مؤشرات مواجهة تقترب بين أربيل و"العمال الكردستاني"

مؤشرات مواجهة تقترب بين أربيل و"العمال الكردستاني"

05 نوفمبر 2020
تنشر البشمركة قوات في مناطق التماس (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من حدث أمني شهده إقليم كردستان العراق خلال أقل من أسبوعين، أحدث تبدلات واضحة في لهجة أربيل تجاه حزب "العمال الكردستاني"، ما دفع مراقبين إلى طرح سيناريوهات من بينها احتمال تفجر نزاع مسلح بين حكومة الإقليم ومسلحي الحزب المصنف تركياً على لائحة الإرهاب، والموجودين داخل أراضي الإقليم منذ سنوات طويلة وتتهمهم أربيل بجلب "المشاكل والموت لإقليم كردستان".

وأعلن مجلس أمن إقليم كردستان في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إحباط عملية إرهابية لمسلحي "العمال الكردستاني" كانت تستهدف دبلوماسيين ورعايا أجانب في الإقليم فضلاً عن رجال أعمال ومستثمرين، مؤكدة اعتقال 12 من عناصر الحزب، والاستمرار بملاحقة آخرين، قبل أن تعلن أربيل في الثلاثين من الشهر نفسه عن توقف أنبوب نقل النفط الخام الرئيسي إلى تركيا الخاص بالاقليم بتفجير نفذه مسلحو "العمال".
وأمس الأربعاء أُعلن عن مقتل عنصر من قوات البشمركة وجرح اثنين آخرين بتفجير استهدف مركبتهم في منطقة جمانكي، شمالي دهوك قرب قضاء العمادية. وقال مدير ناحية جمانكي ألند أمير في بيان إن مسلحين من حزب "العمال" هم من هاجموا قوة البشمركة في البلدة.

ومع استمرار قوات البشمركة بنشر اللواء 80 من حرس الإقليم في مناطق التماس مع مسلحي "العمال" لمنعهم من التمدد أكثر داخل الإقليم إثر خسائرهم المتلاحقة بفعل العمليات التركية داخل الأراضي العراقية، فضلاً عن التصعيد الإعلامي الواضح خلال الأيام الماضية واتساع لغة التخوين بين أربيل ومسلحي "العمال الكردستاني" الذين وسعوا حضورهم الإعلامي من خلال تدشين مواقع جديدة باللغتين الكردية والتركية، يقول مراقبون إن قسماً منها بتمويل إماراتي، فإن المواجهة العسكرية بين الطرفين تبدو أقرب من أي وقت مضى، مع أنهما يؤكدان أنهما لا يسعيان لها.

وعلى الرغم من توجيه اللجنة القيادية لحزب "العمال"، الأسبوع الماضي، نداءً إلى حكومة إقليم كردستان العراق، للحوار بين الطرفين، بالتزامن مع اتساع نقمة سكان شرق دهوك وشمال أربيل من ممارسات مسلحي الحزب واتهامهم بعمليات خطف مراهقين للتجنيد وكذلك سرقة وفرض إتاوات والتخفي داخل القرى المسكونة بما يعرضها للقصف التركي، إلا أن رئيس الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مسعود البارزاني لم يتطرق في رسالته المفتوحة مساء الإثنين الماضي إلى دعوة الحوار هذه، بل اتجه هو الآخر للتصعيد. وذكر البارزاني في بيانه أنه "لا ينبغي محاولة فرض إرادة مسلحة غير قانونية على أهالي كردستان، باستغلال موقفنا في تحريم القتال الكردي الكردي"، مشيراً إلى خطورة انهيار الأمن والسلام في المدن والبلدات والقرى، واضطرار المواطنين إلى ترك منازلهم وأملاكهم وأماكنهم، ليتحولوا إلى ضحايا بلا أي حق. وأضاف أنه "بعد هجمات "داعش"... استولى مسلحو حزب العمال الكردستاني على هذه المناطق الحدودية وبعدها مناطق أخرى، وفرضوا أنفسهم كبديل عن حكومة الإقليم، ومنعوا الناس من بناء بيوتهم وقراهم، وفرضوا الضرائب على المواطنين الذين أرادوا زيارة مناطقهم، وهذا أمر غير مقبول". وتابع موجهاً خطابه لمسلحي "العمال الكردستاني" أن "الموقف الأحسن في هذه المرحلة هو إبداء الاحترام للسلطة القانونية والشرعية في الإقليم، كما ينبغي عليهم ترك المناطق التي احتلوها بقوة السلاح، إذ إنهم يشكلون خطراً على مواطني إقليم كردستان بعد تحويلهم مئات القرى إلى ساحات للحرب والقتال".

البارزاني: لا ينبغي محاولة فرض إرادة مسلحة غير قانونية على أهالي إقليم كردستان، باستغلال موقفنا في تحريم القتال الكردي الكردي

وحول الموقف الحالي في الإقليم، قالت مصادر مقربة من رئاسة الحكومة في إقليم كردستان لـ"العربي الجديد" إن "خيار المواجهة المسلحة مع حزب العمال لوقف تجاوزات مسلحيه وتحديهم لأربيل محتمل، ولكنه بعيد عن الحصول حالياً، لأن الإقليم يمر بظروف اقتصادية صعبة ويعاني كثيراً من زيادة انتشار فيروس كورونا، كما أنه يخشى من الاقتتال الكردي الكردي". وأضافت المصادر أن "حكومة إقليم كردستان لا تريد أن تتحاور مع مسلحي الحزب بصورة مباشرة أو علنية، ولا سيما بعد العملية الأخيرة التي أسفرت عن تفجير أنبوب تصدير النفط إلى تركيا، ولكن الأنظار تتجه إلى بغداد في اللجوء لعقد جلسة مفاوضات سرية لتسوية تحفظ مصالح كل الأطراف"، مؤكدة أن "حزب العمال يحتل أو يوجد داخل ما لا يقل عن 500 قرية في الإقليم فضلاً عن جبال قنديل وبلدات في حفتانين وسوران وسيدكان وزاخو وأطراف العمادية ومناطق أخرى".

وكان الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، الذي يتزعمه مسعود البارزاني، قد وجّه بإرسال قوة كبيرة من مسلحيه مع أسلحة ثقيلة إلى محيط منطقة غاره، التي شهدت أكثر من غارة تركية لتحييد عناصر "العمال"، ونشر مسلحيه في نقاط قريبة من مقاتلي قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وأفادت وسائل إعلام كردية بأن القوة التي توجهت إلى غاره ترتبط مباشرة برئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني، وهي تتألف من قوة تدعى "كولان"، إضافة إلى قوة أخرى تسمى "بشمركة روج".

من جهته، قال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان إن "ما ذهب إليه البارزاني في بيانه الأخيرة هو رد على مهاجمة قياديين في حزب العمال في سنجار وقنديل، لإقليم كردستان، مع التأكيد أن الاقتتال الكردي الكردي هو من المحرمات، ولكن في الوقت نفسه فإن الإقليم لا يقبل بأن تُحتل المناطق الكردية بالقوة من قبل مجموعات مسلحة خارجة عن القانون". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "مسلحي حزب العمال يحتلون المناطق العراقية بقوة السلاح ويقتلون الناس ويختطفون الفتيات القاصرات، وفي الوقت ذاته يطلبون الحوار مع إقليم كردستان، وبالتالي فإن اللجوء إلى أي حوار مع جماعة إرهابية يعني إضفاء الشرعية على وجودها، وهو ما لا يقبله قادة إقليم كردستان".

في المقابل، قال القيادي في "العمال الكردستاني" كاوة موس، إن "حزب العمال ملتزم بعدم الاقتتال مع أي قوة كردية، مهما بلغ حجم التصعيد"، موضحاً في اتصالٍ مقتضب مع "العربي الجديد" أن "العمال الكردستاني يسعى إلى توحيد الصفوف الكردية ولا يريد أي مشاكل".

قيادي في "العمال": الحزب ملتزم بعدم الاقتتال مع أي قوة كردية، مهما بلغ حجم التصعيد

وفي بغداد، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي لـ"العربي الجديد" أن "الشتات والتوتر في علاقة أربيل وبغداد تحوّلا إلى مصدر قوة لمسلحي حزب العمال، وبالتالي فإن حل هذه المشكلة لا يتم من خلال المواجهة المسلحة، بل من خلال توحيد الخطاب بين حكومتي بغداد وأربيل"، معتبراً أن "بغداد يجب أن تتولى الملف بنفسها كونه قضية تتعلق بالعراق ككل".
أما المحلل السياسي الكردي كفاح محمود، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الموقف الكردي في الإقليم حالياً يمر بمرحلة حرجة، وليس الأمر مرتبطاً بالحزب الديمقراطي فقط بل بكل الفعاليات السياسية الأخرى، وهو أمر لا يحتمل التصعيد أو اختلاق أزمة، لا من تنامي إرهاب حزب العمال ولا من المليشيات المسلحة التي استهدفت بالصواريخ محيط مدينة أربيل، ولا حتى بالجماعات المسلحة التي اقتحمت مقراً للحزب الديمقراطي في بغداد، لأن التحديات التي تواجه إقليم كردستان أكبر من كل الإرهاصات الأخرى"، موضحاً أن "الإقليم يشهد أزمةً اقتصادية خانقة، إضافة إلى أزمة كورونا".

يأتي ذلك في ما لا تزال العمليات التركية تتواصل لتحييد مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في مناطق حدودية شمالي العراق، ضمن إقليم كردستان، منذ 17 يونيو/ حزيران الماضي، عبر عمليات جوية وبرية مختلفة، موقعة خسائر كبيرة في صفوف الحزب، فضلاً عن تدمير البنى التحتية له من مخازن عتاد وذخيرة وأسلحة وسيارات، عبر ضرب أهداف داخل زاخو ومخمور وقنديل وحفتانين شرقي دهوك وشمالي أربيل، ضمن عملية "مخلب النمر" التركية. وتوغلت قوات تركية خاصة إلى مناطق في العمق العراقي، وخاضت اشتباكات عنيفة مع مسلحي الحزب الذين يتخذون من العراق منطلقاً لتنفيذ اعتداءات متكررة داخل الأراضي التركية. وتستهدف القوات التركية مناطق حفتانين وبرادوست وزاخو وسيدكان وسوران، إضافة إلى جبال قنديل، في شمال دهوك وشرقها.

المساهمون