ليبيا: القوانين الانتخابية رهينة حسابات صالح

ليبيا: القوانين الانتخابية رهينة حسابات صالح

19 سبتمبر 2021
يسعى صالح وحفتر (يسار الصورة) لفرض شروطهما (إتيان لوران/فرانس برس)
+ الخط -

تجاهل رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، الانتقادات الموجّهة له المتعلقة بشرعية إصداره قانون الانتخابات الرئاسية من دون تصويت النواب عليه، في وقت يستعد مع حلفائه في رئاسة مجلس النواب لاستكمال إعداد قانون الانتخابات البرلمانية، بعد الانتهاء من جلسة مقررة غداً الإثنين، لمناقشة طلب عدد من النواب سحب الثقة من الحكومة. وكشفت مصادر برلمانية من طبرق لـ"العربي الجديد" النقاب عن إعداد رئاسة مجلس النواب مقترحات عدة، يتم من خلالها إضافة تعديلات إجرائية على قانون الانتخابات البرلمانية، الذي جرت وفقه انتخابات سابقة. وتضمنت المقترحات، عدد النواب في البرلمان المقبل ونسبة تمثيل المرأة في الانتخابات البرلمانية وتوزيع مراكز الاقتراع داخل البلاد وخارجها وغيرها من التعديلات الطفيفة، ليكون أساساً للانتخابات البرلمانية المقبلة، المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، استعداداً لطرحه على النواب لمناقشته. وأشارت المصادر نفسها إلى أن صالح وحلفاءه مستمرون في تجاهل الانتقادات الموجّهة لهم بشأن إصدارهم قانون الانتخابات الرئاسية. وكشفت أن نواباً مقرّبين من صالح برروا الخطوة بأن لوائح المجلس لا تشترط التصويت على القوانين الصادرة عن مجلس النواب، بالإضافة إلى أن الجلسة التي عُقدت لمناقشة قانون انتخاب رئيس الدولة، في 17 أغسطس/آب الماضي، أسفرت عن الموافقة عليه بـ"الأغلبية".


سمح تعديل اللوائح لرئاسة المجلس باستغلال ثغراتها

وخلال السنوات الست الماضية جرى تعديل اللوائح الداخلية لمجلس النواب أكثر من مرة، ما سمح لرئاسة المجلس باستغلال ثغرات في تلك التعديلات لتولي العديد من الصلاحيات، ومنها حقها في إصدار القوانين، وأيضاً تمثيل عقيلة صالح للبلاد في الخارج. ولم يعلن مجلس النواب عن إصدار قانون الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي، غير أن المفوضية العليا للانتخابات أعلنت في 11 سبتمبر/أيلول الحالي، عن تسلمها بشكل رسمي نسخة من القانون من مجلس النواب. وأمس السبت أعلنت المفوضية عن إقفال باب التسجيل في منظومة الناخبين، موضحة أن العدد النهائي للمسجلين بمنظومة الناخبين بالداخل والخارج "بلغ 2 مليون و865 ألفاً و624 ناخباً". وسبق أن دشنت المفوضية منظومة إلكترونية، داعية المواطنين للتسجيل فيها لمعرفة عدد الراغبين في الانخراط في عملية الاقتراع، بهدف معرفة كيفية توزيع مراكز الاقتراع أثناء العملية الانتخابية.

ومن غير المرجح إدراج قانون الانتخابات البرلمانية المعدّل، ضمن جدول أعمال الجلسة المقبلة، غداً الإثنين، والمخصصة للنظر في طلب 45 نائباً بشأن سحب الثقة من الحكومة، بحسب ذات المصادر، التي أكدت أن لدى عقيلة صالح إمكانية حجب الثقة عن عدد من الوزارات، أو تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال فقط حتى موعد إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل.

وبعد استكمال مجلس النواب، يوم الإثنين الماضي، تقييم ردود الحكومة على أسئلته خلال جلسة الاستجواب التي شارك فيها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وعدد من وزراء حكومته، أعلن صالح عن تسلّمه لطلب قدمه 45 نائباً لسحب الثقة من الحكومة، محدداً جلسة الغد موعداً لمناقشته.

في الغضون، أظهرت تصريحات مسؤولين غربيين حرص دولهم على إجراء الانتخابات الليبية في موعدها. ونقلت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، أمس السبت، عن وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، استعداد بلاده، بالاشتراك مع فرنسا وألمانيا، لترؤس اجتماع رفيع حول ليبيا في نيويورك الأسبوع المقبل، لمناقشة سبل دعم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها. وعبّر دي مايو عن خشيته من أن يؤدي عدم إجراء الانتخابات في موعدها إلى مرحلة جديدة من العنف وعدم الاستقرار، مشيراً إلى أنهم قلقون بشأن إضاعة الوقت مع قرب موعد الانتخابات، وعدم قدرة الأطراف الليبية على الاتفاق بشأن قانون الانتخابات.

من جانبها أكدت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس ـ غرينفيلد، أن بلادها تبذل حالياً جهوداً هائلة من أجل إصدار قرار من المجلس، يؤكد على إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المقرر. وأشارت في مؤتمر صحافي عقدته عقب انتهاء مجلس الأمن من التصويت على تمديد عمل البعثة الأممية في ليبيا شهراً إضافياً، يوم الأربعاء الماضي، إلى أن بلادها تعمل مع بقية أعضاء مجلس الأمن، من أجل ضمان إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل.

وتعدّ الخلافات الليبية والدولية التي عادت إلى المشهد الليبي دفعة واحدة، فرصة لرئيس مجلس النواب وحلفائه لفرض قانون انتخاب رئيس الدولة، وفقاً لرأي الصحافي الليبي رضا الطبيب، الذي يرى أيضاً أن صالح وحلفاءه في مجلس النواب سيعرقلون إصدار قانون الانتخابات البرلمانية، بهدف عدم إجرائها واقتصار الاستحقاق الانتخابي على الرئاسيات فقط.

ويوضح الطبيب رأيه في حديثٍ مع "العربي الجديد" بالقول إن "ذلك سيضمن لصالح الترشح لمنصب رئيس الدولة ويحافظ في الوقت نفسه على منصبه رئيساً للبرلمان، إذا ما فشل في الانتخابات. فقانون انتخاب الرئيس يسمح للمرشح العودة لمنصبه إذا لم يفز في الانتخابات". ويلفت إلى أن نقل الجانب المتعلق بالدوائر الانتخابية، وإعادة توزيعها إلى قانون الانتخابات الرئاسية، بعد أن حلّ مكانه قانون الانتخابات البرلمانية، مؤشر واضح على رغبته في عرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية.


لا يزال وضع حفتر بالترشح للرئاسيات غامضاً

ويشير الطبيب إلى أن صالح يسعى إلى "بعثرة كل أوراق المشهد، ومنها تجميد عمل الحكومة وتحويلها إلى شكل صوري لتصريف الأعمال"، معتبراً أنه يمهّد لقطع الطريق أمام أي منافس له. وبشأن إمكانية ترشح قائد مليشيات شرق ليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يؤكد الطبيب أن وضعه "لا يزال غامضاً، لأن قانون انتخاب رئيس الدولة الذي أصدره صالح يسمح للعسكري الترشح بشرط التخلي عن منصبه قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، ما يعني أن على حفتر الاستقالة من منصبه قبل 24 سبتمبر، إلا أن لا مؤشرات على ذلك حتى الآن".

وقد يكون سعي صالح لاستثمار الفوضى التي يشهدها المشهد الليبي داخلياً وخارجياً لفرض قانون الانتخابات الرئاسية صحيحاً، بحسب رأي الباحث الليبي في الشأن السياسي الجيلاني ازهيمة، لكنه يشدّد على أن صالح غير قادر على عرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية. ويشير ازهيمة في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن "صالح وشركاءه استثمروا بالفعل تراجع دور ملتقى الحوار السياسي، وكذلك دور البعثة الأممية الذي يكاد ينتهي، خصوصاً بعد خلافات أعضاء مجلس الأمن حول عملها في ليبيا وهيكلها، لكن الإجماع الدولي يؤكد على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن". وينبّه إلى خطورة الجلسة المقبلة الخاصة بمناقشة سحب الثقة من الحكومة، ويصفها بـ"مناورة يسعى صالح من خلالها للوصول إلى تجميد عمل الحكومة، وتحويلها إلى جسم شكلي". ويرى أن "الهدف من ذلك هو قطع الطريق أمام سعي الدبيبة وشركائه إلى الاستمرار في المشهد، إذا ما فشل إجراء الانتخابات في موعدها".

وعلى الرغم من مساعي صالح، يُذكّر ازهيمة بأن المشهد الليبي لا يزال مكتظاً بخصوم صالح، ومنها الأحزاب والمجلس الأعلى للدولة وأنصار النظام السابق الراغبون في العودة للمشهد السياسي، وأيضاً هناك معسكرات غرب ليبيا المسلّحة، التي لا يزال وجودها، مع غيرها، يُشكّل هاجساً لدى المجتمع الدولي حيال إمكانية عودة القتال مجدداً.

المساهمون