ليبيا: محطة صراع جديدة بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي

26 نوفمبر 2024
صالح يرأس جلسة لمجلس النواب في بنغازي، 16 ديسمبر 2020 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت التوترات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي في ليبيا حول قانون المصالحة الوطنية، حيث لم تُعقد جلسة لإصداره بسبب غياب رئيس مجلس النواب، بينما يطالب رئيس المجلس الرئاسي بإقراره دون تعديلات.
- تتواصل الجهود لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي، مع خطط لعقده في العاصمة الإثيوبية وزيارة مفوضية الاتحاد الأفريقي لبنغازي لبحث التفاصيل.
- الانقسام السياسي يهدد بتحويل ملف المصالحة إلى ساحة صراع جديدة، مع تأكيد الخبراء على أهمية إشراك مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ المصالحة.

طفا إلى سطح مشهد الأزمة الليبية القائمة بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي خلاف جديد حول ملف المصالحة الوطنية، ليضاف إلى ملفات التأزيم التي تحيط بالعملية السياسية المجمدة منذ أشهر طويلة. وكان من المنتظر أن يصدر مجلس النواب قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية على خلفية دعوة وجهها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، مطلع الأسبوع الجاري، لعقد جلسة لإصدار القانون، إلا أن القانون لم يصدر بسبب غياب صالح عن رئاسة جلسة الأمس.

وكان صالح قد دعا، مطلع الأسبوع الجاري، النواب إلى عقد جلسة، الاثنين، لمناقشة عدة بنود، من بينها قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وقبيل عقد جلسة مجلس النواب بالأمس، والتي كان مقررا أن يصدر فيها قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، طالب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مجلس النواب بضرورة إقرار قانون المصالحة من المجلس الرئاسي "دون إجراء أي تعديلات" عليه، مذكّرا بأن "طبيعة المرحلة الانتقالية لا تستلزم معها إصدار قوانين تمس حقوق الإنسان أو البنية الاقتصادية والمالية للدولة"، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.

وبالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس النواب، أمس الاثنين، التقى المنفي عددا من أعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة الوطنية، الذي من المزمع عقده في مطلع العام المقبل في العاصمة الإثيوبية بالتنسيق بين المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي، لبحث آخر المستجدات المتعلقة بأعمال اللجنة، والاطلاع على أهم الملاحظات ونتائج اجتماعات الأعضاء المعلقين لمشاركتهم.

وسبق أن أعلنت مفوضية الاتحاد الأفريقي تنسيقها لزيارة مدينة بنغازي للقاء مسؤولي مجلس النواب والحكومة المكلفة منه لبحث تفاصيل عقد مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية في أديس أبابا بمطلع العام المقبل، لكن صالح أعلن، خلال لقائه بعدد من القيادات الاجتماعية، الأحد الماضي، عزم مجلس النواب على إصدار قانون للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية "تحت مبادئ العدالة النزيهة وإحقاق الحق وجبر الضرر بتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية الاجتماعية والقانونية".

وأكد صالح، في معرض حديثه، حاجة البلاد إلى "نظام سياسي واقتصادي لا يظلم أو يقصي أو يهمش أحدا، وتضمن فيه كل المدن والقرى حق التنمية والاعمار والتطوير". ويعكس موقفا مجلس النواب والمجلس الرئاسي من ملف المصالحة استمرار حالة المناكفة والتصعيد القائمة بينهما منذ أشهر، خاصة مع سعي مجلس النواب لسحب صلاحيات ومهام المجلس الرئاسي، إذ سبق أن سحب صلاحية القائد الأعلى للجيش الليبي من المجلس الرئاسي ونقلها إلى رئاسة مجلس النواب، وأعلن انتهاء ولايته بانتهاء آجال اتفاق جنيف الذي تشكل بموجبه المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حوّل المجلس الرئاسي إلى مجلس النواب مشروع قانون المصالحة الوطنية لإصداره، استنادا إلى قوانين سابقة بشأن المصالحة أصدرها المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، وقانون المصالحة الوطنية عام 2012، كما أجرى المجلس الرئاسي العديد من اللقاءات مع مفوضية الاتحاد الأفريقي لمناقشة مشروع يتبناه الاتحاد للمصالحة الوطنية في ليبيا، من بينها التنسيق لعقد مؤتمر للمصالحة في مدينة سرت، كان من المقرر عقده في نوفمبر الجاري، قبيل الاتفاق على نقل مكان انعقاده إلى العاصمة الإثيوبية في مطلع العام المقبل.

وفيما يؤكد أبوبكر النعيري، عضو مجلس المصالحة المشارك في جهود الإعداد لمؤتمر المصالحة بسرت، أن فشل الجهات السياسية في تنظيم أي لقاء للمصالحة مرده إلى تطور حالة الصراع في ليبيا، حذر من مغبة الخلاف على ملف المصالحة بين مجلسي النواب والرئاسي. وأوضح النعيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ملف المصالحة الوطنية "قد يبدو للبعض غير حساس ولا مهم بدرجة كبيرة، وخاصة أن النواب والرئاسي، وكل المسؤولين قبلهما، فشلوا في إحداث أي تقدم فيه، وأكثر ما فعلوا أنهم استغلوه أمام الرأي العام لإظهار الحرص على المصالحات بين فئات الشعب، لكن السياق السياسي الآن يجعل الملف خطرا بدرجة كبيرة".

ويوضح النعيري رأيه بالإشارة إلى أن الانقسام السياسي حاد حاليا أكثر من أي وقت، مضيفا "لهذا سيقع ملف المصالحة في دائرة التنازع وسيسعي كل طرف لبناء قاعدة شعبية من ورائه، لا لتنفيذه بل للتأكيد على قدرته على إدارته بغرض استحواذه عليه، ومكمن الخطر في هذا الوضع هو في انتقال الصراع من أفراد متصارعين على السلطة إلى الشرائح المجتمعية، على نقيض فكرة المصالحة التي تسعى لمحو الفوارق والخلاف، وستطرأ الخلافات التاريخية بين المناطق والمدن، وستعود قضايا حساسة للغاية إلى الواجهة كأنصار النظام السابق والفدراليين وغيرهم".

من جانبه، قال الناشط في مجال المصالحة الوطنية جمال الرياني، لـ"العربي الجديد"، إن صدور القرار "مهم وضروري، والمحاذير تنحصر فقط في شكله ومضمونه عند صدوره، وهي إشكالية يمكن تعديلها بالطعن عليها لتجاوز أي أهداف سياسية يتم تضمينها في نصوصه بعديد الوسائل، مثلا يمكن للهيئات التي ستعمل على تنفيذ القانون إعداد آليات مناسبة للتنفيذ، والتجربة الطويلة أكدت لنا أن الإشكال ليس قانونيا بقدر العراقيل السياسية".

ومن هذه الزاوية، يؤكد الرياني، الذي شارك في العديد من اللقاءات مع المجلس الرئاسي في إطار حوار الأخير حول إشراك مؤسسات المجتمع المدني في ملف المصالحة، على ضرورة سعي المؤسسات المدينة لامتلاك حق تنفيذ المصالحة، معتبرا أن "المصالحة الوطنية الملف الوحيد الذي لا يمكن أن تحتكره أي سلطة دون إشراك الأطياف المجتمعية على نطاق واسع، فهي فرصة سانحة للمؤسسات المدنية ومجالس المصالحة للمشاركة السياسية".