ليبيا: مصير غامض للانتخابات في ظل تواصل تعقد الأزمة الحكومية

ليبيا: مصير غامض للانتخابات في ظل تواصل تعقد الأزمة الحكومية

17 أكتوبر 2021
رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة (الأناضول)
+ الخط -

تتعقد الأزمة الحكومية في ليبيا، والتي اندلعت بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي، أكثر، رغم جهود المجلس الرئاسي من أجل الحد منها، في وقت تراجع الحديث عن الخلافات التي كانت قائمة بين مجلسي النواب والدولة حول الانتخابات وإمكانية إجرائها في موعدها، الذي لم يعد يفصل البلاد عنه سوى أقل شهرين ونصف. 

وبدأ الخلاف داخل حكومة الوحدة الوطنية ببيان أصدره النائب الأول لرئيس الحكومة حسين القطراني، ورئيس ديوان الحكومة في المنطقة الشرقية، حمل مسمى "مسؤولي برقة في الحكومة"، اتهم فيه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بـ"ممارسة الدكتاتورية الفردية والحسابات الشخصية"، كما اتهمه بالفشل في إدارة الاختلاف السياسي وتضييع حقوق برقة، بل وهدد بأن إنشاء حكومة موازية في شرق ليبيا أمر "قريب وقائم". 

وكرّر القطراني تهديداته، خلال بيان له ليل أمس السبت، طالب فيه الدبيبة بـ"عدم تغيير" مجلس إدارة الشركة القابضة للاتصالات، إحدى المؤسسات الحكومة، محذراً من أن اتخاذ أي قرار من جانبه "سيكون آخر مسمار في نعش الحكومة وبداية لعملية الانقسام من جديد". 

ورغم التهديد الواضح بتقسيم الحكومة، إلا أن القطراني خرج في حديث ملتفز مع مكونات قبلية من شرق ليبيا ليل أمس، وبرر تلك التهديدات بأنها لـ"الضغط على الحكومة من أجل تنفيذ مطالب برقة للمشاركة في السلطة والثروة"، واتهم رئيس الحكومة بـ"قلة الخبرة الإدارية"، وأنه "فاقد للقرار، ومن يوجهه هم من حوله"، دون أن يذكر أسماءهم. 

بدأ الخلاف داخل الحكومة ببيان حمل مسمى "مسؤولي برقة"، اتهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة بـ"ممارسة الدكتاتورية"

وفي اضطراب واضح، عاد القطراني، في الحديث المتلفز ذاته، إلى القول إن هناك مساعي لـ"تغيير الحكومة". وفي تصريح لا يقل خطورة عن التهديد بتغيير الحكومة، أكد أن البلاد "لن تكون فيها انتخابات"، وقال "كل الموجودين لا يريدون انتخابات، لا مجلس النواب ومجلس الدولة ولا الحكومة"، مضيفاً: "ولا القيادة العامة"، في إشارة إلى قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي تهديد مبطن أضاف: "أسباب الحرب لا تزال قائمة". 

وعلى الرغم من كلمته المطولة، إلا أن القطراني لم يوضح مطالب "مسؤولي برقة في الحكومة"، بل ركّز حديثه على رواتب مسلحي حفتر، موضحاً أنه حاول إثناء الدبيبة عن التدخل في شأن قيادة مليشيات حفتر، وأنه تدخل في مرات سابقة للإفراج عن رواتبهم، وقال: "حاولت ثني الدبيبة عن الاحتكاك بالقيادة العامة (قيادة مليشيات حفتر) عندما رفض تسييل مرتباتهم بسبب الرقم الوطني، وقلت له نحن ليس لنا علاقة بهم، ولا نطلب منهم رقماً وطنياً ولا غيره". 

وعن إمكانية نجاح الوساطات لرأب الصدع داخل الحكومة، أكد القطراني أنه ومسؤولي المنطقة الشرقية اشترطوا على الدبيبة الخروج في بيان للإعلان عن تجاوبه مع مطالبه. 

ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأ فيه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي زيارة إلى مناطق شرق ليبيا، الخميس الماضي، "تدوم لعدة أيام"، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، فيما كشفت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، في تصريحات سابقة، أن زيارة المنفي تأتي في سياق جهود المجلس لإنهاء الأزمة الحكومية، خصوصاً أنها جاءت بعد يوم من لقائه برئيس الحكومة الدبيبة، الأربعاء الماضي، لمناقشة تداعيات بيان القطراني. 

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن المنفي يسعى أيضاً للتواصل مباشرة مع القاعدة الاجتماعية والقبلية، بعيداً عن تأثير القبة (مقر عقيلة صالح) وبنغازي (أقوى مراكز حكم حفتر العسكري) اللتين تبدوان وراء تحركات القطراني مؤخراً، لتشكل ضغطاً خلفياً عليهما، ولتوصيل رسالة لمكونات شرق البلاد القبلية والاجتماعية مفادها بأنهم لا يزالون ممثلين في السلطة للتقليل من المخاوف التي حذت بالكثير منهم لتأييد اتجاه إنشاء حكومة موازية في شرق للحفاظ على حقوق إقليم برقة.

ومن أبرز الشخصيات التي التقاها المنفي، خلال زيارته الحالية لشرق البلاد، الفريق عبد الرزاق الناطوري، المكلف من حفتر بشغل منصبه كقائد عام، مساء أمس السبت، في طبرق، لـ"مناقشة مواصلة العمل على توحيد المؤسسة العسكرية للمساهمة في إجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة وضمان نجاحها". 

وفي مستجدات جهود المنفي، كشفت المصادر ذاتها، لـ"العربي الجديد"، أن المنفي سيلتقي القطراني يوم غد الاثنين، بعد أن انتهى من تسوية رواتب مسلحي حفتر مع الناطوري، خلال لقائه به أمس، لكنها أكدت أن التوقعات بشأن نجاح الناظوري في رأب الصدع داخل الحكومة لا تزال منخفضة جدا. 

ويلفت الناشط السياسي من طبرق، صالح المريمي، إلى أن لقاء المنفي بالناطوري في طبرق يشير إلى عزم المنفي العمل بمنأى عن تأثيرات الرجمة، التي كان المسؤولون يتجهون إليها للقاء حفتر، مشيراً إلى أن الضغوط المالية التي يعيشها حفتر ومعسكره أعطت دافعاً للمنفي ليظهر نفسه كقائد أعلى للقوات المسلحة، ويستدعي الناطوري إليه. 

المنفي سيلتقي القطراني يوم غد الاثنين، بعد أن انتهى من تسوية رواتب مسلحي حفتر مع الناطوري، خلال لقائه به أمس

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد المريمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المنفي لا يزال بعيداً عن السبب الرئيسي لتوسيع رقعة الخلافات ونقلها من الانتخابات إلى خلافات داخل الحكومة، موضحاً أن مجلس النواب فقد القرار والمبادرة بعد المعارضة الناجحة التي مارسها المجلس الأعلى للدولة، ما جعل المجتمع الدولي، المصرّ على إجراء الانتخابات وإزاحة معرقليها، يلتفت إلى المجلس الرئاسي والحكومة. 

وقال: "مواقف القطراني وراءها عقيلة صالح وحفتر، وهدفها عرقلة إجراء الانتخابات من خلال نقلها إلى داخل الحكومة"، موضحاً أن الهدف الأساسي هو "إفشال المؤتمر الدولي الوزاري الذي يعتزم المنفي والدبيبة تنظيمه قريباً في طرابلس لطرح رؤية تتعلق بإجراء الانتخابات بشكل لا يخدم مصالح كل المتنفذين في المشهد الحالي". 

وتتفق الباحثة الليبية في الشأن السياسي مروة الفاخري مع رؤية المريمي بشأن الهدف من الخلافات الحالية، متمثلاً في عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها القريب في ديسمبر/ كانون الأول، لكنها تلفت إلى أن خطوة القطراني الجديدة بشأن تغيير الحكومة بعد أن كان يهدد بإنشاء حكومة في شرق ليبيا، كان سببها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي خرقت "حلف القطراني" كونها أيضاً من وزراء المنطقة الشرقية. 

وتابعت الفاخري حديثها، لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "المنقوش كان دورها أساسياً في إفشال حلف القطراني، خصوصاً أنها القائمة على الإعداد للمؤتمر الوزاري القادم الذي سيدعم رؤية الحكومة والمجلس الرئاسي حول الانتخابات وكيفية إجرائها"، وأضافت: "تبقى المشكلة الأساسية في عدم قدرة حلف القطراني ومن وراءه على المساس بالمجلس الرئاسي، كونه منتخباً من ملتقى الحوار السياسي، ولذا فالتركيز الحالي على الحكومة والتصعيد معها"، مؤكدة أن "الوضع بات مستعصياً عن طرح أي مبادرات للحل، وإمكانية انهيار العملية الانتخابية بات وشيكاً".

المساهمون