ليبيا... ديناصورات السياسة

ليبيا... ديناصورات السياسة

07 يوليو 2022
من الاحتجاجات الليبية في طرابلس، الاثنين الماضي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

كان من الممكن أن تساعد موجة الغضب الشعبي التي اجتاحت في الأيام الأخيرة أغلب مدن ومناطق ليبيا، تنديداً بسوء الأوضاع السياسية والمعيشية، البعثة الأممية في "البحث عن بدائل" لحل الخلاف القائم بين مجلسي النواب والدولة، بحسب تعبير المستشارة الأممية في ليبيا، ستيفاني وليامز، التي استخدمت هذه العبارة في تعليقها الحذر على نتائج مفاوضات القاهرة وجنيف.

لكن وليامز، ولخبرتها بطرق الالتفافات التي يتقنها الساسة الليبيون، لم تُبدِ ترحيباً ولا دعماً كبيراً لموجة الاحتجاجات، بل اعتبرتها "دعوة صريحة للطبقة السياسية لتنحية خلافاتها جانباً وإجراء الانتخابات التي يريدها الشعب".

وبدلاً من التماهي مع مطالب إسقاط جميع الأجسام السياسية، ذهبت لتخاطب "الطبقة السياسية" بضرورة المضي نحو التفاهم على أطر الانتخابات، ولكن لماذا؟

كثيراً ما رددت وليامز وغيرها من رؤساء البعثات الأممية والأجنبية أن الأجسام السياسية في ليبيا "فاقدة للشرعية"، لكن الجميع لا يجد بداً من التعامل معها، ولسان حالهم أن من أبعاد الأزمة الليبية عدم قدرة الشارع على تنظيم تحركاته المتعددة والمتلاحقة، وخلق قوى سياسية تقدّم برنامجاً سياسياً وتضغط لصنع حل، يكون فيه قادة المشهد طرفاً فقط ولا يحتكرون الساحة لوحدهم.

منذ 2011، لم يهدأ الشارع، كما يظن الكثيرون. فشهدت بنغازي أكثر من حراك، أشهرها حادثة السبت الأسود، في يونيو/حزيران 2013، والتي أدت إلى سقوط نحو 40 قتيلاً و154 جريحاً، إضافة إلى حوادث شارع الزيت في المدينة، وغيرها، وكلها شواهد على رفض سيطرة مليشيات السلاح ومن بعدهم العسكر.

وفي الغرب تعد انتفاضة الشارع في حراك "لا للتمديد" أشهر الانتفاضات التي أجبرت المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) على عدم التمديد لنفسه، وإجراء الانتخابات، وصولاً إلى حراك "بالتريس الشبابي" هذه الأيام. لكن يبقى المشترك فيها كلها أنها لم تستطع تنظيم نفسها وإفراز نخب يمكن أن تمثلها، وتعبّر عن صوت الشارع.

ولتجاوز هذه العرقلة، فيما يبدو، ذهبت الأمم المتحدة إلى اختيار نخبة ليبية تمثّل كل الشرائح الليبية عندما أسست ملتقى الحوار السياسي، ليكون أعضاؤه 75 شخصاً أكثرهم من خارج مجلسي النواب والدولة.

لكن سريعاً ما تبخّر هذا الملتقى، وحتى مخرجاته الممثلة في السلطة التنفيذية الحالية انخرطت في دائرة الاستقطاب الحاد بين المجلسين. فبعد الصراع بين مجلس النواب ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، جاء الدور على رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي اتهمه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالضلوع في الهجوم على مقر مجلس النواب يوم الجمعة الماضي، في سياق محاولات تشويه وجه الاحتجاجات وتجريم أفرادها.

في المقابل، سربت وسائل إعلام، أنباء عن اجتماع ممثلي 31 حزباً ليبياً مع المنفي، طالبوه خلاله بتسلّم زمام الأمور، في دلالة واضحة على عدم قدرة الأحزاب الليبية على بلورة وضع جديد، وحاجتها للحكام الحاليين، فضلاً عن عدم معرفة الشارع بهذه الأحزاب، بل حتى أسمائها وقادتها والفاعلين فيها.

وبذلك، تبدو الأزمة في غورها البعيد هي في عدم قدرة الشارع على خلق منتظم سياسي قادر على الخروج من حالة السخط والاحتجاج، إلى حالة الفعل والتأثير المباشر، ليثبت قادة المشهد أنهم ديناصورات سياسية بالفعل، كما وصفتهم وليامز في الكثير من المناسبات، مستفيدين من ضعف ضغط الشارع.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية