لماذا يموّل تجار ومستثمرون الحملات الانتخابية في العراق؟

16 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 10:45 (توقيت القدس)
صور مرشحين في الانتخابات العراقية، دهوك 3 أكتوبر 2025 (روان صبحي عبيد الله/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُمول الحملات الانتخابية في العراق بشكل رئيسي من تبرعات رجال الأعمال، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين السياسة والتجارة، حيث يسعى المتبرعون للحصول على فوائد مستقبلية من خلال عقود وفرص استثمارية.
- تعاني الانتخابات من غياب البرامج الانتخابية الواضحة، مما يزيد من يأس العراقيين من الإصلاحات الحقيقية، خاصة في ظل نظام المحاصصة الحزبية والطائفية، مما يدفع الحركات المدنية والليبرالية إلى مقاطعة الانتخابات.
- يشهد العراق تنافسًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية، حيث يتنافس أكثر من 7900 مرشح على 329 مقعدًا، لكن العملية الانتخابية تُعتبر مفرغة من محتواها الديمقراطي الحقيقي، مما يؤدي إلى استياء واسع وعزوف عن المشاركة.

تؤكد معظم الأحزاب العراقية أن أموال حملاتها الانتخابية الضخمة في الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، هي مساهمات ومنح من متبرعين ينشطون في مجالات التجارة والاستثمار وغيرها، ما يدفع العراقيين للتساؤل عن أسباب تمويل رجال الأعمال مرشحي الأحزاب أو الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات وعن أسرار العلاقة بين التجارة والسياسة في العراق.

وخلال الأسابيع الماضية، أجاب سياسيون ومرشحو الأحزاب على أسئلة بعض الصحافيين ومقدمي البرامج التلفزيونية عن هذه الأسئلة، فيما اتفق معظمهم على إجابة واحدة ومحددة تتلخص في أن أموال حملاتهم الانتخابية ليست من خزائن الأحزاب إنما من متبرعين اختاروا طوعاً أن يقدموا الدعم المالي للتحالفات والائتلافات المشاركة في الانتخابات. مع العلم أن الحملات الدعائية في العراق تُكلف التحالف أو الحزب الواحد عشرات ملايين الدولارات بالنظر إلى المنافسة الشديدة بين الأحزاب من جهة والإنفاق الهائل على الناخبين وبعض وجهاء العشائر بالهدايا، التي غالباً ما تكون على شكل سيارات أو منازل أو حتى سيوف من ذهب وغيرها، كما حصل في نينوى وعاصمتها المحلية الموصل في مطلع الشهر الحالي.

وقال السياسي العراقي والمرشح للانتخابات محمد الكربولي في رده على هذه الأسئلة في لقاء متلفز إن "أموال دعاية الانتخابات لتحالف العزم جاءت من المتبرعين، وهم أشخاص يؤمنون بالعمل السياسي للتحالف، ويريدون أن يمكّنوا التحالف ويدفعوه من أجل الفوز بالانتخابات، لذلك قدموا التبرعات المالية التي تحولت إلى دعاية انتخابية"، مبيناً أن "المتبرعين يريدون التغيير كما كل العراقيين، وهم يطالبون بأن نضع صورنا في الشوارع"، في حين يؤخذ على الانتخابات البرلمانية المرتقبة أنها خالية من البرامج التي يقدمها المرشحون للناخبين، فيما يتمظهر السباق الانتخابي باللافتات والصور في الشوارع والساحات، من دون أن تظهر أيّ برامج انتخابية للأوضاع السياسية والخدمية والاقتصادية في العراق.

ويتنافس أكثر من 7900 مرشح على 329 مقعداً نيابياً في الانتخابات، حيث يشعر كثير من العراقيين باليأس من حدوث أي إصلاحات بنيوية في الدولة العراقية، التي تُدار بطريقة المحاصصة الحزبية والطائفية، ناهيك عن استفهامات كثيرة حول المال السياسي المستخدم في هذه الانتخابات.

وفي السياق، قال عضو ائتلاف الإعمار والتنمية (يتزعمه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني) بهاء الأعرجي إن "الائتلاف حصل على تبرعات من متبرعين، وهؤلاء من اختصاصات ومشارب عراقية متفرقة، لأنهم مؤمنون بائتلاف السوداني وقيادته للحكومة الحالية، ويريدون أن يكون للائتلاف حضور جيد في المرحلة المقبلة، وهذه التبرعات لا تخالف القانون بل هي أمر طبيعي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من يعتقد بأن الأحزاب سترد الدين أو المال على شكل صفقات فهو مخطئ، لأنه ليست كل الأحزاب فاسدة، وقد يكون الاعتقاد صحيحاً لكنه لا ينطبق على ائتلاف الإعمار والتنمية".

وسبق أن انسحب ائتلاف "النصر" (بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي) من المشاركة في الانتخابات المقبلة لكي يصبح ثاني ائتلاف شيعي يقرر ذلك بعد التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري) الذي يتزعمه مقتدى الصدر. وذكر الائتلاف في بيان أنه "يرفض إشراك مرشحيه في انتخابات تقوم على المال السياسي وتفتقد إلى الحزم بفرض الضوابط القانونية المانعة من التلاعب وشراء الأصوات وتوظيف المال العام والمال الأجنبي واستغلال موارد الدولة"، مبيناً أن "مصداقية الكيان السياسي وأخلاقياته مرتبطة بسلوكه السياسي، وسلوكه السياسي هو الذي يحدد وزنه وتأثيره".

ومع إنفاق المزيد من المال مجهول المصدر من قبل معظم الأحزاب المشاركة بالانتخابات على حملاتها، قررت غالبية الحركات المدنية والليبرالية في العراق رفض المشاركة في الانتخابات. وأشار الناشط السياسي من محافظة النجف علي الحجيمي إلى أن "العملية الانتخابية مفرغة من محتواها، بل إنها لعبة ليست ديمقراطية، لأن من يملك المال الكثير يفوز، ومن لا يملك المال سيحصل على نتائج متدنية، بالتالي فهي آلية مفضوحة ولا تقترب من أدنى مظاهر الديمقراطية الحقيقية". وأضاف الحجيمي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الانتخابات في العراق تتحول تدريجياً إلى استعراض رمزي يعبر عن احتيال الأحزاب على العراقيين، حيث إن المحاصصة والتفاهم المبدئي عبر الأعراف التي سادت بعد عام 2003 لا تزال هي الحاكمة، ناهيك عن استخدام الطائفية والقومية في التعبير عن الحالة السياسية"، معتبراً أن "هذه الممارسات الحزبية تدفع نحو 80% من العراقيين إلى المقاطعة، سواء عبر حركات منظمة أو عفوياً".

أما الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، فقد لفت إلى أن "التبرعات التي تحصل عليها الأحزاب من التجار والمستثمرين ورجال الأعمال هدفها دعم الحزب للانتقال من مرحلة الترشح إلى مرحلة استلام السلطة، وهذه الأموال ستعود بفوائد مرة أخرى إلى المتبرعين، على شكل عقود وفرص استثمارية"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا المال يساهم بشراء الذمم والبطاقات الانتخابية بالإضافة إلى التحكم بسير العملية الديمقراطية، ويظهر في هذه الانتخابات أن معظم الأحزاب تلقت هذه الأموال من المتبرعين، في حين أن أحزاباً أخرى لديها أموال في خزائنها ومكاتبها الاقتصادية. بالإضافة لنوع آخر من الأحزاب مدعوم بمال خارجي من دول قريبة من العراق".

ويتنافس في الانتخابات التشريعية المقبلة أكثر من 300 حزب وكيان وتجمع سياسي، ويُسمح لأكثر من 25 مليون ناخب بالمشاركة فيها من أصل 46 مليون مواطن. وشهد العراق منذ الغزو الأميركي في عام 2003 خمس عمليات انتخابية، أولها في 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما حصلت الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واعتُمد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى. وأجريت الانتخابات الأخيرة في عام 2021 وفق الدوائر المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل، الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان على التعديل الثالث لقانون الانتخابات البرلمانية العراقية الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.

المساهمون