ليبيا: المبعوثة الأممية تدعو إلى دعم استكمال خريطة الطريق
استمع إلى الملخص
- أشارت تيتيه إلى التحديات الاقتصادية في ليبيا مثل غياب ميزانية موحدة والفساد، مؤكدة على تعزيز النزاهة المالية، مرحبةً بإجراءات البنك المركزي لمعالجة هذه القضايا.
- رحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بإحاطة تيتيه، بينما اتهم رئيس الحكومة المكلفة أسامة حماد تيتيه بالتدخل في الشؤون الداخلية.
دعت المبعوثة الأممية الخاصة إلى ليبيا هانا سيروا تيتيه اليوم الثلاثاء "جميع القادة الليبيين إلى المشاركة البناءة في جهودهم لضمان استكمال الخطوات الأولى في خريطة الطريق، بما يسمح بالتحضير للانتخابات"، مشددة خلال إحاطتها الدورية أمام مجلس الأمن في نيويورك على أنه "لا يمكن لليبيا أن تتحمل استمرار التأخير أو التعطيل في استكمال خريطة الطريق"، التي تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة وتجديد الشرعية عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وأوضحت تيتيه أن خريطة الطريق التي طرحتها البعثة في أغسطس/آب الماضي "تسعى إلى تعزيز أواصر الوحدة الوطنية وتحقيق تسوية شاملة تضع ليبيا على طريق الاستقرار الدائم"، لكنها أبدت أسفها لاستمرار عدم اتفاق مجلسي النواب والدولة على تعيين مسؤولين في المناصب الشاغرة في مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ووضع الإطار الدستوري والقانوني اللازم لإجراء الانتخابات، كشرطين رئيسيين لإنجاز أولى مراحل خريطة الطريق.
وكشفت تيتيه أنها "تتواصل مع أعضاء وقيادات مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للتوصل إلى اتفاق بشأن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وإطار انتخابي قابل للتنفيذ"، وحثت "بشدة ممثلي مجلس النواب ومجلس الدولة على تسريع عملهم وتحمل مسؤولياتهم المتوقعة في استكمال هاتين المرحلتين الأوليتين من خريطة الطريق." وقالت إنه "في حال عدم تحقيق ذلك، يجب على البعثة - وستفعل - اتباع نهج آخر، والسعي إلى دعم هذا المجلس لضمان تقدم خريطة الطريق، بما يُسهم في مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه ليبيا".
وأكدت تيتيه أن توافق المجلسين على تشكيل مجلس المفوضية وسن القوانين الانتخابية بات محفوفا بالتحديات، رغم أنه يمكن إنجازه في غضون شهرين إذا توفرت الإرادة السياسية. وجدت تيتيه دعوتها جميع القيادات الليبية إلى "العمل البنّاء لإنجاز الخطوات الأولى من خريطة الطريق خلال الشهر المقبل، تمهيدًا لتهيئة المناخ للانتخابات"، مشيرة إلى أن البعثة تستعد "لعقد حوار مهيكل موسع في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل يضم أربعة محاور رئيسية هي الحوكمة والاقتصاد والأمن والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، بمشاركة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وممثلين عن النساء والشباب بما يعكس التنوع الجغرافي والاجتماعي في ليبيا".
وقالت المبعوثة الأممية للدول الأعضاء في مجلس الأمن: "كما تذكرون من إحاطتي السابقة، كان الوضع الأمني في غرب ليبيا، وخاصةً في طرابلس، متوترًا. وقد هدد استمرار المواجهة، بين حكومة الوحدة الوطنية وجهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، الهدنة التي تم التوصل إليها في مايو/أيار 2025، مما زاد القلق العام من خطر التصعيد العسكري في العاصمة." وأضافت تيتيه: "يسعدني أن أبلغكم بأن التوترات قد خفت بفضل جهود الوساطة المشتركة التي بذلتها الجهات الفاعلة المحلية والشركاء الدوليون، وأشيد بتدخلات تركيا في هذا الصدد".
ورحبت المبعوثة الأممية بالتقدم المحرز محذرة من أن الوضع ما زال هشا. وقالت إن "وجود بيئة أمنية مستقرة أمر بالغ الأهمية للاستقرار والتقدم السياسي. ولتعزيز الهدنة والاستقرار المستدام في المنطقة الغربية، تعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع المجلس الرئاسي على وضع آلية لتعزيز إصلاح قطاع الأمن في الغرب. وأحث المجلس الرئاسي على الإسراع في إنشاء هذه الآلية والمضي قدمًا في هذه العملية".
وتأتي هذه الإحاطة بعد نحو شهرين من إحاطة سابقة قدمتها تيتيه أمام مجلس الأمن أعلنت فيها خريطة طريق سياسية جديدة، حددت ركائزها الثلاث في إجراء تعديل على مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات ووضع إطار انتخابي قابل للتنفيذ ومقبول وطنياً، وتوحيد مؤسسات الدولة بما فيها السلطة التنفيذية، وإطلاق حوار وطني مهيكل يشارك فيه طيف واسع من الليبيين من مختلف المناطق والشرائح. لكن تعامل مجلسي النواب والدولة مع المرحلة الأولى ظل بطيئاً ومتعثراً، إذ لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي بشأن ملف المناصب السيادية، بما فيها إعادة تشكيل مجلس مفوضية الانتخابات، رغم عقد اجتماعات عدة خلال الأسابيع الماضية انتهت بتفاهمات جزئية فقط.
الوضع الاقتصادي
من ناحية أخرى، كشفت تيتيه "أن الحوكمة الاقتصادية والمالية ما زالت تعاني من خللٍ كبير، إذ تفتقر إلى ميزانية موحدة والآليات اللازمة لضبط النفقات في جميع أنحاء ليبيا. وتنتشر الممارسات التي تزدهر في بيئاتٍ تتسم بضعف الرقابة، مثل غسل الأموال وتحويل مسار الوقود المدعوم عبر شبكات التهريب، مما يُثقل كاهل الشعب الليبي، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفًا" وأضافت: "يؤدي الفساد الذي يُفيد المصالح الخاصة إلى تحويل مسار الاستثمارات الأساسية في التنمية، كالرعاية الصحية والتعليم والتوظيف، وخاصةً للنساء والفئة العمرية الكبيرة من الشباب."
وعبرت عن قلقها البالغ لـ"إعلان مصرف ليبيا المركزي اليوم عن اكتشاف 6.5 مليارات دينار ليبي من فئة 20 دينارًا (حوالي 1.2 مليار دولار أميركي) غير مسجلة في فرع المصرف المركزي ببنغازي، ولم يتم إدخالها عبر القنوات القانونية للمصرف". وقالت إنه "بذلك، يصل إجمالي الأموال غير المشروعة التي عُثر عليها هذا العام إلى 10 مليارات دينار أي حوالي 1.8 مليار دولار أميركي"، مشيرة إلى أن "هذه الممارسات غير القانونية تُقوّض الثقة بالدينار، وتُبرز الحاجة المُلحة لتعزيز النزاهة المالية والمساءلة والرقابة."
ورحبت "بقرار البنك المركزي اتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لمعالجة هذه المسألة. في هذا السياق، يُمثّل إطلاق ديوان المحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في 24 سبتمبر/أيلول، للخطة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد خطوةً مهمةً إلى الأمام. تُقرّ الخطة بحجم المشكلة وطبيعتها المنهجية، إلا أن نجاحها سيعتمد في نهاية المطاف على الإرادة السياسية لتعزيز الشفافية، واستقلال المؤسسات، والمساءلة، والإدارة العادلة للموارد، وتعزيز الحوكمة الاقتصادية. والأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لدعم هذه الخطة جماعيًا."
السني: دعوا الشعب الليبي يتخذ فعلاً زمام الأمور
إلى ذلك شدد مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، على "ضرورة التعامل مع الأزمة الليبية بمسؤولية من الجميع سواء في الداخل أو الخارج" داعياً إلى ضرورة "دعم الجهود الوطنية المخلصة التي تسعى للاستقرار وبناء دولة المؤسسات والقانون". وشدد السني على ضرورة "أن تتسم جهود الوساطة الأممية هذه المرة بمخرجات واضحة وجدول زمني محدد، والتأكد من تمثيل القوى السياسية الفاعلة على طاولة الحوار، ودون إقصاء. وحينها، دعوا لليبيين أنفسهم يكتشفوا من هو المعرقل الحقيقي، ومن هو الذي يدافع عن تطلعاتهم وآمالهم لتمهيد الطريق نحو إجراء الانتخابات العامة في أقرب وقت ممكن وبقوانين عادلة ومنصفة، ويمكن تطبيقها واحترام نتائجها. من أجل تحقيق أولى الخطوات نحو الديمقراطية والحرية وإنهاء التدخلات الخارجية السافرة في الشأن الداخلي."
وقال "المواطن الليبي يريد إنهاء المراحل الانتقالية ويريد إنهاء الانقسام واختيار من يمثله بعيدا عن الدكتاتورية وهيمنة الفرد. المواطن الليبي يريد دولة مدنية قوية وموحدة بدستور دائم وتداول سلمي على السلطة وآليات لدعم وتعزيز دور المجتمع المدني، مع احترام التشريعات الوطنية". وأضاف: "المواطن الليبي يود أن يتعافى اقتصاده وتتوافر له الخدمات الأساسية، ويستحق عيشا كريما ينعم بثرواته بعيدا عن الفساد والتهريب والمحسوبية". كما "يريد شراكة اقتصادية بعيدة عن تلاعب بعض الدول بمقدراته وأصوله. وأمواله واستثماراته".
وأضاف "المواطن الليبي يريد الأمن والأمان، بعيدا عن سطوة المليشيات والمجموعات المسلحة. وهو يريد جيشا احترافيا ولاؤه للوطن. يحميه ويحمي سيادته. وإنهاء كافة أنواع التواجد الأجنبي على أرضه". كما شدد السني على رغبة الليبيين "بمحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنهاء حالات الإفلات من العقاب. ويتطلع المواطن الليبي إلى مصالحة وطنية شاملة وبكشف الحقيقة، والاعتراف بالخطأ. وجبر الضرر عن كل المراحل السابقة منذ 2011 إلى اليوم". وشدد على رغبة الليبيين "برفع العقوبات الدولية الظالمة على من انتفت أسباب وجودها عليهم".
وتطرق السني كذلك إلى ضرورة "الإفراج عن المحتجزين قسرا لسنوات، سواء في الداخل أو الخارج، والكشف عن مصير المفقودين، وعودة المهجرين لأرض الوطن." ثم تساءل عن "ضمانات نجاح الخطة الأممية والمبادرات الدولية المقدمة لتحقيق هذه المطالب؟ وإن كانت المهمة صعبة أو غير ممكنة بعد مرور كل هذه السنوات". وختم بالقول: "إذا دعوا الشعب الليبي يتخذ فعلاً زمام الأمور بيده، ويقرر مصيره بنفسه. ارفعوا عنه، تسلط هذا المجلس، والوصاية الدولية، الذي أصبح هو الآخر في حيرة من أمره، في ظل الانقسام الذي يشهده الجميع".
المنفي يرحب بإحاطة تيتيه وحماد يتهمها بتجاوز مهامها
إلى ذلك، رحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بإحاطة المبعوثة الأممية، مؤكداً التزام المجلس الرئاسي "بالشراكة والتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها". وقال المنفي، في منشور عبر حسابه على منصة إكس، "مستمرون في تعزيز الاستقرار والتنسيق الأمني كشرطٍ أساسي للتقدم في المسار السياسي، والتنمية المستدامة"، مؤكداً أن المجلس الرئاسي "سيواصل التنسيق مع البعثة ومؤسسات دولية لمكافحة الفساد، والتهريب، وغسيل الأموال، والمساءلة، والتدقيق والمراجعة".
وفيما ركز ترحيب المنفي على مضمون إحاطة تيتيه، دون أي إشارة إلى خارطة الطريق السياسية التي أعلنتها منذ أغسطس/ آب الماضي، اتهم رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، تيتيه بأنها "تجاوزت حدود مهامها المقررة، وتدخلت في شؤون المؤسسات السيادية الليبية". واعتبر حماد، في بيان له الأربعاء، أن الإحاطة "تضمنت مغالطات خطيرة، وتدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدولة الليبية ومؤسساتها السيادية"، مضيفاً أن "البعثة الأممية تدخلت بشكل مباشر وغير مبرر في شؤون المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، محاولة فرض آليات لتشكيل مجلسها وفق رؤيتها الخاصة، دون أي احترام للقوانين الليبية النافذة، أو سيادة مؤسسات الدولة وتشريعاتها".
وأضاف حماد أن "ادعاء الممثلة الخاصة بأنها أجرت لقاءات مع كافة الأطراف الليبية ادعاء باطل"، مؤكداً أنه "لم يجرِ أي تواصل بينها وبين الحكومة الليبية بأي شكل من الأشكال"، معتبراً أن ذلك "يكشف عن نهج انتقائي ومغرض في تعاملها مع الأطراف الليبية". وتابع: "البعثة نصبت نفسها وصياً على التشريعات الدستورية والقانونية المنظمة للعملية الانتخابية، متجاوزة اختصاص السلطة التشريعية الليبية الممثلة في مجلس النواب، في انتهاك صريح للسيادة الوطنية الليبية"، وأشار إلى أن تلويح البعثة "باتباع نهج بديل، ومطالبة مجلس الأمن بتجاوز المؤسسات الليبية المنتخبة إذا لم تتماشَ مع خططها، هو تهديد مرفوض ومساس خطير بالإرادة الوطنية".
وشدد على أن حكومته "ستواجه بحزم وبكل الوسائل المشروعة أي محاولة لفرض وصاية أو رقابة خارجية لا سند لها"، معلناً في الوقت ذاته دعم حكومته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس "في دعوته إلى إعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، سواء على مستوى تغيير العاملين بها، أو بإعادة التوازن في أماكن وجودها، بما يسمح بالتوسع المحدد الأهداف في بنغازي وسبها".