ليبيا: انقسام البرلمان حول الحكومة يسبق جلسة الإعلان عن خريطة الطريق

ليبيا: انقسام البرلمان حول الحكومة يستبق جلسة الإعلان عن خريطة الطريق الثلاثاء المقبل

23 يناير 2022
مبادرة للتوسط بين الحكومة والبرلمان (محمود تركيا/فرانس برس)
+ الخط -


يعيش مجلس النواب الليبي حالة انقسام حاد بشأن وضع حكومة الوحدة الوطنية، التي أعلن رئيس المجلس، عقيلة صالح، عن انتهاء ولايتها وطالب بتشكيل أخرى بديلة عنها، فيما أعلن 62 نائباً عن دعمهم لاستمرار بقائها في السلطة لمدة عامين، ودعوا مجلس النواب إلى توافق معها لإنهاء حالة الانسداد السياسي الحالي.

ويأتي ذلك بينما ينتظر أن تقدم لجنة خريطة الطريق النيابية، تقريرها إلى مجلس النواب، خلال جلسة خاصة يوم الثلاثاء المقبل، بشأن تصورها الكامل لخريطة طريق المرحلة المقبلة، التي سبق أن قال رئيسها، نصر الدين مهنا، إنها قائمة على أربعة أسس هي المساران الدستوري والأمني والمصالحة الوطنية وإعادة تشكيل الحكومة. 

مبادرة للتوسط

وحمل بيان النواب الــ62، المعلن ليل أمس السبت، ما يشبه مبادرة للتوسط بين رئاسة مجلس النواب والحكومة، حيث دعوا إلى توافق بينهم أساسه أن "الاستحقاق الانتخابي البرلماني والرئاسي لا رجوع عنه وضرورة لا بد من العمل الجاد والصادق على تحقيقها في أقرب الآجال الممكنة". 

وطالبوا في ذلك الحكومة بالعمل على إجراء تعديل وزاري يسمح لها بفرض سلطتها على كامل البلاد "مع الالتزام بتمثيل كافة الدوائر وتحمل مسؤولية خياراته"، وعلى أساس هذا التعديل "تستمر الحكومة في عملها لمدة عامين من تاريخ الاتفاق أو إلى حين إجراء الانتخابات". 

كما اقترح النواب، في بيانهم الذي حمل مبادرة قوامها الاتفاق بين الحكومة ومجلس النواب للخروج من الانسداد الحالي، ضرورة تنسيق الحكومة مع المجلس الرئاسي لـ"ضمان إحداث التوافق مع القيادة العامة في برقة (قيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر) لضمان خلق ولو حالة الحد الأدنى من التوافق لضمان إنجاح عمل المؤسسات العسكرية والأمنية وتهيئة اندماجها وتعزيز سبل توحيدها". 

واقترحت المبادرة أيضاً أن تتولى دول تركيا ومصر والإمارات وقطر "بالتنسيق فيما بينها ومن خلال أطراف يتم تسميتها من طرفي الاتفاق لتشكيل تنسيقية دولية عليا تشرف على تنفيذ الاتفاق، والنظر في كل ما تحتاجه عملية تنفيذها من متطلبات وتعديلات وفقاً لما يتماشى وطبيعة المرحلة ومستجداتها وضروراتها". 

وجاء بيان النواب الــ62، بعد أقل من عشرة أيام من بيان آخر حمل توقيع 15 نائباً، طالبوا فيه بتشكيل "حكومة تكنوقراط"، بديلة عن الحكومة الحالية وأعلنوا البراءة منها ووصفوها بـ"حكومة الفساد". 

مضامين بيان النواب الـ62

ويحمل بيان النواب، ليل الأمس، العديد من المضامين التي تكشف حقيقة ما يجري من صراع بين الحكومة ورئاسة مجلس النواب في كواليس الإعداد للمرحلة المقبلة، فدعوتهم للتوافق بين مجلس النواب والحكومة يعني عدم موافقة مسبقة من قطاع كبير من النواب على شكل ومضمون خريطة الطريق التي تستعد اللجنة النيابية لطرحها، يوم الثلاثاء المقبل، والتي تتضمن في أحد أسسها إعادة تشكيل الحكومة.

واللافت في أن الإعلان عن المبادرة، ليل السبت، جاء بعد ساعات من لقاء جمع بين رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، وعدد من النواب، أغلبهم شارك في التوقيع عليها، وهو ما يعني بشكل أوضح استحالة نجاح صالح في حشد النصاب اللازم للتصويت على إسقاط الحكومة وتشكيل أخرى بديلة عنها. 

وكانت مصادر ليبية مطلعة قد كشفت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، مطلع الأسبوع الماضي، النقاب عن استعداد المشهد الليبي لمرحلة جديدة التأزيم بين مجلس النواب والحكومة، حيث يسعى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لحشد قوي لإطاحتها، بينما يستعد الثاني لإجراء تعديل وزاري على حكومته من خلال تعيين شخصيات وزارية جديدة مقربة من أعضاء في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بهدف تعزيز وجوده داخل المجلسين وحشد مؤيدين له فيهما لقطع الطريق أمام محاولات إقصائه.

خلط الأوراق بشكل معقد

وفي وقت يرى فيه الناشط السياسي الليبي أحمد أبوزنداح أن المبادرة كشفت عن نجاح الدبيبة في حشد مؤيدين له داخل مجلس النواب لتأييد بقائه في السلطة بهدف نقل حالة الصراع إلى داخل مجلس النواب، رأى أيضاً أن تضمنها مطلباً للتنسيق بين الحكومة وقيادة حفتر قد يوحي بوجود تقارب غير مباشر بين الدبيبة وحفتر ضمن التحالفات التي تشهدها الساحة الليبية في الوقت الحاضر.

لكن أبوزنداح استدرك في حديثه، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "هذه المبادرة لا تحوي شيئا واقعيا يمكن تطبيقه، وهدفها خلط كل الأوراق بشكل معقد"، معتبراً أن "تاريخ العلاقة بين الدبيبة وحفتر لن يسمح بأي تنسيق بينهما، كما أن الدعوة لإشراف عدد من العواصم الإقليمية على تنفيذ المبادرة أيضاً غير ممكن لشدة اختلاف سياساتها في القضية الليبية".

وبحسب قراءة الباحث الليبي في الشأن الدولي، جمعة الشاوش، لمضمون المبادرة، فإنها تعكس انقساماً كبيراً بين النواب، وإنها قد تكون إعلاناً لفشل إسقاط الحكومة.

إلا أن الشاوش لفت إلى جانب آخر يتعلق بخريطة الطريق المنتظر إعلانها من جانب مجلس النواب، وقال "هناك بعد آخر في الاختلاف المحلي الليبي يتمثل في اتفاق كل المختلفين على إطالة أمد المرحلة المقبلة وإبعاد الموعد الجديد للانتخابات"، مشيراً إلى أن اتجاها يتصادم مع رغبة عواصم غربية في ضرورة إجراء الانتخابات بحلول يونيو/حزيران المقبل وفقاً لخريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي.

وبين الشاوش أن المبادرة اقترحت إشراف عدد من العواصم الإقليمية على مسار الاتفاق بين مجلس النواب والحكومة، وقال "الملاحظ أنه ليس من بينها أي عاصمة من عواصم الدول الغربية، وهي الأكثر فاعلية وحضوراً من العواصم الإقليمية، وهذا يكشف عن عمق الاختلاف بين الأطراف الخارجية ورغبة الأطراف المحلية في التموضع في مركز داخل خريطة الاختلاف الدولي".

ورجح بأن يكون من بين بعض العواصم الإقليمية من يرغب في تأجيل الانتخابات إلى أجل طويل، مقابل واشنطن وعواصم أوروبية تشدد على ضرورة تقيد المشهد الحالي بآجال خريطة الطريق وآخرها يونيو المقبل موعد نهائي لإجراء الانتخابات.

خريطة الطريق

وأنهت المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، أخيراً، جولة خارجية استهدفت لقاء مسؤولين في عدة عواصم إقليمية، بداية من تونس وأنقرة ومروراً بالقاهرة وانتهاء بموسكو.

وفور عودتها، كثفت وليامز لقاءاتها بالأطراف الداخلية الليبية، وآخرها لقاؤها مع عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، أمس السبت، لبحث "التحديات الحالية التي تواجه العملية الانتخابية".

وخلال اللقاء أكد أعضاء مجلس الدولة "إجراء الانتخابات على أساس دستوري"، بحسب تغريدة لوليامز، التي أكدت بدورها ضرورة إجراء الانتخابات "ضمن الإطار الزمني الذي حددته خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي". 

وتقوم خريطة الطريق التي تستعد اللجنة النيابية لتطرحها، الثلاثاء المقبل، أساساً على مسار دستوري جديد، يقوم على صياغة دستور جديد وفقاً لرغبة صالح، أو إجراء تعديلات على مشروع الدستور المقر منذ عام 2017 وفقاً لرغبة المجلس الأعلى للدولة. 

وأبدت وليامز معارضة لمساعي مجلس النواب إطاحة الحكومة، وشددت على تركيز مجلس النواب على الانتخابات بدلاً من السعي لتغيير الحكومة، لكن الشاوش يؤكد أن قضية وليامز، التي تمثل سياسة أممية قريبة من إرادة العواصم الغربية، مع الأطراف الليبية، أصبحت أكثر تعقيداً الآن.

وقال "لم يعد مجلسا النواب والدولة طرفي العرقلة بل أيضاً الحكومة تسير في ركاب المعرقلين"، معتبراً أن تزايد ملامح الخصومة والتصعيد بينهم جميعاً قد يشكل تهديداً جديداً قد يؤدي لانهيار العملية السياسية كلها، وربما تضطر معه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى القبول بتأجيل الانتخابات والعمل مجدداً على معالجة أوضاع هذه الأطراف.

المساهمون