استمع إلى الملخص
- تناولت الجلسات الأولى تجارب الدفاع في غزة وأوكرانيا، مع التركيز على استراتيجيات المقاومة الفلسطينية والدفاع الهجين لمواجهة خصوم أكبر.
- خصصت جلسة لدور المرأة في القوات المسلحة الأصغر، مستعرضة تجارب النساء في العمليات العسكرية وتحدياتهن، مع التركيز على النجاحات في المهام الحساسة والميدانية.
بدأت في الدوحة أعمال مؤتمر "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة والقوى الأصغر: التكيفات التكتيكية والابتكارات العملياتية"، اليوم الأحد، والذي تعقده وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على مدى ثلاثة أيام. ويبحث المشاركون في المؤتمر، من 28 دولة حول العالم، في عشر جلسات مجموعة التحديات الأمنية والاستجابات المتاحة للدول الصغيرة والفاعلين من البحر الكاريبي إلى جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الخليج العربي والشرق الأوسط، ويحللون الطبيعة المتغيرة لممارسات الدفاع في الدول الصغيرة والوسائل المبتكرة التي تستخدمها لمواجهة التهديدات الأمنية.
ورحب مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث، عمر عاشور، في كلمته بالباحثين المشاركين والحضور، مشيراً إلى نسبية مفهوم الصغير والأصغر، واعتماده على حجم الطرف الآخر في المواجهات، وأن فكرة المؤتمر جاءت لسد بعض الفجوات المعرفية في أدبيات الموضوع، ويشمل ذلك التعريفات، إذ ما زالت الأدبيات حول الموضوع قليلة مقارنةً بالأدبيات حول اقتصاديات الدول وعلاقاتها الدولية. وقال عاشور إن المؤتمر يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: تقديم تحليلات متعددة المستويات، من الابتكارات التكتيكية إلى التحولات الاستراتيجية في مجالات الحرب السبعة (البرية والبحرية والجوية والفضائية والمعلوماتية - الاستخباراتية والسيبرانية والإلكترومغناطيسية) يُربَط فيها بين الخبرات الميدانية في الخطوط الأمامية من ناحية والنقاشات الأكاديمية في الخطوط الخلفية.
وثاني أهداف المؤتمر هو تقديم دروس مقارنة مستمدة من خبرات الجيوش النظامية للدول الصغيرة (أو الأصغر) والقوى غير الدولتية اللانظامية، ما يبيّن كيفية إنتاج التحديات المتشابهة، مثل القوى البشرية المحدودة أو الموارد الاقتصادية أو النفوذ الجيوسياسي، وتكيّفات استراتيجية متنوعة ومفاجئة في بعض الأحيان، وكذلك ابتكارات عملياتية وتكتيكية. والهدف الثالث هو النظر بحثياً في كيفية تأطير هذه الدروس والمنظورات، بغرض رفدِ أجندة سياسات الدفاع الاستراتيجي، والمساهمة في تعزيز الأمن الوطني والأمن الإقليمي والدولي.
وضمّت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، التي ترأسها رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، عبد الوهاب الأفندي، مداخلتين قدّمهما أستاذ دراسات الحرب والأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة إكستر، أنتوني كينغ، ومدير وحدة الدراسات الاستراتيجية وأستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد الدوحة، عمر عاشور. وتطرّق كينغ في مداخلة بعنوان "الدول الصغيرة في الحروب الحديثة: دور الحرب الحضرية والذكاء الاصطناعي في استراتيجيات الدفاع" إلى التحديات الماثلة أمام الدول الأصغر حجماً في العصر الحالي، في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، مركزاً على دور الحرب الحضرية والذكاء الاصطناعي في صياغة استراتيجية دفاعية للدول الأصغر مع التطرّق إلى الحالة الأوكرانية.
أمّا عاشور، فسعى في مداخلته التي حملت عنوان "الدفاع الهجين للدول الصغيرة والقوات الأصغر: دروس في الفاعلية القتالية من أوكرانيا وغزة" إلى الإجابة عن سؤال بحثي رئيس: إن فشل الردعُ وتعثرت الدبلوماسية كيف يمكن للدول الصغيرة أن تدافع عن نفسها في مواجهة خصوم أكبر متفوقين عليها في العدد والعدة والعتاد؟ وذلك من خلال مفهوم "الدفاع الهجين"، وربطه بمفاهيم "الفاعلية العسكرية" و"الفاعلية القتالية"، ثم تحليل بعض فنون العمليات والتكتيكات التي توظِّفها القوات الأصغر نسبيًّا، في حالتَي القوات العسكرية والأمنية الأوكرانية، وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.
غزة ودروس الدفاع
ترأست الجلسة الأولى من المؤتمر الباحثة في المركز العربي، آيات حمدان، وكان محورها "الصمود الاستراتيجي: غزة ودروس الدفاع"، وشارك فيها أربعة باحثين. وقدّم الباحث في المركز العربي، بلال محمد شلش، ورقةً بعنوان "طليعة تصنع التاريخ: تنظيمات المقاومة الفلسطينية بوصفها قوى أصغر (1965-2025)"، تتبّع فيها التطوّر التاريخي للمقاومة الفلسطينية، من لحظتها الثورية الجديدة في عام 1965 إلى تجربتها الأخيرة داخل الأرض المحتلة خلال العقود الثلاثة الماضية، بوصفها قوى صغيرة، مبينًا أن أدبياتها المبكرة، على اختلاف توجهات تنظيماتها وخلفياتها ومراحل نشاطها، عكست نظرتها إلى نفسها، وأهدافها القريبة والبعيدة ودورها التنفيذي، انطلاقًا من كونها "قوى أصغر" في مواجهة المشروع الاستعماري في فلسطين.
وتناول الباحث في المركز العربي، محمود محارب، في ورقته "قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي: أسباب تراجعها عددًا ونوعيةً"، أهمية قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي ودورها المهم في الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد حرب عام 1948، في الأعوام 1956 و1967 و1973 و1982، متتبعًا العوامل التي قادت، في العقود الثلاثة الأخيرة، إلى تراجع دور قوات الاحتياط ومكانتها في الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى تراجع جاهزيتها للقتال وتدنّي مستواها القتالي.
أما الباحث في المركز العربي، مجد أبو عامر، فعرض في ورقة بعنوان "كيف تدافع حماس؟ التكتيكات القتالية والابتكارات العملياتية في حرب غزة 2023-2024" لاستراتيجيات الدفاع التي اتبعتها كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بوصفها قوة أصغر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع رصد تكتيكاتها القتالية وفاعليتها، بالتركيز على دور الأنفاق التي وظّفتها قوى المقاومة الفلسطينية أداةً عملياتية زادت من فاعليتها القتالية، متغلبةً على معضلة جغرافيا غزّة الصغيرة والمحاصرة وعدم امتلاك منظومة دفاع جوّي من جهة، وعلى التفوّق العسكري والاستخباراتي ووسائل المراقبة الإسرائيلية، من جهةٍ أخرى.
وفي ورقة بعنوان "حزب الله: مرونة مقاومة إسلامية"، ركّز المحاضر في السياسة والدين في جامعة ستيرلنغ، بشير سعادة، على أهمية الاستشهاد بالنسبة إلى حزب الله اللبناني، ليس فقط لتعزيز هوية أو ثقافة دينية معينة، بل أيضًا في غرس آثار عملية ولوجستية وعسكرية مهمة، والتي مكّنت الحزب من الاستمرار في مواجهة عملية عسكرية جوية وبرية إسرائيلية، من دون أن يتوقف عن إطلاق الصواريخ في شمال فلسطين، رغم الاختراق المعلوماتي الهائل الذي حققته إسرائيل، واغتيال أمينه العام إلى جانب غالبية قادته العسكريين.
دور المرأة في القوات المسلحة الأصغر
وناقشت الجلسة الثانية التي ترأّستها الباحثة في المركز العربي، عائشة البصري، "دور المرأة في القوات المسلحة الأصغر"، وتضمنت أربع مداخلات، افتتحتها الباحثة في المركز العربي، يارا نصّار، بورقة عنوانها "المرأة في المقاومة المسلحة الفلسطينية: سير ومسارات"، تتبعت خلالها تطور دور المرأة الفلسطينية في المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، وخاصةً في الفترة التي تلت نكسة عام 1967، التي شهدت انخراطًا مباشرًا للنساء في العمليات العسكرية، مع التطرق إلى دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في تدريب النساء وتنظيمهن.
ثم قدّمَت الباحثة والمحللة في وزارة الدفاع القطرية، فاطمة النعيمي، ورقة بعنوان "دور المرأة في القوات المسلحة القطرية: الإمكانات والتحديات"، تناولت فيها تجربة النساء في القوات المسلحة القطرية، مبينةً الأسباب التي دفعت قطر إلى إدماج المرأة في قواتها المسلحة، ومدى تأثير وجودها في فاعلية التنظيم العسكري، ومن ثم قدمت رؤى حول كيفية تعزيز الكفاءة الشاملة من خلال الاستفادة من المهارات والخبرات المختلفة التي تقدمها النساء.
بينما حللت الباحثة الأوكرانية وإحدى المدافعات عن مدينة ماريوبول، ماريا شيخ، في ورقتها "المرأة في القوات المسلحة الأوكرانية: التطور والتحديات والخبرة الميدانية"، الإدماج المتسارع للنساء في القوات المسلحة الأوكرانية، مع التركيز على تطور العقيدة القتالية، والتعقيدات العملياتية، استنادًا إلى البيانات الميدانية المباشرة والمراقبة الميدانية. وبيّنت تفوّق النساء في المهمات الحساسة، من قبيل عمليات القنص، وتحقيق الاستقرار الطبي في الخطوط الأمامية، وزيادة بسط القوة، وتعزيز وتيرة العمليات. وخُتمت الجلسة بورقة قدّمتها إيفانا كوفاسيفيتش بيكيتش، باحثة دكتوراه في الإعلام والاتصالات في جامعة الشمال في كرواتيا، عنوانها "المرأة في منظومة الدفاع الكرواتية"، حللت فيها عدد النساء في مؤسسات الدفاع في كرواتيا ومكانتهن وحقوقهن، ومساهمتهن في الدفاع عن بلادهن، واللواتي يشكّلن 14% من قوام الجيش الكرواتي.