مؤسسة غزة تتجاوز الأمم المتحدة: اتهامات بتمويلها إسرائيلياً وتقديم مساعدات فاسدة
استمع إلى الملخص
- واجهت المؤسسة انتقادات دولية لاحتمال انتهاكها مبادئ المساعدات الإنسانية، مع إعلان سويسرا عن احتمال فتح تحقيق جنائي. زعمت المؤسسة التزامها بالمبادئ الإنسانية، بينما أثيرت شكوك حول استقلاليتها بتمويل إسرائيلي.
- رغم إنكار إسرائيل الرسمي، أقر سفيرها بمشاركة في تأسيس المؤسسة، وتهدف الآلية الجديدة لمنع وصول المساعدات لحماس، مما أثار انتقادات دولية.
آلية التوزيع تأتي ضمن خطة إسرائيلية للسيطرة على حياة الغزيين
أوّل نقاط التوزيع المفتتحة أقيمت في تل السلطان بمنطقة رفح
إسرائيل المخطط الرئيس لإقامة المؤسسة استخدمت التجويع كسلاح حرب
أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية بدء عملياتها في القطاع، وذلك مع وصول شاحنات المساعدات لمواقع التوزيع التي تحظى بحراسة أمنية مشددة، بهدف توزيع المساعدات على الفلسطينيين، عبر تجاوز الأمم المتحدة. وتأتي آلية التوزيع الجديدة ضمن خطة إسرائيلية محكمة للسيطرة على حياة الفلسطينيين والتحكّم بمصيرهم، عبر استخدام التجويع سلاح حرب، ومن ثم اشتراط مدّهم بحقهم الأساسي في الحصول على الغذاء بـ"طهارة سجلاتهم الأمنية"، بعد تهجيرهم من بيوتهم. وعلى الرغم من إعلان المؤسسة الذي أتى أمس، لفتت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الثلاثاء، إلى أن عملية توزيع السلال الغذائية ستبدأ فعلياً اليوم، بعدما أُرجئت أكثر من مرّة لعراقيل لوجستية.
وأوضحت المؤسسة الأميركية، التي خططت إسرائيل لإقامتها منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب طبقاً لما تكشّف أخيراً، أنه من المتوقع دخول شاحنات إضافية في الأيام القريبة المقبلة، لتوسيع نطاق التوزيع اليومي. وبموازاة ذلك، أعلنت المؤسسة عن تعيين جون أكري مديراً مؤقتاً، بعدما استقال المدير التنفيذي للمؤسسة جايك وود. وطبقاً لبيان المؤسسة، فإن "أكري يمتلك سجلاً حافلاً يمتد على أكثر من 20 عاماً في الخبرات الميدانية، من بينها الاستجابة لحالات الطوارئ خلال الكوارث، وعمليات إعادة الإعمار التي تعقب الصراعات، والتنسيق المدني- العسكري، إلى جانب دعم التحوّلات السياسية". ولفتت إلى أن سيرته الذاتية تشمل "مشاريع مساعدة اللاجئين، وإدارة سلاسل التوريد، وبرامج الاستقرار الإقليمي".
في غضون ذلك، نشرت المؤسسة بياناً شديد اللهجة، هاجمت فيه ما أسمته "تهديدات حركة حماس ضد موظفي الإغاثة العاملين في مراكز التوزيع التابعة للمؤسسة"، وما زعمت أنه "منع حماس السكان الفلسطينيين من الوصول للمساعدات". واتهمت المؤسسة، الحركة بأنها "ترى بالنموذج الجديد تهديداً، ولذلك ستبذل كل جهد لإفشاله"، مشددة على أن "تهديدات كهذه لن تردعنا. وأمن الطواقم الميدانية والمدنيين هو أولويتنا". وتابعت المؤسسة: "اتخذنا كل إجراءات الحماية اللازمة من أجل سلامة الموظفين والمتطوعين، والشركاء المحليين والدوليين الذين اختيروا (بعد فحصهم) بعناية. سنواصل عملنا بدافع الالتزام العميق بإيصال المساعدات الضرورية لمحتاجيها حتّى تحت التهديدات".
وأتى البيان على الرغم من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، المخطط الرئيس لإقامة المؤسسة، استخدمت التجويع سلاح حرب، بفرضها الحصار المطبق على القطاع، وتشديده كلياً في الشهرين الأخيرين عقب انهيار الهدنة، ومن ثم منع المنظمات الأممية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، من القيام بعملها، عبر قطع دخول شاحنات المساعدات، وهو ما لم يترك عملياً أيّ خيار للفلسطينيين المجوّعين، والمُهجّرين تحت القصف من بيوتهم، إلا اللجوء إلى مراكز هذه المؤسسة في النقاط الأربع المحصورة بجنوب القطاع.
وتتبع "العربي الجديد" أمس الاثنين، محتويات السلال الغذائية التي ستوزّع على الفلسطينيين، والتي تحمل جميعها ماركة تجارية تُدعى "أبو تاج" تابعة لشركة "العودة غروب" العاملة في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، والتي سحبت شركة متفرعة عنها علب تونة من السوق الإسرائيلي، في مارس/آذار الماضي، بعدما أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية احتواء هذه العلب على مادّة الهيستامين المُسممة، وهي العلب ذاتها التي ظهرت في صورة وضّحت محتويات السلال.
وفي الأسبوع الأخير، صدّق المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) من دون تصويت، على إدخال بضع شاحنات مساعدات إلى القطاع، وصفتها الأمم المتحدة بأنها "نقطة في بحر"، قياساً بما يحتاجه مليونا إنسان ونصف. وأتت المصادقة إثر ما بدت أنها ضغوط دولية، وخصوصاً من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية التي سببتها إسرائيل.
أوّل نقاط التوزيع المفتتحة، أقيمت في تل السلطان بمنطقة رفح، على أنه، وفقاً لـ"يديعوت أحرونوت"، من المتوقع أن تُفتتح تدريجياً ثلاثة مراكز أخرى في نقطتين في جنوب القطاع، وأخرى بمنطقة محور "نتساريم"، لتوزّع في كل نقطة المساعدات على 300 ألف إنسان اجتازوا الفحص الأمني الإسرائيلي.
وأتت التطورات الأخيرة غداة استقالة مدير مؤسسة غزة الإنسانية جاك وود، بشكل مفاجئ حيث شن هجوماً على خطة توزيع المساعدات، ملمحاً إلى تهديدات حول استقلالية المؤسسة، إذ قال إنه "من الواضح أنه ليس بالإمكان تنفيذ برنامج المساعدات.. استقلت لأن المنظمة لم تستطع الالتزام بالمبادئ الإنسانية المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية، وهي مبادئ لا يمكنني التخلي عنها".
استقالة وود سبقتها اتهامات خطيرة وجهتها بداية الهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي حذرت من أن مثل هذه الخطوة تنتهك مبادئ المساعدات الإنسانية، ليلحقها عقب ذلك إعلان السلطات السويسرية احتمال فتحها تحقيقاً جنائياً في أنشطة المؤسسة، في أعقاب شكوى تفيد بأن المنظمة غير محايدة، وأنها في الواقع تشارك في التهجير القسري للفلسطينيين، وتعرّض الآلاف في غزة للأذى. من جانبها، زعمت مؤسسة غزة الإنسانية أنها "تخضع بشكل كامل للمبادئ الإنسانية"، وأنها "لن تدعم أي نوع من أنواع التهجير القسري للمدنيين".
في غضون ذلك، قال رئيس المعارضة الصهيونية، يئير لبيد، إن "إسرائيل تقف وراء تمويل مؤسسة المساعدات لغزة، من خلال إنشاء شركات وهمية"، مضيفاً في خطاب ألقاه على منصة الهيئة العامة للكنيست، أن "وود استقال من منصبه المدير التنفيذي للمؤسسة، لأنه أدرك أنهم يتلاعبون به". وتابع مهاجماً حكومة بنيامين نتنياهو: "فلتقل بصوت عالٍ إنها تموّل هذا المشروع، ولتفعل الأمر الأكثر كرهاً بالنسبة لها: أن تتحمل المسؤولية عن أفعالها ونتائجها".
وعلى الرغم من أن إسرائيل الرسمية تنكر صلتها بالوقوف وراء إقامة المؤسسة والشركات الوهمية المحيطة بها، كان سفيرها لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر، قد أقر في مقابلة نقلت فحواها الصحيفة أخيراً، أن "إسرائيل شاركت مع الولايات المتحدة في تأسيس المؤسسة "، لا بل إنه أكّد أنه "أسّسنا (إسرائيل والولايات المتحدة) شركة تضم جنوداً سابقين من القوات الخاصة الأميركية شاركوا في مهمات إنسانية، آخرها في هايتي، وهم من سيتولون الآن توزيع المساعدات في غزة".
من جهته، وصف وزير المالية، والوزير الثاني في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات بأنها "خطوة دراماتيكية تهدف إلى السيطرة على المساعدات الإنسانية حتى لا تصل إلى حماس"، معتبراً أنها تُمكّن إسرائيل من "خنق الحركة، والانتصار عليها، وتدميرها"، على حد زعمه. وشدد على أنه "نحن نحتل غزة وننتصر ولا نخشى من قول ذلك". ورد سموتريتش على لبيد قائلاً: "انظروا من يعارض هذا التحرك الدراماتيكي: الأمم المتحدة، حماس، الإعلام اليساري العالمي، وصحيفة هآرتس.. فليشرح لي أحد لماذا ينضم لبيد إلى من يفضّلون استمرار تدفق المساعدات إلى حماس وتعزيز حكمها".