مآزق حزب الشعب الجمهوري التركي: تحقيقات فساد وتنافس داخلي

14 فبراير 2025
أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، 31 أكتوبر 2024 (ياسين أكغول/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه حزب الشعب الجمهوري في تركيا تحقيقات فساد تتعلق بمؤتمره العام لعام 2023، تشمل اتهامات بالرشوة وشراء الأصوات، مما يؤثر على الانتخابات الداخلية لاختيار مرشح رئاسي وسط منافسة بين رؤساء بلديات إسطنبول وأنقرة.

- أعلن النائب العام في أنقرة عن تحقيق في مؤتمر الحزب بعد تصريحات الرئيس أردوغان التي شككت في شرعية انتخاب أوزال، مما يزيد من الصراعات الداخلية، حيث عقد لقاء ثلاثي لمناقشة الترشح للانتخابات الرئاسية.

- مع اقتراب الانتخابات الداخلية في مارس 2024، يواجه الحزب ضغوطاً سياسية وقضائية، وقد تؤدي التحقيقات إلى فرض حظر سياسي على إمام أوغلو، مما يضع مستقبل الحزب في موقف حرج.

يواجه حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي، ثاني أكبر الأحزاب في تركيا وأكبر أحزاب المعارضة، تحقيقات في الفساد، بعد أن فتحت النيابة العامة تحقيقاً في المؤتمر العام الذي جرى في عام 2023 بشبهة وجود اتهامات بالفساد والرشى وشراء الأصوات، في وقت يستعد فيه الحزب لإجراء انتخابات داخلية تمهيدية لاختيار المرشح الرئاسي المقبل للحزب في أي انتخابات مقبلة، سواء كانت مبكرة أو المجدولة في عام 2028، وسط منافسة بين رئيسي بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، وأنقرة، منصور ياواش.

تفوق نادر تأكله الصراعات

يشهد حزب الشعب الجمهوري الذي أسّسه مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك، حراكاً مستمراً ويشغل حديث الإعلام في البلاد، منذ تمكنه من احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات البلدية التي جرت قبل نحو عام، في تفوق نادر أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002، وهو ما أدخله بمزيد من الصراعات والتنافس الداخلي، في وقت طالب فيه زعيم الحزب أوزغور أوزال مرات عديدة بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة في تركيا، مستفيداً من تراجع شعبية الحزب الحاكم، وخصوصاً في الأداء الاقتصادي.

إلياس كلج أصلان: المناقشات ستؤدي إلى استنزاف حزب الشعب الجمهوري

ولم يكن ينقص التنافس الداخلي المستمر داخل الحزب إلا أن يواجه تحقيقاً جديداً بحقه، حيث أعلنت النيابة العامة في أنقرة، الاثنين الماضي، فتح تحقيق بمؤتمر الحزب الذي خرج بفوز أوزال بزعامة الحزب على المرشح الرئاسي الخاسر ورئيس الحزب السابق كمال كلجدار أوغلو. وقالت النيابة العامة في بيان، إن التحقيق بدأ بعدما تلقت النيابة العامة في ولاية بورصة بلاغاً، ليُحوَّل الملف إلى العاصمة أنقرة، مبينة أنه "فُتح تحقيق من قبل مكتب المدعي العام الرئيسي في يناير/كانون الثاني 2024، وسيُستدعى كمال كلجدار أوغلو والقيادي في الحزب عاكف حمزة تشيبي للإدلاء بشهادتيهما بسبب التصريحات التي أدليا بها في الصحافة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في ما يتعلق بالموضوع".

فتح التحقيقات في هذا التوقيت يأتي بعدما شكّك الرئيس رجب طيب أردوغان أكثر من مرة في تصريحات له، بشرعية انتخاب أوزال، مستخدماً عبارات "رئيس انتُخب في مؤتمر مشكوك فيه"، من دون أن يصدر أي ردّ من قبل حزب الشعب الجمهوري على تصريحات أردوغان، ما دفع إلى صدور بعض الأصوات، منها لعضو الحزب تشيبي وكلجدار أوغلو عن الموضوع، فيما برّر تشيبي تصريحاته بسبب غياب الرد الرسمي على اتهامات أردوغان.

ورد أوزال على فتح الدعوى القضائية بكلمته أمام كتلة حزبه النيابية، الثلاثاء الماضي، قائلاً: "إنهم يحاولون ترتيب مؤامرة ضد حزب الشعب الجمهوري، في السياسة النقد الذاتي يحدث من خلال المؤتمرات، وحزب الشعب الجمهوري هو الوحيد الذي يغيّر زعيمه بالوسائل الديمقراطية، أحدهم مجنون أهان رئيس فرع الحزب بولاية بورصة وقدّم شكوى ضده، ونقل الملف إلى أنقرة واحتفظوا به لمدة عام، وسُرِّب هذا الأمر إلى وسائل الإعلام، والرئيس أردوغان يحاول الإيقاع بي، فهل أقع؟ كل ما يهمه هو الجلوس في الكرسي لفترة أطول قليلاً".

ومن اللافت للنظر أن هذه التطورات جرت بعد يوم واحد من لقاء ثلاثي جمع أوزال مع إمام أوغلو وياواش في أنقرة، وهذا اللقاء حصل لحل الخلافات التي تسربت في الإعلام عن وجود منافسة بين رئيسي البلديتين للترشح للانتخابات، في ظل سعي بين أوزال وإمام أوغلو لإجراء انتخابات داخل الحزب وتحديد المرشح الرئاسي. مقابل ذلك، يقف ياواش مع الزعيم السابق كلجدار أوغلو، ويدرك رئيس بلدية أنقرة أن إمام أوغلو قد يتمكن من حسم الانتخابات الداخلية لصالحه، فتسرب للإعلام أنه لن يشارك في أي انتخابات أولية، وأن من المبكر إجراء ذلك.

شكّك الرئيس رجب طيب أردوغان أكثر من مرة بشرعية انتخاب أوزال

وفي ظل التكهنات التي حصلت، أعلن أوزال الثلاثاء الماضي، تحديد 23 آذار/مارس المقبل، موعداً لإجراء الانتخابات الداخلية، نافياً حصول أي خلافات داخل الحزب، وأتبعه ياواش بمنشور على منصة إكس، أكد فيه أن الثلاثة "موحدون معاً من أجل أن تصل تركيا إلى أيام أفضل، وأن يجد المتقاعدون والعاملون بأجر أدنى والطلاب والعمال الراحة، وأن يُعاد تأسيس الديمقراطية البرلمانية". وعلى الرغم من هذا المنشور، سربت وسائل إعلام تركية، منها قناة خبر تورك، أول من أمس الأربعاء، أن ياواش قال في الاجتماع الثلاثي إنه "إذا لمس مطالب شعبية بترشحه وفق استطلاعات الرأي فإنه سيترشح بشكل مستقل للانتخابات".

وتطرح كل هذه التطورات تساؤلات عن مستقبل حزب الشعب الجمهوري وقيادته في ظل ما يواجهه من تحديات داخل الحزب وعلى صعيد القضاء، خصوصاً أن رئيس بلدية إسطنبول يواجه دعاوى قضائية عدة، ومطالب بحرمانه العمل السياسي إن قضت المحكمة الاستئنافية حكماً عليه بالسجن صدر في عام 2022، كذلك قبلت دعوى قضائية جديدة ضده، الأربعاء (13 فبراير/شباط الحالي)، بحجة تهديده نائباً عاماً قبل أيام، وهو ما يضع ترشحه على المحك. ويدفع ذلك خبراء ومتابعين إلى القول إن موقف ياواش قد ينسجم مع حصول منع سياسي ووجود مرشح واحد، فيدخل حزب الشعب الجمهوري بدوامة جديدة. وعلى الرغم من هذه المخاطر، كشف إمام أوغلو في تصريح له أول من أمس الأربعاء، أنه "بعد تحديد موعد الانتخابات التمهيدية ومعرفة المتطلبات ودراستها ووضع خريطة طريق وفق ذلك، سيُكشَف عن موقفه بالترشح".

مشاكل متزايدة تنتظر حزب الشعب الجمهوري

وعما يعانيه حزب الشعب الجمهوري ويواجهه من صراعات داخلية واستحقاقات على الصعيد الانتخابي، قال الصحافي إلياس كلج أصلان، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التحقيق بحق الحزب والتحقيقات الأخرى يبدو أنها تهدف إلى فرض حظر سياسي على إمام أوغلو والضغط على المعارضة من قبل الحكومة وعلى المرشحين الرئاسيين المحتملين. أعتقد أن الحكومة لا تحتاج إلى مثل هذه الضغوط في الوقت الذي تعاني فيه المعارضة من مشاكل داخلية، لكن السياسة في تركيا تسير على هذا النحو إلى حد ما لسوء الحظ".
ورأى كلج أصلان أنه "بدلاً من أن يؤدي التحقيق في المؤتمر إلى عقوبة مثل الحظر السياسي، سيكون من الأهم أن يؤدي إلى تأجيج المناقشات داخل حزب الشعب الجمهوري اليوم، وكما هو معلوم فقد خسر كلجدار أوغلو رئاسة الحزب في ذلك المؤتمر". واعتبر أنه "إذا فُهم أن هذا أمر مشبوه واتُّخذ قرار بتجديد المؤتمر، فإن الحزب سيكون في حيرة كبيرة، وربما هذا هو الهدف من التحقيق، وحتى إن لم يُتخَذ قرار تجديد المؤتمر، فإن المناقشات ستؤدي إلى استنزاف حزب الشعب الجمهوري".
وشدّد الصحافي التركي على أن "قضية الانتخابات الداخلية تُجرى لحماية إمام أوغلو، فإذا فاز في الانتخابات التمهيدية، وهو أمر مرجح للغاية، فإن الحظر السياسي على إمام أوغلو سيكون أمراً كبيراً جداً، وقد تتردد الحكومة في القيام بذلك"، مضيفاً أن "أوزال وإمام أوغلو يريدان إجراء انتخابات تمهيدية مع وضع هذا في الاعتبار، ولكن هذه العملية الانتخابية الأولية ستؤدي إلى تفاقم الصراعات الحزبية الداخلية. سيفوز إمام أوغلو في الانتخابات التمهيدية، لكن ليس مؤكداً ما إذا كان هذا سيقوده إلى الرئاسة".

من جهته، تحدث الكاتب والمحلل السياسي بكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، عن مآلات حزب الشعب الجمهوري جراء التحقيقات من جهة والانتخابات التمهيدية. وقال في هذا الصدد إن "أمر التحقيق والشكوك في المؤتمر ليس جديداً، وكان الحديث عنه موجوداً سابقاً، ولكن أخيراً زاد الحديث عنه وزادت الخلافات كثيراً داخل قيادة الحزب، وهو ما يدفع إلى المطالبة بالعودة إلى البداية، وهو المؤتمر العام وكان هناك بالفعل تجاوزات فيه على ما يبدو، ولا أعتقد أن يعاد المؤتمر مجدداً، لأن كلجدار أوغلو وتشيبي رفضا هذا الأمر".

وأوضح أتاجان أنه بالنسبة إلى التنافس على الترشح للانتخابات داخل الحزب "سيعاني حزب الشعب الجمهوري أكثر من الاضطرابات، لأن الانتخابات التمهيدية لا تكون بالمندوبين، وهو أمر شاق، ورئيس بلدية أنقرة ياواش مرشح قوي جداً". وبرأيه، فإن هذه المساعي "قد تكون من أوزال لتصفية المرشحين الأقوياء ليتمكن هو نفسه من الترشح مستقبلاً، وبما أنها انتخابات تمهيدية ومبكرة، يمكن لياواش جمع 100 ألف صوت والترشح بشكل مستقل". وأعرب عن اعتقاده بأن "إمام أوغلو سيتأثر بذلك، وقد تتراجع شعبيته، وقد يُقنَع ياواش بمنصب نائب الرئيس من قبل أوزال، وعلى جميع الأحوال، فإن كل السيناريوهات ستؤدي إلى مزيد من المشاكل داخل الحزب، وهو ما يجعله يستنزف شعبياً ويتراجع في حال استمرار الصراع على القيادة".


 

المساهمون