ليبيا: مطالبات بتحقيق دولي محايد بعد فيديوهات تعذيب الدرسي
استمع إلى الملخص
- انضمت حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي للمطالبات بإجراء تحقيق دولي عاجل، محملين رئيس مجلس النواب مسؤولية الصمت، ووصفت المشاهد بأنها مهينة وغير إنسانية.
- تباينت ردود الفعل في شرق ليبيا؛ حيث نفى جهاز الأمن الداخلي صحة الفيديو، بينما أقر مجلس النواب بصحته، ودعت قبيلة الدرسي لاجتماع شامل لمناقشة مصيره.
لا تزال المشاهد المرئية التي أظهرت عضو مجلس النواب في ليبيا إبراهيم الدرسي، المغيّب من عام، مقيداً بالسلاسل وعليه آثار التعذيب، تلقي بظلالها على المشهد في البلاد منذ تسرّبها يوم أمس الاثنين، خاصّة مع تضارب الروايات بين مسؤولي السلطات في شرق ليبيا بشأن ما حصل.
وعبّرت البعثة الأممية في ليبيا "عن انزعاجها الشديد" إزاء الفيديو المتداول عن الدرسي، مشيرة إلى أنها طلبت من خبراء الأدلة الرقمية في الأمم المتحدة تقييم صحة الفيديو. وفيما أكدت البعثة، في بيان لها اليوم الثلاثاء، أنه على السلطات الليبية ضرورة "الإسراع في إجراء تحقيق مستقل وشامل في اختفاء الدرسي"، عبّرت عن تعاطفها مع أسرته "وهم يشاهدون هذا الفيديو المُروع"، مبدية استعدادها لدعم التحقيق في واقعة تعرضه للتعذيب.
ومن جانبه، انضمّ المجلس الرئاسي إلى حكومة الوحدة الوطنية في المطالبة بضرورة إجراء تحقيق شامل ومحايد، بإشراف لجنة دولية ومحلية مشتركة، لمعرفة مصير الدرسي، بما يوصل إلى "الحقيقة كاملة، وتحقيق العدالة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أيّ أفعال تنتهك القانون أو تقوّض الثقة العامة في مؤسسات الدولة"، وأكد المجلس الرئاسي في بيان له، اليوم، أن المشاهد التي كشفت عنها الفيديوهات والصور "توثق أوضاعاً لا تتماشى مع أي من المعايير القانونية أو الإنسانية"، ما يُعدّ "مساساً خطيراً بكرامة المواطن الليبي وممثليه المنتخبين، وتثير جملةً من التساؤلات الجدية بشأن ظروف اختفائه ومكان احتجازه ومعاملته".
خبر| موقع "أفريك آسيا" الفرنسي ينشر صورًا للنائب إبراهيم الدرسي والذي اختفى عقب حضوره احتفال عملية الكرامة ببنغازي قبل عام من الآن وهو معتقل بملابسه الداخلية وتبدو عليه علامات الإعياء وفي عنقه سلسلة في حالة يرثى لها.#ليبيا pic.twitter.com/ny3BWWzaV3
— ليبيا أوبزرڤر - The Libya Observer (@lyobserver_ar) May 5, 2025
وفي الوقت الذي عبر فيه المجلس عن تضامنه مع أسرة الدرسي وقبيلته، أكد قلقه البالغ من استمرار الغموض المحيط بالقضية، مع استمرار غياب نتائج ملموسة من الجهات ذات الاختصاص، ما يجعل الجدل والغموض حول مصير الدرسي يستمر دون أن تتحقق العدالة، وشدد المجلس على أن "هذه القضية وقضايا أخرى مشابهة لم تعد تحتمل مزيداً من التأخير"، مطالباً جميع الجهات المختصة بالتعاون الكامل مع "أي آلية تحقيق تُعتمد، لضمان عدم الإفلات من العقاب، وحماية الحقوق الإنسانية لجميع المواطنين دون تمييز".
وبعد أن نشر موقع "أفريكا آزي" الفرنسي صوراً للدرسي وهو مقيّد بالسلاسل، صباح أمس، نشر الصحافي البريطاني إيان بيلهام تيرنر، شريط فيديو من ثلاثة أجزاء، عبر صفحتيه الرسميتَين في "فيسبوك" و"إكس"، تُظهر الدرسي وهو عارٍ ومقيَّد بسلسلة في عنقه، وعلى وجهه علامات تعذيب واضحة، وذكر أن الفيديو جرى تصويره بعد ستة أيام من اختفائه يوم 16 مايو/ أيار من العام الماضي.
وعقب تسريب الفيديو، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية بياناً طالبت فيه بفتح تحقيق دولي عاجل تحت إشراف بعثة مستقلّة، وحمّلت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مسؤولية "الصمت والتقصير" تجاه الحادثة، معتبرة صمته "تخلّياً غير مقبول عن الواجب السياسي والأخلاقي"، مؤكّدة أنّ تقاعس رئاسة المجلس يهدّد الحصانة البرلمانية ويعمّق أزمة الشرعية. ووصفت المشاهد التي ظهر فيها الدرسي بأنّها "مهينة، صادمة، وغير إنسانية"، وشبّهتها بممارسات الأنظمة الشمولية، معتبرةً أنّ ما حدث "امتهان للكرامة البشرية، وجريمة مكتملة الأركان لا تُبرّرها أيّ ظروف".
وحمّلت الحكومة المسؤولية الكاملة لكلّ من "شارك أو تواطأ" في الحادثة، "وفي مقدّمتهم ما يُعرف بالقيادة العامّة في شرق ليبيا (قيادة مليشيات خليفة حفتر) ممّن أصبحوا في موقع الاشتباه العلني بعد ظهور النائب نفسه في التسجيل المسرّب وهو يطلب العفو من الجهة ذاتها"، ووسط غموض موقف مجلس النواب وقيادة حفتر، تأخر صدور أي تعليق من جانبهما حتى مساء أمس، عندما أصدر جهاز الأمن الداخلي في بنغازي بياناً نفى فيه صحة الفيديو، قائلاً إن محتواه مفبرك "بالكامل بواسطة الذكاء الصناعي"، متهماً حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس بالمسؤولية عن "هذا التسريب المفبرك".
وتوالت مساء وليل أمس الاثنين، مواقف السلطات في شرق البلاد بروايات متضاربة، فمقابل رواية جهاز الأمن الداخلي، أقر مجلس النواب بصحة الفيديو، إذ أصدر بياناً في وقت متأخر من ليل أمس، طالب فيه مكتب النائب العام والأجهزة الأمنية "بالاضطلاع بدورها، ومتابعة وتكثيف التحقيقات على نحوٍ عاجل حول هذه التسريبات، والتأكد من صحتها ومصدرها، والأسباب التي وراءها، ووراء إخراجها في هذا التوقيت، وإظهار المستفيد منها"، مشيراً إلى أنه متمسّك بموقفه في "المطالبة بالكشف عن مصيره حتى إظهار الحقيقة كاملة"، وقال إنّه "تابع الصور والفيديوهات البشعة والصادمة المنسوبة للدرسي التي ظهرت على وسائل الإعلام اليوم، كما تابعها أبناء الشعب الليبي كافّة"، معبراً عن استنكاره لـ"هذه الجريمة بأشد العبارات".
وأثناء إعلان حكومة مجلس النواب عقد اجتماع أمني طارئ في وقت متأخر من ليل أمس، برئاسة رئيس الحكومة أسامة حماد، لبحث تطورات واقعة اختطاف الدرسي، أصدرت وزارة الداخلية في الحكومة بياناً يحمل رواية أخرى، مفادها أن الدرسي مختطف من "جهة إجرامية مجهولة، تتبع عصابة منظمة"، وأن قضيته "لا تزال محل ملاحقة وتحقيق دقيق من الجهات المعنية".
وفي غضون ذلك، أعلنت قبيلة الدرسي عن دعوتها القبلية وجميع قبائل الحرابي، التي تنتمي إليها، إلى اجتماع شامل عصر اليوم الثلاثاء، للتباحث بمصير الدرسي، محمّلة مجلس النواب المسؤولية كاملة حيال عدم الكشف عن مصيره.
وصاحبت انتشار فيديوهات الدرسي بيانات متتابعة من العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية الأهلية، التي طالبت بأن يشمل التحقيق في تفاصيل الفيديوهات، الكشف عن مصير الدرسي، بل ضرورة أن يشمل التحقيق الكشف عن مصير عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، المغيّبة منذ سبتمبر/ أيلول 2021، عقب خروجها في تصريحات تلفزيونية تعلن فيها رفضها لعدوان حفتر على العاصمة طرابلس، بالإضافة لشخصيات أخرى، مثل عضو مجلس النواب فرج بوهاشم الذي توفي إثر حادث سير غامض، بعد مواقف مشابهة ضد قيادة حفتر، والعشرات من النشطاء والحقوقيين الآخرين.
وفي غضون كل ما صدر، لا تزال قيادة حفتر تلزم الصمت التام، على الرغم من أن الدرسي كان يوجه نداءه لحفتر ونجله صدام، طالباً منهما العفو عنه، وأنه لم ينقُضْ "بيعته" لما وصفها بالمؤسسة العسكرية. واختفى الدرسي، الذي كان يُعدّ من أكثر الشخصيات ولاءً لحفتر، خاصة في دعمه لكل حروبه، عقب مغادرته لاحتفال أقامته قيادة حفتر في بنغازي يوم 16 مايو من العام الماضي، بمناسبة مرور عشر سنوات على "عملية الكرامة"، إذ أعلنت أسرته انقطاع الاتصال به بعد مغادرته الاحتفال، قبل أن تعثر على سيارته في مكان قريب من مكان الاحتفال، وقد تعرضت للعبث والتكسير، وذر "توابل" داخلها لإخفاء آثار الدماء.
وإثر جدل كبير صاحب اختفاء الدرسي وقتها، أعلنت قيادة حفتر تكليفها لحكومة مجلس النواب بالتحقيق في اختفائه والبحث عنه، فيما أعلنت الأخيرة تشكيل لجنة من أجل ذلك، في الوقت الذي أصدر فيه مجلس النواب بياناً يؤكد فيه ضرورة التحقيق في واقعة الدرسي، إلّا أن أياً من تلك الجهات لم تعلن منذ ذلك الوقت عن نتائج التحقيق. وكان الدرسي خرج قبل يومين من الاحتفال في تصريح تلفزيوني انتقد فيه طريقة تعامل قيادة حفتر مع ملف الإعمار والبناء، وضرورة حصوله منطقته على جزء منها.