لا تزال رئاسة مجلس النواب الليبية تحاول تعميق الأزمة الدستورية في طريق الانتخابات الوطنية المقرّر عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ومحاولة إرباك المشهد أكثر، وآخرها اعتمادها لقانون انتخابات رئيس الدولة الجدلي، ومحاولة فرضه في العملية الانتخابية.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، في احاطة له لأعضاء مجلس الأمن بشأن التطورات في ليبيا ليل الجمعة: "أبلغني رئيس مجلس النواب السيد عقيلة صالح، بأن قانون الانتخابات الرئاسية قد تم اعتماده بالفعل"، مشيراً إلى أن الانتخابات البرلمانية قد تجري بالاستناد إلى قانون الانتخابات البرلمانية الحالي، مع احتمال إدخال تعديلات عليه في غضون الأسبوعين المقبلين.
وكان المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي، أعلن إحالة مكتب رئيس مجلس النواب نسخاً من قانون انتخاب رئيس الدولة وصلاحياته واختصاصاته إلى كل من المفوضية العليا للانتخابات والبعثة الأممية و"كافة الجهات ذات الاختصاص في ليبيا"، وفقاً لتصريحات صحافية له الخميس الماضي، مؤكداً أن إحالة المجلس نسخاً من القانون "جاءت بعد أن أصبح قانوناً قابلاً للتنفيذ وملزماً".
وبعد فشل ملتقى الحوار السياسي، خلال أكثر من لقاء آخرها يوم 11 أغسطس/آب الماضي، في التوافق حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، قدّم مجلس النواب مقترحاً لقانون انتخاب رئيس الدولة، من دون طرح أي إطار يتعلق بالانتخابات البرلمانية.
وخلال جلسة عقدها مجلس النواب، يوم 17 أغسطس/آب الماضي، لمناقشة مقترح القانون، واضطر خلالها إلى رفعها بسبب مشادات كلامية واشتباك بالأيدي بين النواب، أعلن عن موافقة النواب بالأغلبية على مواده الخاصة بشروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.
ورغم أن رئاسة مجلس النواب أعلنت، خلال ذات الجلسة، تأجيل استكمال مناقشة المواد الأخرى في القانون إلى جلسات لاحقة من دون أن تحددها، إلا أن المتحدث الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، أعلن بعدها إحالة مشروع القانون إلى اللجنة التشريعية بالمجلس لصياغته بشكل نهائي قبل طرحه أمام النواب للتصويت، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ويسمح القانون لمتصدري المشهد الليبي، سواء السياسيون أو العسكريون، بالترشح، شرط التنازل عن منصبهم قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، دون أي قيود أخرى تمنع مزدوجي الجنسيات من الترشح أو القادة العسكريين، كما أن نصوصه لا تشير بوضوح لأوضاع المطلوبين للعدالة في جرائم جنائية.
ورغم تجديد المجلس الأعلى للدولة لموقفه الرافض للقرارات الأحادية من جانب مجلس النواب بشأن إصداره لقانون الانتخابات، إلا أن اللافت هو صدور بيان، يحمل توقيع 22 نائباً، يؤكد أن اعتماد القانون جاء بالمخالفة للوائح المجلس، وأنه "عرقلة للانتخابات". وأكد البيان أن "المجلس لم يصوّت على مشروع قانون انتخابات رئيس الدولة في أي جلسة من جلساته السابقة، ولم يصدر بشأنه أي قرار أو قانون، وأن ما حدث في الجلسات السابقة كان مناقشة القانون وإحالته إلى اللجنة التشريعية لإعداد صياغة نهائية للقانون للتصويت عليه، وهو ما لم يحدث".
وأبدى النواب الموقعون على البيان استغرابهم "من هذا التصرف المخالف للوائح والنظم المعمول بها، ويحمِّلون المسؤولية الكاملة لهيئة رئاسة مجلس النواب عن هذا الإجراء باعتباره يتعارض مع الإعلان الدستوري الموقت وتعديلاته، والاتفاق السياسي والنظام الداخلي لعمل المجلس"، مؤكدين أن اعتماد القانون دون التصويت عليه "عرقلة للانتخابات التشريعية والرئاسية".
ولم تعلن رئاسة مجلس النواب بشكل رسمي اعتماد القانون حتى الآن، لكن تصريحات صحافية لبعض النواب المقربين من رئاسة المجلس أشارت إلى إمكانية التراجع عن الخطوة، حيث وصفت عضو مجلس النواب فاطمة بوسعدة اعتماد رئاسة المجلس للقانون بأنه شائعة.
واعتبرت ابوسعدة، في تصريحات لتلفزيون ليبي ليل الجمعة، بيان النواب الـ22 حول موقفهم من اعتماد القانون بأنه لا يمثل اعتراضاً، وقالت: "هنالك سوء فهم لما حدث، فالنواب لم يعترضوا على قانون الانتخابات، ولكن ربما اعتراضهم حول ما أشيع عن إصدار القانون بشكل نهائي". وأضافت: "القانون لم يصدر بعد، وانما انتهت اللجنة التشريعية لصياغته بعد مداولات خلال الجلسات السابقة بشأن مواد القانون"، مشيرة إلى إمكانية أن يعقد مجلس النواب جلسة للتصويت على القانون.
ويرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب أن الجميع يبدو أنه يتنصل، موضحاً أن "كوبيتش عبّر عن أن عقيلة صالح أبلغه باعتماد القانون بخلاف تصريحات المريمي الذي أكد أن البعثة تسلمت نسخة من القانون، وابوسعدة تريد خفض حدة الإحراج التي وقع فيها مجلس النواب بسبب بيان بعضهم الآخر الرافض للخطوة".
وقال ذويب متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن عدم إعلان رئاسة المجلس إصدار القانون بشكل رسمي، متعمد حتى يترك لنفسه هامشاً من الحركة إذا ما قوبل القانون باعتراض، ويمكنه عندها العودة للتصويت عليه"، وأضاف "لو كان عقيلة صالح واثقاً من تمرير النواب للقانون لما حاول تمريره للمشهد بهذه الطريقة الالتفافية".
ولم يصدر حتى الآن أي بيان من جانب المفوضية العليا للانتخابات بشأن تسلمها نسخة من القانون بشكل رسمي، لكن ذويب يؤكد أن المفوضية ستكون في موقف بالغ الإحراج إذا قبلت بالقانون.
ويؤكد ذويب أن القانون معيب، ولا يمكّن المفوضية من إجراء انتخابات رئاسية، متسائلاً: "إذا ما تم القبول بانتخابات الرئيس وفق هذه الشروط والصلاحيات، فمن يحدد شكل نظام الحكم؟"، مرجحاً أن يكون هدف عقيلة صالح وحلفائه فرض نظام الحكم الرئاسي بشكل مضمون من خلال القانون، وهو نظام يجمع أغلب الصلاحيات في يد رئيس الدولة.
ويرى المحلل السياسي الليبي أن هدف عقيلة صالح وحلفائه إرباك المشهد وخلق فوضى، قائلاً: "ضيق الوقت سيفرض أمرين، إما القبول بالقانون في شكله الحالي، وبالتالي ضمان مرور عقيلة صالح وحلفائه إلى المشهد المقبل، أو القبول بمقترحات جديدة بديلة عن الانتخابات يمكن لمجلس النواب فرضها لاستغلال صلاحياته التشريعية"، مؤكداً أن أياً من الأمرين سيكون مقبولاً لدى المجتمع الدولي، خصوصاً أن البديل عن كل هذا سيكون العودة للحرب والفوضى.