مؤتمر "قسد" السنوي... آفاق المستقبل بين الوظيفة والطموح

مؤتمر "قسد" السنوي... آفاق المستقبل بين الوظيفة والطموح

12 اغسطس 2021
باتت مهمة "قسد" إدارة شؤون معتقلي "داعش" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

شكّل مارس/آذار 2019 تاريخاً مفصلياً في مشروع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). في الثالث والعشرين من ذلك الشهر جرى إعلان إلحاق الهزيمة "النهائية" بتنظيم "داعش" في آخر جيب له في الباغوز شرق محافظة ديرالزور، وبذلك انتهت سيطرة التنظيم على أي منطقة حضرية في البلاد. وفي ذلك اليوم طُرح السؤال حول مستقبل هذه القوة العسكرية التي تشكّلت من أجل هدف وحيد هو الحرب الدولية على الإرهاب، بعد سيطرة "داعش" على مساحات شاسعة من العراق وسورية، وقيامه بعمليات إرهابية في شتى أنحاء العالم.

منذ ذلك الوقت لم تدخل "قسد" في معارك كبيرة، بل اقتصر نشاطها الحربي على مواجهات محدودة مع جيوب "داعش" في المنطقة، ومع ذلك، بدلاً من أن تتراجع "قسد" عسكرياً، فإنها تضخّمت حجماً ووصلت إلى ضعف ما كانت عليه، وفي الوقت ذاته استمر التمويل والتسليح الأميركي والمساعدات من فرنسا وبريطانيا ودول أخرى. في هذه الأثناء، فإن المهمة الرئيسية لـ"قسد" بحسب الأطراف المموّلة والراعية هي إدارة شؤون معتقلي "داعش" في سجون محافظة الحسكة وعوائلهم في مخيمي الهول وروج، ولكن "قسد" أضافت لنفسها مهمة أخرى، وهي مواجهة تركيا، وبقيت هذه المسألة تخضع لرقابة صارمة خلال فترة الإدارة الأميركية السابقة، وأشرف عليها بصورة مباشرة مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الأميركية السفير جيمس جيفري الذي ربطته علاقات وثيقة مع أنقرة. وبعد رحيل الإدارة السابقة واستقالة جيفري، لم يتم إعلان موقف أميركي صريح، على الرغم من التفاؤل الذي ساد أوساط قيادات "قسد" بعد تعيين صديق الأكراد الدبلوماسي بريت ماكغورك في مكتب الأمن القومي بصفة منسق شؤون الشرق الأوسط، والذي لم يقم بأي خطوة ملموسة تجاه "قسد" حتى الآن، وكان هناك أمل أن يحضر شخصياً المؤتمر السنوي للتنظيم.

جرت أعمال المؤتمر في مدينة الحسكة في مطلع الشهر الحالي، ولم يحضره من الجانب الأميركي سوى قائد قوة المهام المشتركة في التحالف الدولي الجنرال باول كالفيرت، والذي بقيت كلمته ضمن حدود الحرب على "داعش"، وتحدث عن ثلاثة نجاحات حققها التحالف، أولها إقامة مراكز إيواء للنازحين، والثاني رفع الوعي الدولي حول المشاكل التي يواجهها الأهالي في شمالي شرق سورية، أما الثالث فهو دعم عناصر "قسد" للاستمرار في مكافحة التنظيم. ولم يصدر عن كالفيرت أي رد فعل وهو يستمع إلى خطاب قائد "قسد" مظلوم عبدي والبيان الختامي الذي جاء فيه أن "قسد" وضعت ما أسمته "تحرير المناطق المحتلة من تركيا في صدارة أهدافها للعام المقبل". واللافت أن عبدي الذي أكد أن التعاون سيستمر مع التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، الذي "لا يزال التهديد الأكبر في شمالي شرق سورية"، شدّد على استمرار التعاون مع القوات الروسية لخفض التصعيد على الحدود الشمالية، معتبراً أن تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد الأخيرة لا تصبّ في خدمة وحدة سورية، معرباً عن دعمه لما وصفه بـ"الحوار السوري-السوري" للوصول إلى اتفاق سياسي.

من الواضح أن هناك مسافة ملموسة لأول مرة بين الحليف الأميركي و"قسد"

من الواضح أن هناك مسافة ملموسة بوضوح، لأول مرة، بين الحليف الأميركي و"قسد"، والنقطة الأساسية التي لا تزال مجهولة بالنسبة للتنظيم هي موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الوضع في سورية، ذلك أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تعلن عن موقف سياسي صريح حتى الآن، وهذا ما يضع التنظيم في دوامة القلق حول مصيره. ومن خلال تمرين بسيط يمكن رسم خريطة لمآلات مشروع "قسد" التي تشكلت عام 2015 من أجل محاربة "داعش". وعلى الرغم من أن التنظيم رفع من سقف طموحاته السياسية، وحاول مرات عدة أن يحصل على اعتراف دولي ذي بعد سياسي، فإنه لم يتمكّن من ذلك، وبقيت الأطراف الدولية التي تتعامل معه، وتحديداً الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا، تقدّم له السلاح والخبرات والدعم المالي والتغطية السياسية من أجل المهمة التي نشأ من أجلها، وصار لها بُعد جديد هو حراسة 11 ألف معتقل داعشي في سجون "قسد"، و60 ألفاً من عائلات هؤلاء في مخيمي الهول وروج في محافظة الحسكة، ومثال ذلك أن بريطانيا قدّمت مساعدات لـ"قسد" تُقدّر بـ20 مليون دولار من أجل توسيع السجون.

يعتمد التمرين على رسم خريطة لأصدقاء وأعداء "قسد" ووظيفة وأهداف هذا التنظيم. الأصدقاء بالترتيب: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا. والأعداء تركيا والفصائل السورية المتحالفة معها، والتي تُشكّل "الجيش الوطني" الذي اعتمدت عليه أنقرة في عملية "نبع السلام" في أكتوبر/تشرين الأول 2019 من أجل السيطرة على مدينتي تل أبيض (محافظة الرقة) ورأس العين (محافظة الحسكة). وفي الوسط بين الأصدقاء والأعداء تقع روسيا، إيران، والنظام السوري.

وبعد يوم وآخر يظهر أن ثمة مسافة شاسعة بين وظيفة "قسد" وأهدافها. ومن خلال قراءة مواقف الأصدقاء والأعداء يمكن استطلاع الآفاق التي يمكن أن يذهب إليها هذا التنظيم، الذي يشكل جيشاً كبيراً يقع عبء تسليحه وتمويله على الولايات المتحدة، التي لن تكون عاجزة عن توظيف هذا العدد الكبير من المقاتلين المدربين والمسلحين لخدمة أهدافها في المنطقة، ولا يبدو أن هذه الأهداف محصورة بتركيا والنظام السوري، وربما يمكن لها أن تلعب دوراً في وجه التمدد الإيراني الزاحف من العراق إلى سورية. واللافت أن "قسد" لا تترك فرصة من دون أن تحاول التقارب مع النظام السوري، وهذا أمر لا تعارضه واشنطن وتشجعه موسكو، ويريده النظام بشروطه بعد أن صار يدرك أن "قسد" تحتاجه أكثر مما يحتاج إليها.

تطمح "قسد" إلى بناء علاقة مع النظام على أمل أن تكسب سياسياً، من خلال التفاهم على حلّ في المنطقة التي تسيطر عليها

"قسد" تطمح إلى بناء علاقة مع النظام على أمل أن تكسب سياسياً، من خلال التفاهم على حل في المنطقة التي تسيطر عليها، وهي من ثلاث محافظات سورية (الرقة، دير الزور، الحسكة) تشكّل قرابة ثلث مساحة سورية. وعرضت "قسد"، أكثر من مرة، صفقة على النظام تقوم على تسليم المنطقة، مقابل تخفيف القبضة المركزية والاعتراف بالخصوصية الكردية. ومن المعروف أن النظام كان يمكن أن يقدّم هذا التنازل إلى "قسد" قبل عملية "نبع السلام"، ولكنه غيّر قواعد اللعبة بعد أن أدرك هشاشة "قسد" من دون مظلة أميركية.

وحين قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من شرق سورية في صيف عام 2019 أعطى ضوءاً أخضر للعملية العسكرية التركية، ولولا تدخّل روسيا في حينه كان يمكن لأنقرة أن تذهب أبعد من "نبع السلام"، وتدخل الشريط الحدودي كله بعمق يتجاوز 40 كيلومتراً، بما في ذلك مدينة القامشلي. وكان النظام يحسب أن "قسد" صارت تحت مظلته، ولكن التنظيم استعاد أنفاسه بمجرد أن راجعت واشنطن نفسها، بعد ضغوط على إدارة ترامب للتراجع عن قرار سحب القوات الأميركية من شرق سورية. وثمة أمر يتم القفز عليه في هذه المعادلة وهو يتعلق بإمكانية التفاهم بين تركيا والنظام السوري في الفترة المقبلة، وهذا أمر وارد وغير مستحيل من خلال تفاهمات ترعاها روسيا، وتبدو، في هذه الحالة، أن دمشق وأنقرة أقرب لبعضهما البعض من قرب "قسد" إلى دمشق.

يبدو أن أفق مشروع "قسد" مسدود، أما وظيفتها تبقى قائمة إلى حين تصفية ملف "داعش"، وهذا أمر ليس بالسهل، ولن ينتهي بين يوم وليلة، ولكن في حال حصول تفاهم أميركي روسي تركي إيراني على تسوية ما في سورية، فإن توزيع العبء بين الأطراف يمكن أن يساعد على إدارة الملف من دون الحاجة إلى "قسد" التي قد تصبح جيشاً زائداً عن الحاجة، لا حياة له من دون التمويل الخارجي.