ليبيا واليونان تواصلان اللقاءات حول الحدود البحرية المتنازع عليها
استمع إلى الملخص
- زيارة الباعور تأتي بعد لقاءات سابقة لتعزيز التعاون في التنمية والإعمار، مع التركيز على العلاقات الاستراتيجية. وسائل إعلام يونانية أكدت مناقشة الاتفاقية البحرية الليبية التركية لعام 2019 وسط خلافات يونانية تركية.
- تتزامن التطورات مع جهود دولية لتقريب وجهات النظر، حيث تسعى واشنطن عبر إيطاليا لحل الانقسامات الليبية، مع مناقشة قضايا الطاقة والحدود البحرية في روما، وطرح فكرة إنشاء شركة مشتركة بين الأطراف الليبية ودول إقليمية.
تواصل ليبيا واليونان مساعيهما الدبلوماسية لبحث ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وسط خلافات مزمنة تعود إلى العام 2006 وتفاقمت عقب الاتفاق البحري الليبي التركي عام 2019. وفي هذا السياق، أجرى المكلف بتسيير وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الطاهر الباعور، أمس الأربعاء، مع وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابتريتيس، في العاصمة اليونانية أثينا، محادثات فنية حول مسألة ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية للبلدين، وفق بيان لوزارة الخارجية بطرابلس.
وأوضح البيان أن الجانبين تبادلا "خلال جلسة المحادثات وجهات النظر حيال عدد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك، كما بحثا الجهود المشتركة للحد من أزمة الهجرة غير القانونية، وكذلك تبادلا الرؤى حول مسألة ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة المتعلقة بالمناطق البحرية المتقابلة بين البلدين في شرق البحر الأبيض المتوسط"، مضيفاً أن الجانبين أكدا "مواصلة الحوار المباشر والعمل من خلال تعاون إيجابي مثمر يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين ويخدم الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة".
وجاءت زيارة الباعور بعد أيام قليلة من زيارة أجراها رئيس صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم حفتر إلى أثينا في التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، حيث التقى رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس ووزير الخارجية جيورجوس جيرابتريتيس وعدداً من كبار المسؤولين اليونانيين بدعوة رسمية من الحكومة اليونانية. وقال صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إنّ حفتر بحث "سبل تعزيز التعاون المشترك بين ليبيا واليونان في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، والاتفاق على إطار زمني عملي يمهد لزيارة رجال الأعمال وممثلي كبرى الشركات اليونانية إلى ليبيا، للمشاركة في مشاريع التنمية والإعمار التي يشرف عليها الصندوق"، مضيفاً أنّ الجانبين أكدا "التزامهما بتدعيم العلاقات الاستراتيجية ومتابعة مخرجات هذه الزيارة وما جرى الاتفاق عليه، بما يخدم المصالح المتبادلة ويعزز الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة".
وإن لم يشر بيان صندوق التنمية إلى علاقة الزيارة بملف الحدود البحرية بين البلدين، إلا أن وسائل إعلام يونانية نقلت عن وزارة الخارجية في أثينا أن اللقاء تناول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا عام 2019، إلى جانب قضايا الهجرة غير القانونية والتعاون الأمني والاستثمار. وتأتي اللقاءات الليبية اليونانية في خضم خلافات متصاعدة بين اليونان وتركيا حول النفوذ البحري في شرق المتوسط، حيث يمنح الاتفاق، أنقرة امتداداً بحرياً واسعاً يصل إلى جنوب جزيرة كريت، متجاهلة الجزر اليونانية، وهو ما أثار اعتراضاً شديداً من جانب أثينا التي وصفته بأنه انتهاك لحقوقها السيادية، فيما تؤكد أنقرة أنه متوافق تماماً مع القانون الدولي.
وزاد من حدة الجدل حول الاتفاق أن المنطقة المتنازع عليها تتوفر على واحد من أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي غير المستغلة، في الوقت الذي تبحث فيه أوروبا عن بدائل للغاز الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما جعل لهذا الصراع أبعاداً استراتيجية تتجاوز ليبيا واليونان، ليشمل دولاً مثل مصر وقبرص وإسرائيل، التي ترتبط هي الأخرى باتفاقيات لترسيم الحدود البحرية ومشاريع طاقة ضخمة في المنطقة.
في غضون ذلك، أفاد مصدر دبلوماسي رفيع في وزارة الخارجية بطرابلس "العربي الجديد"، بأنّ الضغط من الجانبين اليوناني والتركي على سلطتي ليبيا في طرابلس وبنغازي لا يزال قائماً، وسط ممانعة شديدة من أثينا لمصادقة مجلس النواب على الاتفاق الليبي الموقع مع تركيا، مشيراً إلى أن الحكومة في طرابلس تحاول الاستفادة من موقف اليونان بوصفه وسيلة لعدم استحواذ سلطة حفتر بالكامل على مزايا التحالف مع تركيا.
وفيما لفت المصدر نفسه إلى أن الانقسام الليبي الحاد بين سلطتي الشرق والغرب يؤثر على مسار إنهاء الخلاف في قضية الحدود البحرية في عرض المتوسط، كشف عن أن واشنطن انخرطت في الخضم عبر إيطاليا لإطلاق مساعٍ لتقريب وجهات النظر في القضية من خلال إشراك كل الأطراف الإقليمية في اتصالات غير مباشرة في إطار شراكة متوسطية تستفيد فيها كل الأطراف بما فيها مصر من مناجم منطقة المتوسط الغنية بالغاز.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الدبلوماسي أن المساعي الأميركية لم تتضح فيها مصلحة واشنطن بشكل كبير، كشف أن لقاء روما الذي جمع في الثالث من سبتمبر/ أيلول الجاري صدام نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر وإبراهيم الدبيبة مستشار الأمن القومي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، برعاية مسعد بولس المستشار الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ناقش العديد من القضايا في المستجدات الليبية، ومن بينها ملف الطاقة في عرض المتوسط والحدود الليبية البحرية المتنازع عليها، من خلال طرح فكرة إنشاء شركة بين طرفي سلطتي ليبيا بعضوية عدد من الدول الإقليمية، لافتاً إلى أن الطرح الأميركي لا يزال طي النقاش والتفكير ولم يصل أي طرف إلى رأي واضح فيه.
وتأتي هذه التطورات في سياق سلسلة من اللقاءات بين الطرفين الليبي واليوناني، كان أبرزها زيارة جيرابتريتيس بنغازي مطلع يوليو/ تموز الماضي، حيث التقى اللواء المتقاعد خليفة حفتر وناقش معه "قضايا الهجرة والمناطق البحرية"، وفقاً لبيان للخارجية اليونانية التي ذكرت أن اللقاء حقق "نتائج ملموسة في المستقبل القريب تُسهم في تعزيز علاقاتنا الثنائية". وفي منتصف ذات الشهر زار جيرابتريتيس طرابلس، والتقى فيها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، فيما أعلنت حكومة الوحدة الوطنية عقب الزيارة أنها اتفقت مع الجانب اليوناني على "إعادة إحياء اللجان الفنية والاقتصادية المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات التنمية والطيران والأمن".
ويعود الخلاف الليبي اليوناني بشأن ترسيم الحدود البحرية إلى عام 2006، حين توقفت المفاوضات بين البلدين من دون نتائج ملموسة، غير أن الأزمة عادت إلى الواجهة بقوة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بعد توقيع تركيا اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة، وجددته حكومة الوحدة الوطنية الحالية عام 2022. وفي يونيو/ حزيران الماضي تجدد التصعيد عندما أعلن مجلس النواب الليبي عزمه تشكيل لجنة للنظر في طلب تقدمت به حكومة بنغازي للمصادقة على الاتفاق البحري التركي الليبي، الأمر الذي دفع اليونان إلى إعلان مناقصة للتنقيب عن الغاز جنوب جزيرة كريت في منطقة متنازع عليها. وردّت حكومتا ليبيا معاً، في طرابلس وبنغازي، بتسليم مذكرات احتجاج إلى الحكومة اليونانية، فيما سلمت البعثة الليبية في الأمم المتحدة مذكرة مماثلة للأمين العام أنطونيو غوتيريس.