ليبيا: مبادرات أعضاء المجلس الرئاسي تعكس انقسامات جديدة
استمع إلى الملخص
- تهدف مبادرة "الحل السياسي: الحوافز والضمانات" إلى تقسيم البلاد إلى ثلاث عشرة محافظة بنظام لامركزي، وتقليص الحكومة المركزية، مع انتخاب مجلس رئاسي مباشرة من الشعب.
- تعكس الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي، مثل اقتراح محمد المنفي للاستفتاء الشعبي وطرح موسى الكوني الفيدرالي، تعقيد المشهد السياسي الليبي.
أعلن عضو المجلس الرئاسي الليبي عبد الله اللافي عزمه على إطلاق سلسلة من الجلسات الحوارية بهدف التباحث حول سبل إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا. جاء ذلك في منشور عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، صباح اليوم الاثنين، وذلك بعد أسبوع من إعلانه عن مبادرة لإدراج انتخاب المجلس الرئاسي ضمن الإطار الدستوري الذي ينظم الانتخابات.
وفيما ذكر اللافي أن سلسلة الجلسات الحوارية "ستجمع نخبة من القادة" بهدف "تعزيز مسار التوافق الوطني"، لم يوضح من هم القادة الذين سيشاركون في هذه الجلسات. وأشار اللافي إلى أن "النقاشات ستشمل المبادرة الوطنية التي سبق الإعلان عنها" لتطويرها "وتعزيزها بما يتناسب مع مستجدات المشهد السياسي، مع ضمان مرونتها لاستيعاب مختلف المقترحات والأفكار البناءة"، معبراً عن ثقته بأن هذه الحوارات ستساهم في كسر حالة الجمود السياسي.
وفي الرابع عشر من الشهر الحالي أعلن اللافي عن مبادرة أطلق عليها مسمّى "مبادرة الحل السياسي: الحوافز والضمانات"، والتي تهدف إلى إدراج انتخاب المجلس الرئاسي ضمن الإطار الدستوري الذي ينظم الانتخابات. وفيما ذكر اللافي وقتها أن مبادرته هذه تقدّم بها "برفقة عدد من الشركاء السياسيين" إلى "مختلف الأطراف الوطنية وعلى عدة مستويات"، أوضح أن المبادرة تقوم على تنافس "المرشحين ضمن قوائم رئاسية، مع تحديد واضح للصلاحيات المشتركة بين أعضاء المجلس، والصلاحيات الممنوحة للرئيس"، بالتوازي مع تقسيم البلاد إلى ثلاث عشرة محافظة، يتم توزيع الميزانية عليها بالتساوي، لتدير "وفق نظام لامركزي يمنحها صلاحيات كاملة"، بالتزامن مع "تقليص هيكلية الحكومة المركزية، مع تحديد صلاحياتها وتمويلها بشكل محدود، وذلك لضمان التحرر من قبضة المركزية وأعبائها، والسماح للمحافظات بإدارة شؤونها بكفاءة واستقلالية أكبر".
واعتبر اللافي أن مبادرته توفر "آلية تحقق الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية، وهو ما يعزز قدرة مؤسسة الرئاسة على استعادة سيادة الدولة الليبية"، مشدداً على أن مضمون مبادرته "لم تتضمن بأي شكل من أشكال تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم"، بل "ركزت على طرح آلية لانتخاب مجلس رئاسي من قبل الشعب مباشرة". وقبلها بأسبوع، اعتبر عضو المجلس الرئاسي الآخر موسى الكوني أن ما ينقص ليبيا "هو رئيس وليس برلمان"، فالخلافات في القوانين الانتخابية تتركز على قانون انتخاب الرئيس، وعليه، فالحل، وفق رأيه، هو انتخاب كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة رئيساً يمثله في مجلس رئاسي يشبه المجلس الرئاسي الحالي بثلاثة رؤوس، وتتغير الرئاسة بشكل دوري بين الأشخاص الثلاثة، بالتوازي مع وجود مجلس تشريعي وحكومة لكل إقليم، وأكد أن العمل بنظام الأقاليم الثلاثة بمجالس تشريعية مستقلة، يضمن "نيل كل مناطق ومكونات الشعب الليبي حقوقها، من خلالها تسليمها ميزانياتها لإدارة مشاريعها، وتقريب الخدمات للمواطنين في مناطقهم، حتى تتفرغ الدولة لممارسة دورها السيادي، ولتخفيف الضغط عن العاصمة".
وظهر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بعد يومين من إعلان اللافي مبادرته في منتصف الشهر الحالي، ليقترح الاحتكام إلى استفتاء شعبي حول القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، موضحاً في حديثه خلال مأدبة إفطار أقامها في طرابلس لعدد من قادة الأجهزة الأمنية والرقابية، أن "أفضل وأسرع طريق نحو الانتخابات هو الاحتكام إلى إرادة الشعب الليبي، عبر استفتاء شفاف تديره هيئة محايدة ذات مصداقية، على القضايا الخلافية".
ويعكس هذا التتابع في الإعلانات المتباينة لأعضاء المجلس الرئاسي الثلاثة خلافات بينهم وفي رؤية كل منهم لحل الأزمة السياسية وجمودها، وفقاً لرأي الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي أحمد العاقل، الذي يستند في رأيه إلى أن الإعلانات صدرت بشكل فردي ولم يتبناها المجلس بالإجماع. وعلى الرغم من محاولة تقديم اللافي مبادرته في شكل يطرح حلاً للقضاء على المركزية والابتعاد عن فكرة الأقاليم الثلاثة المرتبطة في الذاكرة الليبية بمشاريع التقسيم، إلا أن الكوني كان صريحاً في تبني الطرح الفيدرالي، في حين سعى المنفي إلى الخروج من هذا الجدل عبر طرح فكرة الاستفتاء الشعبي حول القوانين الانتخابية، لكن العاقل يرى في حديث مع "العربي الجديد"، أنها إعلانات عن "مجرد آراء، أكثر منها مبادرات، وحتى مقترح اللافي الذي جعله تحت مسمى مبادرة، جاء عاماً دون تفصيل، فلم يحدد نخبة القادة، ولم يحدد الجهات الليبية التي طرح عليها مبادرته".
وفيما يشير العاقل إلى عدم تجاوب أي طرف سياسي مع إعلانات أعضاء المجلس الرئاسي، "فهي والعدم سواء"، وأنها "لا تعكس شيئاً سوى خلافات مكتومة بين الأعضاء الثلاثة"، يرى الناشط السياسي مختار المشيطي في المقابل أن هذا الخلاف المكتوم "يشكل خطورة على العملية السياسية التي تعمل البعثة الأممية بشكل حثيث على تقديم مقترحات فيها، ولذلك فالحاجة لاجتماع كلمة الأجسام السياسية مهم لاستكمال مسار الحوار السياسي".
وتواصل اللجنة الاستشارية المنبثقة عن مبادرة البعثة الأممية للحل السياسي في ليبيا أعمالها، وآخرها اجتماعها الذي اختتمته الثلاثاء الماضي، بعدما التقت مسؤولي المفوضية العليا للانتخابات في طرابلس، في إطار أشغالها الرامية للتوصل إلى مقترحات لحل القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وتقديمها للبعثة لتؤسس عليها مسار حوار سياسي يناقش تلك المقترحات، ويحولها إلى برامج عمل في إطار مبادرة البعثة الأممية للعملية السياسية في البلاد.
ويعتبر المشيطي في حديث مع "العربي الجديد"، أن صدور إعلانات الأعضاء الثلاثة "في شكل أفكار فردية"، يعكس تشظي وانقسام المجلس، ما يضيف طرفاً سياسياً آخر يعاني انقساماً إلى جانب المجلس الأعلى للدولة المنقسم على نفسه منذ أشهر طويلة، في إطار خلافاته حول انتخابات رئيسه. ويوضح المشيطي رأيه بأن اقتصار مقترحات أعضاء المجلس الأزمة في المجلس الرئاسي "يزيد من عقدة قانون الانتخابات الرئاسية، وحتى طرح فكرة الانتخابات الرئاسية في مجلس جديد ستجعل الجميع يتخوفون من إعادة إنتاج الأزمة في صيغة ثلاثية، في ظل عجز أعضاء المجلس الرئاسي حتى عن إدارة حوار بينهم"، مشيراً إلى أن هذه الخلافات تتصاعد، في ظل "سير بطيء للبعثة الأممية، التي باتت مبادرتها الأمل الوحيد لاستعادة شرعية المؤسسات، فحتى الآن لم تعلن اللجنة الاستشارية عن شيء ملموس يبعث على الطمأنينة، ويضعف حلقة من حلقات الجمود السياسي".