يوليو 2022
كانت مشاركة كبار السن لافتة في الاستفتاء (حاتم صالحي/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس جدلاً كبيراً، بعد الإعلان عن دعم حوالي 28 في المائة من الناخبين لسعيّد (الذين صوّتوا بنعم في الاستفتاء) في مقابل مقاطعة بقية الجسم الانتخابي أو التصويت بـ"لا"، أي حوالي 72 في المائة من مجموع 9278541 ناخباً في البلاد.

ويعتبر البعض أن هذه الأرقام تمثل سقوطاً لسعيّد ولسردية الدعم الشعبي الجارف الذي أقام عليه كامل مشروعه السياسي، تحت عنوان "الشعب يريد"، بينما تذهب قراءات أخرى إلى الإشارة إلى أن القاعدة الكمية لمساندي سعيّد ثابتة ولم تتآكل.

يُذكر أن نسبة المشاركة في الاستفتاء الذي أجري الإثنين الماضي، بلغت 30.5 في المائة من عدد المسجلين، وفق هيئة الانتخابات. في حين كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2014، قد بلغت 65.5 في المائة للدورة الأولى، مقابل 62.6 في المائة للثانية. وشهدت الانتخابات الرئاسية في 2019، عزوفاً بحسب الخبراء، ولكن بلغت المشاركة 48.98 في المائة في الجولة الأولى، و55.02 في المائة في الجولة الثانية.

سعيّد قوة سياسية أقلية؟

واعتبر عضو مواطنون ضد الانقلاب، جوهر بن مبارك، خلال ندوة صحافية لجبهة الخلاص، الثلاثاء، أن "قيس سعيّد أصبح قوة سياسية أقلية لا تمثل إلا ربع الجسم الانتخابي التونسي"، متابعاً "نتحدث على الانقلاب الأقلي حسب النسب التي قُدّمت، وهناك قاعدة شعبية واضحة تساوي ما يزنه الانقلاب وقيس سعيّد".

من جهته، قال المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "من الناحية الكمية وبغض النظر عما يقال عن نزاهة الاستفتاء، فقد حافظ سعيّد تقريباً على شعبيته ولم تتآكل، أما من الناحية الكيفية أو النوعية للناخب، فنلاحظ بالعين المجردة واستناداً إلى خلاصات سبر الآراء، أن ناخبي الاستفتاء يختلفون عن ناخبي الدور الأول والثاني في الرئاسية لسنة 2019".

وتابع الغربي أن "الناخب في 2019 هو الطالب والمثقف والمتعلم، على العكس تماماً في هذا الاستفتاء، حيث أظهر سبر الآراء أن 82 في المائة من الناخبين دون البكالوريا ومن المسنين، والناخب هذه المرة هو نقيض الناخب في 2019، وهذا مؤشر مهم كأنه وقع انقلاب على مستوى الناخبين، بمعنى أن من انتخب نبيل القروي في 2019 انتقل الآن إلى قيس سعيّد".

وأضاف "صحيح أن كبار السن عادة ما ينتخبون السلطة القائمة، ولكن اللافت هو تطور عددهم هذه المرة، والواضح أن صوت كبار السن كان محدداً في هذا الاستفتاء، وهذا يدل على تحوّل في القاعدة الانتخابية للرئيس سعيّد".

الغربي: سعيّد حافظ على عدد الأصوات نفسها تقريباً، ولكنه فقد الكثير من مشروعيته

ومن الناحية الكمية، لفت إلى أن سعيّد "حافظ على عدد الأصوات نفسها تقريباً، ولكن من الناحية الأخلاقية والمشروعية، فإن الرئيس فقد الكثير من مشروعيته، ولا مقارنة بنتائج 2019، وبالتأكيد لا مقارنة بـ25 يوليو 2021".

وأكد أن "الجانب المعنوي اهتز في علاقة الناخب برئيس الجمهورية، وما سيؤكد ذلك أو ينفيه، وإن كنت أميل أكثر للتأكيد، هو المسألة الاقتصادية ومدى نجاحه أو فشله في إيجاد حلول اقتصادية في الفترة المقبلة".

وأشار إلى "أن الفشل الاقتصادي المتوقع، وربما القريب، سيؤدي فعلاً إلى كشف الفشل السياسي الذي لا يمكن الحديث عنه الآن بسبب تواصل نفس المساندة الكمية".

وقال "أعتقد أن سعيّد لم ينجح في الاستفتاء، لأن الرهان كان استنهاض وجلب القاعدة الانتخابية الأصلية لسعيّد، تضاف إليها القاعدة الشعبية لمن لم يصوتوا سابقاً ومن كانوا مهمشين ومن ساندوه في 25 يوليو الماضي، ولكن هذا لم يحدث".

وبين أن "عملية الاستفتاء شابتها الكثير من التساؤلات والتشكيك، وظهور فوارق بـ400 أو 500 ألف صوت محير، ورئيس هيئة الانتخابات تحدث عن خطأ تسرب بينما الأرقام صحيحة، ولكن هذا لا ينطلي على عاقل". وأفاد بأنه "إذا ثبت أنه حصلت عملية تزوير بهذا العدد الضخم فإن كل العملية يجب أن تتوقف، وانتهى أمر الدستور الجديد".

شعبية سعيّد تغيرت

من جهته، أشار مدير مؤسسة "سيغما كونساي" لسبر الآراء، حسن الزرقوني، إلى أن "نسبة العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية تتزايد، ذلك أن عدد المتوجهين إلى صناديق الاقتراع يتراجع منذ 2011 وفي كامل المحطات بعدها وصولا إلى هذا الاستفتاء".

ولفت إلى أن "في الانتخابات البلدية في 2018 سجلت مشاركة 21 في المائة من الناخبين"، مشيراً إلى أن "المشاركة في الاستفتاء في حدود 30 في المائة، بحسب هيئة الانتخابات"، ومتمسكاً بتوقعات مؤسسته التي كانت في حدود 25 في المائة فقط، ومشيرا إلى أنه لا يطمئن كثيراً للرقم المعلن من الهيئة المقدر بـ30 في المائة.

وفيما يتعلق بالجدل القائم حول شعبية سعيّد، يميل الزرقوني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى اعتبار أن شعبية سعيّد "لم تتآكل وإنما تغيرت، فالشباب الأقل من 25 عاماً يسانده دائما ولكن ليس بالكيفية نفسها التي كانت في انتخابات 2019، وفئة الـ60 عاماً وما فوق (التي شاركت بكثافة خصوصا في الساعات الأولى من صباح يوم الاستفتاء) هي في الأصل تصوّت تقليدياً مع النظام والسلطة، وهذه الشريحة ليس لديها عموماً عقلية المعارضة والـ"لا"".

الزرقوني: الجسم الانتخابي الداعم لسعيّد أصبح واضحاً كمّاً وكيفاً

وأشار الزرقوني إلى أن "سعيّد فاز بأكثر من مليونين و700 ألف صوت في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في 2019، وحصل تقريباً على الأصوات نفسها حالياً".

وأوضح الزرقوني أن "الجسم الانتخابي الداعم لسعيّد أصبح واضحاً كمّاً وكيفاً، أي أننا لم نكن نعرف تحديداً من مع قيس سعيّد، ولكن اليوم صرنا نعرف أن تقريباً مليونين ونصف المليون ناخب معه، وكنا نعرف أن هناك مساندة في المطلق له، ولكن اليوم هناك جسم يمكن أن يعول عليه في ديسمبر/كانون الأول (الانتخابات التشريعية المقبلة)".

ولكن الزرقوني نبّه في مقابل ذلك، إلى أن "العدد نفسه تقريباً يعارض سعيّد بوضوح، ويشمل جسماً سياسياً آخر لمن قاطعوا التصويت لأسباب سياسية صريحة".

وأوضح أن "هذا الجسم المعارض ينقسم إلى ثلاثة مكونات، نوعان متناقضان يضعفان هذا الجسم، وهم الدساترة بنسبة الثلث، وثلث ثانٍ يضم النهضة وبقية الأحزاب المعارضة، إضافة إلى قسم ثالث يضم المجتمع المدني من نساء ديمقراطيات ومنظمات، وكل هؤلاء معاً يمثل الجزء الذي يضاهي نفس الجسم الانتخابي لقيس سعيّد، وهناك طبعا بقية الجسم الانتخابي الذي لا يصوّت مطلقاً في أي انتخابات".

وتابع "في ظل هذه الوضعية، فإن سعيّد بإمكانه أن يفوز في الانتخابات التشريعية في صورة ترشح أنصاره ومسانديه، بالنظر إلى تماسك داعميه واجتماعهم حوله مقابل تشتت معارضيه واستحالة توحدهم كلهم".

ولفت الزرقوني إلى أن "30 في المائة ليست نسبة هيّنة، ولا توجد حالياً قوة سياسية أخرى قادرة على المنافسة"، مبيناً أن "المشهد الآن بدأ يتضح"، مشيراً إلى أن "البعض يعول على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ليسقط سعيّد، وهذا يؤكد أن المعارضين لا يقترحون مشروعاً منافساً وإنما يعولون على عوامل خارجة عنهم".

المساهمون