مؤتمر الحوار الوطني السوري.. نقاش "هادئ" لقضايا صاخبة
استمع إلى الملخص
- تميز المؤتمر بتنوع المشاركين من مختلف الفئات، مما يعكس تمثيلاً شاملاً للمجتمع السوري، مع اعتراض بعض المشاركين على قصر مدة المؤتمر.
- من المتوقع أن تصدر توصيات غير ملزمة تشكل أساساً للحكومة السورية المقبلة، مع التأكيد على أهمية متابعة تنفيذها لضمان بناء دولة جديدة.
اجتمع مئات السوريين في مؤتمر الحوار الوطني السوري بحدث لم تشهده البلاد منذ أكثر من ستة عقود، لتحديد مسار سياسي واقتصادي واضح لبلادهم التي تواجه جملة تحديات سياسية واقتصادية وأمنية ومجتمعية، والخروج بتوصيات تكون دليلاً للحكومة التي ستقود مرحلة انتقالية تتخللها كتابة الدستور. واحتضن "قصر الشعب" في العاصمة السورية دمشق هذا الحدث الوطني الذي أجمع المشاركون فيه على أنه فرصة لمساعدة الإدارة الحالية في وضع خريطة طريق واضحة للتعامل مع الملفات الضاغطة والقضايا المصيرية ومع التهديدات التي تهدد السلم الأهلي والمجتمعي ووحدة البلاد.
وتم توزيع المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني السوري (نحو 550 شخصاً) على ست مجموعات عمل لمناقشة منظومة العدالة الانتقالية والدستور وبناء مؤسسات الدولة والحريات الشخصية والنموذج الاقتصادي لسورية في المستقبل، والدور الذي سيلعبه المجتمع المدني في البلاد. وبعد كلمات كل من الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، توزع المؤتمرون على مجموعات العمل المخصصة لكل منهم.
وحضر "العربي الجديد" جانباً من الجلسات الصباحية لمجموعات العمل التي شهدت نقاشات حول مجمل القضايا التي تؤرق السوريين، وخاصة لجهة النهوض بالاقتصاد وتحسين ظروفهم المعيشية. كما جرت نقاشات حول الثوابت الدستورية والدور الذي من المفترض أن تلعبه منظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة، التي تواجه فيها البلاد جملة تحديات دفعت كما يبدو الإدارة الجديدة الى التعجيل في عقد هذا المؤتمر للخروج بتوصيات تسهم في وضع أسس جديدة للبلاد وتحديد هويتها الاقتصادية والسياسية. وشهد مؤتمر الحوار الوطني السوري مشاركة شخصيات قبلية وعشائرية في البلاد بالإضافة لأكاديميين وفنانين وكتاب وصحافيين وباحثين في الشأن السياسي ورجال دين ورجال أعمال وتجار وصناعيين، وشخصيات معروفة في المشهد المعارض للنظام المخلوع سواء قبل الثورة أو أثناءها.
وفي حديث مع "العربي الجديد" أثنى خالد خوجة (رئيس سابق للائتلاف الوطني السوري) على المؤتمر من حيث المضمون، مشيراً إلى أن النقاش "ناضج"، وأعرب عن اعتقاده بأن المدعوين للمؤتمر "على سوية جيدة وعلى مستوى هذا الحدث الوطني الفريد". وأشار إلى أن هناك تنوعاً إثنياً ودينياً واجتماعياً في المؤتمر "ما يعني تحقيق تمثيل كامل للمجتمع السوري المتنوع"، موضحاً أن اللجنة التحضيرية "اختارت عناوين معينة وأعدت أوراق عمل مسبقة للنقاش".
وقال خوجة: "على أهمية ذلك إلا أننا رفعنا سقف الحوار في مجموعة (دور منظمات المجتمع المدني) وطالبنا بأن تلعب هذه المنظمات دور المراقب لعمل الحكومة وليس دور الداعم لها فقط". ولكن الخوجة رأى أن حصر مؤتمر الحوار الوطني بيوم واحد "لن يساعد المدعوين في الخروج بتوصيات ملمة بتفاصيل القضايا التي ناقشوها"، مبدياً اعتراضه على ضيق المدة الزمنية بين توجيه الدعوات وموعد المؤتمر وهو ما حال دون حضور الكثير من المدعوين الموجودين خارج البلاد.
وأشار خوجة إلى أنه "كان من المفترض أن تكون هناك مجموعة عمل لمناقشة التهديدات الأمنية التي تواجه البلاد وتهدد وحدتها"، مطالباً الحكومة بإبداء "ردة فعل" على التهديد الإسرائيلي مضيفاً: "يجب أن يكون هذا الأمر أولوية لدى الإدارة الجديدة ويجب عدم تجاهل هذا الأمر لأنه ربما يهدد وحدة البلاد، فعدم صدور موقف حازم من الإدارة تجاه الاستفزازات الإسرائيلية يغري قوات سورية الديمقراطية (قسد) على عدم التقدم في المفاوضات لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية".
وفي السياق، قالت الصحافية والكاتبة سعاد جروس، المشاركة في المؤتمر، إنه "ضمن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد يعد هذا المؤتمر خطوة إيجابية جداً"، وأضافت: "هو حل اسعافي لأن البلاد بحاجة إلى إعلان دستوري ناظم للمرحلة الانتقالية". ودعت جروس إلى إنشاء مؤسسة للحوار لمواصلة العمل على التوصيات التي ستخرج من المؤتمر، مشيرة إلى أن "الحوار بدأ فعلياً فور سقوط نظام الأسد في المنازل والمنتديات والأماكن العامة بين كل السوريين"، مضيفة: "مؤتمر الحوار الوطني جاء تتويجاً للحوار المجتمعي".
وأشارت جروس إلى أن جلسات المؤتمر "تشهد حالة وطنية متقدمة"، واضافت: "جرى حوار هادئ بعيداً عن الطائفية والمناطقية. هناك رفض عارم لكل الحالات المجتمعية والعرقية والدينية والطائفية الشاذة. سورية لكل أبنائها بغض النظر عن أي انتماء". واشتكى عدد من المدعوين من قصر المدة الزمنية للمؤتمر، إلا أن المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر، حسن الدغيم، أكد لـ "العربي الجديد" أن المؤتمر "ربما يمدد في حال مطالبة أكثرية المشاركين بذلك".
ومن المقرر أن تخرج عن المؤتمر توصيات ليست ملزمة للإدارة الجديدة، إلا أنها ستكون المحدد للحكومة السورية المنتظرة التي من المقرر أن ترى النور في الشهر المقبل لقيادة المرحلة الانتقالية التي ستشهد كتابة دستور جديد دائم للبلاد. ومن المتوقع أن تستغرق كتابة الدستور نحو ثلاث سنوات، وفق الثوابت التي ستصدر عن المؤتمر. إلى ذلك، قال مضر حماد الأسعد، المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل العربية، في حديث مع "العربي الجديد" إن مؤتمر الحوار الوطني "كان مطلب السوريين لبناء دولة جديدة بعد عقود من التصحر السياسي والديكتاتورية"، مشيراً إلى أن العناوين المطروحة للحوار والنقاش "مهمة"، مطالباً بـ"متابعة تنفيذ التوصيات التي ستخرج عن المؤتمر على أرض الواقع".