ليست مجرد قضية لاجئين

ليست مجرد قضية لاجئين

05 فبراير 2021
أحال المشرعون ستويبرغ إلى المحاكمة لخرقها القانون (فرانس برس)
+ الخط -

قرر البرلمان الدنماركي، بأغلبية 140 من أصل 179 مشرعاً، تحويل زميلتهم، وزيرة الهجرة السابقة إنغا ستويبرغ، إلى محاكمة وطنية بسبب "أوامر غير قانونية" بفصل أزواج لاجئين من سورية عن بعضهم في 2016، بحجة محاربة "زيجات القصّر وإجبار على الزواج". لم يُحِل المشرعون ستويبرغ إلى المحاكمة، لأنهم يؤيدون زواج القصر، بل لخرقها القانون، بتعليمات تنفيذية غير شرعية، قائمة على حكمها المسبق والتعميمي على المهاجرين من دون فحص كل قضية، وهو ما كشفته شكوى قُدّمت لـ"أمين المظالم" من زوجين شابين سوريين فُصلا تعسفياً (مع 23 زوجاً آخرين).

ما يلفت في محاكمة وزيرة وقيادية في أعرق الأحزاب الاسكندينافية، "فينسترا" الليبرالي، أنها المرة الثالثة منذ 1910، والثانية بسبب مهاجرين منذ 1992، وعن طريق منصب الـ"أومبودسمان" أو "أمين لجنة المظالم"، المفوض عن الشعب لضبط أداء السياسي المشرع والتنفيذي، في التزام تطبيق القوانين والدستور، وقواعد حكم دولة القانون في البلد.

لم يشِح "أمين المظالم" نظره بعيداً عن القضية لأنها مجرد "قضية لاجئين"، ولم تختر أغلبية من اليمين واليسار، باستثناء القوميين المتعصبين، التصويت لوضع زميلتهم أمام 15 قاضياً وخبيراً دستورياً، إلا لأن رأياً عاماً أيضاً بات يتشكل في هذه الزاوية ضد "العنصرية المؤسساتية" وعبثية التطرف.

القضية هنا ليست مفاضلة، ولا تغنٍ بديمقراطية ودستورية اسكندنافية، وإن كانت تستحق التأمل مقارنة ببعض وقائع عربية، يصير فيه الخطاب الشعبوي العربي جزءاً أصيلاً من التعاطي مع من يفترض أنهم "إخوة"، كحال السوريين والفلسطينيين، في بعض ممارسات مسيئة لكرامة وإنسانية المُضيف قبل الضيف.

وأهمية تدخّل المشرعين، بعد إحالة "أمين المظالم" القضية إلى البرلمان، تؤشر بوضوح إلى صحة الخطاب السياسي الرافض لصخب الوزيرة السابقة، التي باتت أقرب إلى اليمين المتشدد، خلال أعوام حكم يمين الوسط بين 2015 و2019، مسنوداً بحزب شعبوي "الشعب الدنماركي"، باحتفالها بـ110 تشديدات في قوانين الهجرة، من خلال عدد من الشموع على كعكة، وبالأخص ما عُرف بقانون "مصادرة حلي طالبي اللجوء"، والذي أثار أوروبياً ذكريات مزعجة من العهد النازي ضد "غير الآريين".

ولعل الدرس الرئيس، في نجاح زوجين لاجئين في قلب الطاولة على وزيرة دنماركية، أن الدساتير والقوانين، ومشاركة الشعب في الحكم أولاً وأخيراً، تبقى ملاذاً صحياً للسياسات التي ترفض الخضوع لمزاج صاحب السلطة.

وفي المجمل، يتضح أن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع فحسب، بل حزمة متكاملة من حياة المجتمعات، ومن بينها أساليب الحكم. من هنا تبدو أهمية منصب "الأمبودسمان" (والذي أُخذ سويدياً من ديوان المظالم عربياً) في لجم جنوح فردي أو حزبي-سياسي لخرق القوانين، بأوامر سرية على مزاج السياسي التنفيذي. فما يعنيه إحالة وزيرة لمحاكمة بسبب لاجئين، أنه في دولة القانون لا ألوان ولا معتقدات ولا عرقيات البشر تعفي القادة من مسؤوليات المحاسبة أمام شعوبها، صاحبة الاختيار الحر لإرادتها في الحكم.

المساهمون