ليبيا: مطالب سحب الثقة تعمّق الخلافات بين الحكومة ومجلس النواب

ليبيا: مطالب الاستجواب وسحب الثقة ترفع وتيرة الخلافات بين الحكومة ومجلس النواب

26 اغسطس 2021
أعلن الدبيبة أنه سيكون "خلاج البلاد" في يوم عقد الجلسة (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

لا تزال وتيرة التوتر بين الحكومة ومجلس النواب في ليبيا ترتفع، خصوصاً بعد دعوة مجلس النواب للحكومة للمثول أمام النواب في جلسة، الاثنين المقبل، لاستجوابها، مقابل رفض ضمني من جانب الحكومة.

وأعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أنه سيكون "خلاج البلاد" في اليوم الذي حدّده مجلس النواب لعقد جلسة لاستجواب الحكومة، معبراً عن استغرابه لسعي المجلس لـ"محاسبة الحكومة" قبل أن تصرف لها الميزانية العامة.

وأكد الدبيبة، في كلمة خلال اجتماعه بعدد من النواب برفقة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، يوم أمس الأربعاء في طرابلس، ونشرتها منصة "حكومتنا" اليوم الخميس، أنه استقبل في المرات السابقة دعوات من مجلس النواب وتجاوب معها، وتوجه للنواب في اجتماعه بهم بالقول: "أحترم دعوة مجلس النواب ومستعد لتلبيتها، لكن عليكم أن تتفقوا على دعوة الحكومة"، متسائلاً: "كيف تم التوافق على دعوة الحكومة... بالنسبة لي سأكون في مهمة خارج البلاد، فلدي برنامج خارج البلاد في يوم الدعوة".

وأضاف: "يجب عليكم أن تتفقوا على دعوة الحكومة لأي جلسة، لا أريد أن أضيع وقتي في الذهاب والمجيء، وأحترم دعوة المجلس". واستدرك بالقول: "كيف سيحاسب النواب الحكومة ولم يصرفوا لها أي ميزانية؟ يضعون الحكومة في صندوق ويقفلون عليها ثم يطالبون بمحاسبتها".

ووفقاً للمكتب الإعلامي للحكومة، فقد تم الاتفاق بين الدبيبة والنواب على ضرورة "عقد لقاءات بشكل دوري، لمناقشة أي تطورات سياسية أو إدارية".

وفي المقابل، شدد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على ضرورة حضور الحكومة للجلسة في موعدها المحدّد، ملوحاً بإمكانية سحب الثقة من الحكومة "إذا لم تكن إجاباتها مقنعة" للنواب.

وأوضح صالح، في حديث تلفزيوني، أمس الأربعاء، أن عدداً من النواب تقدموا، الأسبوع الماضي، بطلب لسحب الثقة من الحكومة، وطبقاً للنظام الداخلي لمجلس النواب، يجب إبلاغ الحكومة بذلك خلال 10 أيام للمثول أمام النواب للجواب على التهم الموجهة لها. وقال: "قضيـة استجواب الحكومة هي لمواجهتها بالتقصير في أعمالها، وعندما يستمع مجلس النواب إلى إجاباتها، عندها سوف يصوّت ويقرّر ما إذا كانت الإجابات مقنعة لتبقى أو يتم سحب الثقة منها".

وحول تلك التهم، أوضح أن المطالبين بسحب الثقة من الحكومة "لاحظوا أنها لم تقم بما هو مطلوب منها، خصوصاً توحيد مؤسسات الدولة وتوفير متطلبات المواطنين من الغذاء والدواء والكهرباء، وأيضاً المصالحة الوطنية والاستعداد للانتخابات".

وأكد: "لا نستطيع أن نقرر نهائياً سحب الثقة حتى نستمع إلى ردّ الحكومة، والقصور لديها يتمثل في عدم توحيد المؤسسات، وعدم حلّ مشكلة الكهرباء ومكافحة فيروس كورونا أيضاً، وعدم مراعاة توحيد المؤسسات في ليبيا، ونقصد به مشاركة كل الأقاليم الليبية في إدارة الدولة من الوزراء والوكلاء في المؤسسات العامة".

وطالب 29 نائباً بسحب الثقة من الحكومة في بيان مشترك ليل الثلاثاء الماضي، لأنها "لم تقدم أبسط الخدمات للمواطن، ولم توحّد مؤسسات الدولة"، وأنها "زادت الهوة بين أبناء الوطن وزرعت الكره بينهم"، واتهموا الدبيبة بالتعامل مع إقليم برقة بـ"مبدأ العقاب والهزيمة"، وبأنه "أصبح طرفاً" في الصراع، وأن حكومته أصبحت "تهدد الأمن والسلم الأهلي في ليبيا".

وأكد عضو مجلس النواب أبوبكر سعيد أن النواب لم يتوافقوا على دعوة الحكومة لجلسة استجواب، مستبعداً أن يتم تداول قضية سحب الثقة من الحكومة في أي جلسة "في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً".

وفيما أكد سعيد، الذي شارك في اجتماع الدبيبة بالنواب، لـ"العربي الجديد"، أن الحديث عن سحب الثقة عن الحكومة سيهدّد بتقويض الجهود الجارية للإعداد للانتخابات، قال إن الاجتماع "ناقش تقريباً كل ملفات المرحلة الحالية، كالانتخابات وعمل الحكومة والمستجدات السياسية"، مشيراً إلى أن اللقاء "سادته الإيجابية والمصارحة، ورغبة الحكومة في العمل على حلحلة العديد من المشاكل، لاسيما في الجانب الاقتصادي المتصل بالمواطن".

لكن الباحثة الليبية في الشأن السياسي هنية فحمية ترى أن لقاء الدبيبة بالنواب وفي طرابلس بمثابة "رسالة تحدٍّ لعقيلة صالح". وقالت: "الدبيبة كشف من خلال اللقاء عن أن عقيلة ينفرد بالقرارات ويستثمرها لتمرير مصالحه، ويدل على ذلك دعوته الصريحة للنواب إلى أن يتفقوا على دعوة الحكومة، وأنه لا يريد تضييع وقته مع صالح ومصالحه الخاصة".

وعبّرت فحيمة، في حديثها مع "العربي الجديد"، عن مخاوفها من أن يكون اجتماع الدبيبة مع عدد من النواب "بداية انقسام جديد داخل المجلس، خصوصاً أن حلفاء صالح عبّروا عن وجودهم ككتلة واحدة من خلال بيان الـ29 نائباً المطالبين بسحب الثقة كخطوة للضغط على الحكومة للرضوخ لدعوة لاستجواب الحكومة".

ويبدو أن اجتماع الدبيبة بالنواب يحمل رسائل أخرى، من خلال مشاركة رئيس المجلس الرئاسي في الاجتماع، بحسب رأي فحيمة، التي قالت إن "الدبيبة يريد أن يقول إذا فكرت في سحب الثقة، فعليك إقالة المجلس الرئاسي، وأن من جاء بالسلطة التنفيذية هو ملتقى الحوار السياسي، وليس مجلس النواب".

ولا تبدو مشكلة مقترح الميزانية مركز الخلاف بين الحكومة ومجلس النواب فقط، كما يرى الصحافي الليبي سالم الورفلي، بل "يذهب صالح إلى تصدير كل المشاكل وتحميلها للحكومة لإرباك المشهد وتعقيده أكثر".

ويرى الورفلي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أكبر المخاطر التي تواجه المرحلة الحالية من الخلافات بين الحكومة ومجلس النواب هي "إمكانية ذهاب صالح إلى حشد الدعم لمطلب سحب الثقة، وظهور الحديث بشكل علني عن حكومة بديلة"، قائلاً: "حديث صالح عن عدم توحيد الحكومة لمؤسسات الدولة وتوزيع مناصبها وفقاً لمحاصصة بين الأقاليم الثلاثة، ومطالب بيان 29 نائباً بحقوق برقة، كلها مؤشرات سيئة على سيناريو انقسام بشكل جديد".

ويرى الورفلي أن الصراع الليبي يتحوّل بشكل سريع في الوقت الحالي ليفرض واقعاً سياسياً جديداً قبل الانتخابات، لعرقلة إجرائها أو تأجيلها على الأقل، لكنه يرى في الوقت ذاته أن "كل ذلك مرتبط بمواقف إقليمية ودولية، خصوصاً مع ما تشهده المنطقة كلها من أحداث، وليست ليبيا منفصلة عنها".