مؤشرات لتصاعد الإرهاب في أفريقيا: القارة خلية نحل للمتطرفين

مؤشرات لتصاعد الإرهاب في أفريقيا: القارة خلية نحل للمتطرفين

08 اغسطس 2021
خفّضت فرنسا وأميركا عديد قواتهما في أفريقيا (ميشال كاتاني/فرانس برس)
+ الخط -

لم تفلح الإعلانات الرنّانة للدول المشاركة في الحرب على الإرهاب في أفريقيا، والتي تصدر بين الفينة والأخرى، عن تصفية قياديين بارزين في مجموعات "جهادية" ناشطة في القارة السمراء، في إخفاء حجم الإخفاق الذي يرافق هذه الحرب، الممتدة لسنوات طويلة في منطقة ملتهبة، سبقت سورية والعراق كثيراً في حجم التواجد والانخراط العسكري الدولي فيها لمحاربة المتطرفين. وبقدر ما تتشابك عوامل كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، لتغذي نمو وتغلغل وتوسع الحركات المتطرفة في أفريقيا، تتشابك كذلك عناصر أخرى، لتجعل من الإخفاق الدولي في محاربتها، مسألة حتمية، حتى الآن، على الرغم من تلك الإعلانات، والتحرك الأميركي المتصاعد لتوسعة لائحة "الإرهابيين" وفرض عقوبات تطاول كل من يتعامل معهم، والضغط الأوروبي والفرنسي خصوصا، لحماية الحدائق الخلفية لأوروبا. واليوم، يترافق إعلان جديد للخارجية الأميركية عن إضافة 5 متشددين إسلاميين، يعدون من القياديين البارزين في جماعات متطرفة في أفريقيا، ومرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، مع تقرير جديد للأمم المتحدة، يحذر من تصاعد قوة "داعش" والجماعات المرتبطة به في القارة، في مؤشر دولي جديد على أن خطر الإرهاب في أفريقيا في تصاعد مستمر، فيما تبقى القدرة الدولية على مواجهته متواضعة للغاية.

أضافت واشنطن 5 متشددين إسلاميين ينشطون في أفريقيا إلى قائمتها الخاصة بالإرهاب العالمي

وأعلنت الخارجية الأميركية، أول من أمس الجمعة، إضافة 5 متشددين إسلاميين إلى قائمتها الخاصة بالإرهاب العالمي، ما يقود بالضرورة إلى حجب أي ممتلكات أو مصالح لهم في الولايات المتحدة، وفرض عقوبات أميركية محتملة على الأفراد أو المؤسسات المالية الأجنبية التي تقوم بتعاملات معينة معهم. وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن من بين هؤلاء، بن ماضي عمر، القائد العسكري الكبير لفرع "داعش" في موزمبيق، حيث تبنى التنظيم في مارس/آذار الماضي، الهجوم على مدينة بالما، شمالي البلاد، وحيث تستثمر فرنسا عبر شركة "توتال" النفطية بمليارات الدولارات. ويعرف فرع "داعش" في موزمبيق، باسم "حركة السنة"، ومحلياً باسم "حركة الشباب – موزمبيق"، وصنّفت واشنطن هذا الفرع على لائحتها للإرهاب في مارس الماضي، مشيرة إلى أنه قد يكون بايع "داعش" في 2018، وأنه قتل بقيادة المدعو أبو ياسر حسن، 1200 مدني منذ 2017. وتقدر التصنيفات الدولية عدد مقاتليه، بحوالي 800 مقاتل. وأضاف بلينكن، أول من أمس، في بيانه، أن بن ماضي عمر، قاد مجموعة من المتطرفين قتلوا العشرات في الهجوم على فندق أمارولا في بالما قبل أشهر، مؤكداً أن الأخير مسؤول أيضاً عن شنّ هجمات في مناطق أخرى في موزمبيق وتنزانيا. وبالإضافة إلى بن ماضي عمر، أدرجت الوزارة الأميركية، أسماء سيدانج حيتا وسالم ولد الحسن، وهما من كبار قادة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بـ"القاعدة" في مالي، وكذلك علي محمد راجي وعبد القادر محمد عبد القادر، من قادة حركة "الشباب" الصومالية.

وبالتزامن مع التحرك الأميركي، حذّر تقرير صادر أخيراً عن الأمم المتحدة، من تصاعد خطر "داعش" في أفريقيا، وتأثيره على السلام والأمن الدوليين، متحدثاً عن توسع مقلق للجماعات المرتبطة بالتنظيم في القارة السمراء، ومع استمرار تركيز "داعش" على العودة إلى "أرض الخلافة" التي فرضها قبل سنوات في سورية والعراق. وقال التقرير، الذي عرضه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على مجلس الأمن الدولي، إن "داعش" ومجموعات إرهابية أخرى استفادوا من تداعيات انتشار فيروس كورونا في القارة، ليعززوا خطابهم وقوتهم على الأرض وفي العالم الافتراضي، بحيث ازداد خطر هجمات التنظيم في المناطق التي لم تخضع لإغلاقات الوباء. ومع تخفيف هذه الإجراءات، حذّرت المنظمة من خطر "على المدى القريب" من هجمات ينفذها "داعش" أيضاً، على طريقة "الذئاب المنفردة" أو عبر مجموعات صغيرة راديكالية، في مناطق أفريقية لا تعد ساحات صراع، يجري تحريكها من خلال العالم الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي. وفي معرض تقييمه لخطر "داعش"، قال غوتيريس، إن زعيمه، أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى (المعروف بـ"أبي إبراهيم القرشي")، لا يزال يمانع التواصل مباشرة مع مؤيديه"، مضيفاً أن "سيطرة وقيادة التنظيم للمجموعات العالمية المرتبطة به، قد ضعفت، على الرغم من استمرار قدرته على تأمين الإرشاد وبعض الدعم المالي". وبناء عليه، أشار غوتيريس في هذا الصدد، إلى أن استقلالية هذه الجماعات المتفرعة والمبايعة لـ"داعش"، قد تعززت خصوصاً في غرب وشرق ووسط أفريقيا وفي منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى أفغانستان وجنوبي آسيا، علماً أن التنظيم "سيواصل التركيز على إعادة لمّ شمله والسعي لعودة محتملة إلى العراق وسورية كمركزين رئيسيين لعملياته".
ويبقى التطور اللافت، بحسب التقرير المؤلف من 16 صفحة، وأعدته لجنة محاربة الإرهاب في مجلس الأمن الدولي وخبراء لرصد العقوبات على "داعش"، هو توسع "داعش" في أفريقيا، خلال النصف الأول من 2021، وحيث تسببت مجموعاته بسقوط العدد الأكبر من الضحايا المدنيين. وأشار التقرير إلى أن أكثر مجموعات "داعش" نشاطاً في القارة، تسعى إلى توسيع نفوذها وهجماتها من مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر، ومن نيجيريا إلى النيجر، وتشاد والكاميرون، ومن موزمبيق إلى تنزانيا. وبحسب ذلك، فإن هذا الخطر "يسلط الضوء على التشابك الآخذ في التصاعد بين الإرهاب وهشاشة الوضع والصراعات، والحاجة إلى استجابة ملحة وعالمية لدعم الدول الأفريقية ومنظماتها الإقليمية".

توسع "داعش" في أفريقيا خلال النصف الأول من 2021، وتسببت هجماته بسقوط العدد الأكبر من الضحايا المدنيين

وفي هذا الخصوص، ذكّر التقرير بأن "أحد أبرز الأحداث المثيرة للقلق في تلك الفترة، كان تراجع الوضع الأمني في مقاطعة كابو ديلغادو في شمالي موزمبيق، حيث تمكن التنظيم من السيطرة لفترة محدودة على مرفأ استراتيجي (هجوم بالما)"، محذراً من أن فرع "داعش" في موزمبيق يواصل جذب مقاتلين جدد إلى صفوفه، من هذا البلد، ومن بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا، علماً أن عدداً من مقاتليه هم مؤيدون سابقون للقاعدة". ولفت التقرير إلى أنه بسبب موقع كابو ديلغادو كمنطقة جذب للمهاجرين الاقتصاديين، فإنها قد تكون ساحة خصبة لنمو وتوسع تنظيم داعش في وسط أفريقيا، وحيث تسهل عليه عمليات التهريب". كما أشارت الأمم المتحدة إلى وسائل التمويل التي يعتمدها "داعش" في المنطقة، وأبرزها سرقة المصارف. وفي شمالي أفريقيا، حذّر التقرير من تصاعد خطر "القاعدة" و"داعش" في المغرب، فيما يبقى الوضع في الجزائر مقلقاً بسبب عدم الاستقرار على الحدود مع مالي والنيجر. وبحسب التقرير، فإن "700 جزائري انضموا إلى التنظيمين المتطرفين في هذه المنطقة (الحدودية)". أما بالنسبة إلى فرع "القاعدة" في تونس، كتيبة عقبة بن نافع، فإنها "فقدت أخيراً خمسة من قيادييها البارزين، ما أضعف قدراتها، فيما تمّ توقيف 6 من أعضاء داعش في ليبيا". كما أدى مقتل زعيم "بوكو حرام" في نيجيريا، في مايو /أيار الماضي، إلى إضعاف هذه الجماعة الإرهابية، بحسب الأمم المتحدة، محذرة كذلك من تداعيات انقلاب مايو الماضي في مالي على الاستقرار الأمني والسياسي في هذا البلد، وتزايد قوة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي لا يزال خطرها كبيراً في ساحل العاج وبنين وغانا وتوغو أيضاً، من دون إغفال استمرار هجمات حركة "الشباب" الدموية في الصومال.
وتأتي التحذيرات الأممية، وكذلك التصنيف الأميركي الجديد، في توقيت لافت، مع عودة التواصل الأميركي – الفرنسي بشكل جدي، في عهد جو بايدن، حول مستقبل محاربة الإرهاب في القارة الأفريقية، التي تتواجد فيها قوات "أفريكوم" الأميركية رسمياً منذ العام 2007 رسمياً، وتدير فيها فرنسا عمليات "برخان" منذ 2014، في منطقة الساحل، وعمليات أخرى لمكافحة الإرهاب. ولا يخفى الإخفاق الذي تواجهه العمليات العسكرية الفرنسية في أفريقيا، والدعوات المحلية الملحة إلى خروج القوات الفرنسية من المنطقة، والتي تقتل عملياتها والعمليات الأميركية، بدورها، مئات المدنيين سنوياً. وتشارك الولايات المتحدة، فرنسا، في دعم "برخان" لوجستياً، لكن واشنطن لا تنظر، بخلاف أوروبا، إلى القارة الأفريقية، سوى من باب مصالحها المباشرة، وليس كحديقة خلفية، وكتاريخ استعماري سابق. وتتمثل المصالح الأميركية خصوصا في صحراء النيجر، حيث رابع احتياطات العالم من اليورانيوم، وفي دول محددة عدة، ومنها نيجيريا، حيث ظلّت واشنطن تعتبر خطر "بوكو حرام" منتجاً محلياً آخذاً بالتراجع.
ومع تراجع القوة الفرنسية وإغلاق العديد من القواعد العسكرية الفرنسية في المنطقة، يأتي التقرير الأممي كإنذار متأخر، يدعو إلى ضرورة التحرك، على الرغم من أن خطر توسع الإرهاب كان ماثلاً، كأحد أبرز تداعيات انهيار الوضع الليبي وتفلته أمنياً على الحدود التي يصعب ضبطها، ما أدى إلى استعادة الجماعات المتطرفة لقوتها في مالي. كما أن عودة المتطرفين من سورية، لعبت دورها في التنشيط "الجهادي". إلا أن أبرز مسببات هذا النشاط، تبقى محلية الصنع، وهي توفر العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغذيها، في منطقة يخيم على غالبية سكانها الفقر المدقع، وسوء توزيع الثروات ونهبها، وحيث تمكنت التنظيمات المتطرفة من استغلال تفلت الحدود وصعوبات ضبطها، وما ينجم عن ذلك من قدرة على التمويل والتهريب، وكذلك استغلال المخاوف العرقية والقبائلية، وتحشيد القبائل والإثنيات والطوائف ضد بعضها، مستفيدة أيضاً من هشاشة القوات الحكومية المحلية والصراعات بين الدول على غنائم الاستثمارات الدولية، وصراعات الدول الداخلية وفساد أنظمتها. وفقد "تحالف مكافحة الإرهاب"، أخيراً، أحد أهم رموزه المحلية، رئيس تشاد إدريس ديبي، فيما ظلّت دوله تدعم أنظمة الأمر الواقع المفروضة منذ عقود، على رؤوس الأفارقة. 
(العربي الجديد)

المساهمون