استمع إلى الملخص
- شعر الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالإحباط من الدعم الغربي، خاصة بعد تصريح بايدن بأن انضمام أوكرانيا للناتو قد يتأخر حتى 2030، مما ترك أوكرانيا تواجه روسيا بدعم غربي محدود.
- توترت العلاقات بين زيلينسكي وإدارة ترامب بسبب صفقة المعادن النادرة، حيث رفض زيلينسكي الشروط المجحفة، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين الطرفين.
لم تكن المشادة التاريخية التي انتهت بطرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من البيت الأبيض، وليدة لحظة الجدل، وإنما تعود إلى بضع سنوات مضت، مع انتهاء الفترة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعندما كانت روسيا تجدد تهديداتها لغزو أوكرانيا حال عدم التخلي عن فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو". وقتها كان موقف الولايات المتحدة ثابتاً وواضحاً "لا توجد دولة في العالم تحدد لنا من ينضم أو لا ينضم إلى الناتو". توافق ذلك مع رغبة أوكرانيا التخلي عن دور الضعيف والمحتل من روسيا، التي استولت على أماكن متعددة منها بدءاً من 2014.
تلقى زيلينسكي الوعود من الناتو والغرب والأهم من الولايات المتحدة، بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والمساعدة، والمساندة، والدعم. بدا كل شيء وردياً في ذهنه، فإما الانضمام إلى الحلف والتنعم بالحماية التي يوفرها لأعضائه، وإما أنه على الأقل لا مزيد من التوغل الروسي داخل حدود بلاده والفكاك مما يطلق عليه "الاستبداد الروسي" إلى الغرب الأوروبي الموحد. راهن زيلينسكي على أن أوكرانيا هي بوابة الأمن لأوروبا بأكمله، وبينما هو في هذا الرهان ومع رفض كامل من قبل إدارة الرئيس جو بايدن للموقف الروسي، والتي قالت إنه لا يمكن لروسيا أن تمتلك أي حق في منع أي دولة من دخول حلف الناتو. رفضت روسيا رسمياً الموقف الأميركي وأكدت أنه تراجع عن تعهدات سابقة أكدت فيها واشنطن أنها لن تسعى لضم الدول المجاورة لروسيا، خاصة أوكرانيا وجورجيا.
واصلت روسيا تهديداتها بالغزو، وواصلت أوكرانيا عنادها دفاعاً عما وصفته آنذاك بمبدأ السيادة على أرضها وحقها في اتخاذ أي قرارات تخص مستقبلها، ظناً أنه كلما زاد الخلاف كانت أقرب إلى الانضمام إلى الناتو، وأن الحلف سيقرر في النهاية أن تكون ضمن أعضائه، خاصة لما يمثله موقع أوكرانيا الجغرافي من أهمية لأوروبا ومجاورته لكل من بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا ومولدوفا، إضافة إلى روسيا وبيلاروسيا.
غير أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2021 مع رصد الاستخبارات الأميركية أن الغزو الروسي بات وشيكاً، كشفت شبكة سي أن أن، أن الرئيس الأوكراني كان محبطاً في مكالمة آنذاك مع الرئيس جو بايدن من موقف انضمام أوكرانيا إلى الناتو. يشير التقرير إلى أن بايدن أعطى نظيره الأوكراني الإشارة لإنهاء محادثاته الدبلوماسية آنذاك مع الجانب الروسي، وأنه أبلغه بتفاصيل العقوبات الصارمة التي ستفرض على روسيا. ولم يخفف من إحباط زيلينسكي أن بايدن قال له إن روسيا لن يكون لها حق الفيتو على انضمام كييف إلى حلف الأطلسي، لكن أقرب توقيت لانضمام دولته سيكون في 2030 على أحسن التقديرات.
كان الوقت متأخراً جداً أمام أوكرانيا لتتبرأ من الانضمام إلى الحلف، وهو الأمر الذي كان يطالب بوتين بالتعهد به مقابل التخلي عن الحرب، وكان الأمل أكبر أن الغرب قادر على مساندته. بدأت الحرب، ووجد الأوكرانيون أنفسهم في الواجهة، وقررت أميركا والدول الأوروبية عدم التورط مباشرة في الحرب والاكتفاء بالدعم السياسي وإرسال الأسلحة والمال إلى الأوكرانيين للدفاع عن أنفسهم. كان منبع إحباط زيلينسكي أنه شعر في لحظة ما أنه ابتلع طعم أن الغرب سيقف معهم. كان يريد أن يقف الغرب معه بطريقته التي يرغب فيها بتعجيل الضم إلى "الأطلسي"، في حين اختار الغرب طريقته الخاصة وهي التزويد بالسلاح والعقوبات والدعم المالي والعسكري والسياسي من دون التورط مباشرة في حرب مع روسيا متوقعاً أنها قد تنجح. ربما كانت كلمة زيلينسكي في لقائه مع ترامب أمس وهو يقول "لقد تُركنا وحدنا منذ 2014"، إشارة إلى هذا، فقد كانت طموحاته أكبر من الدعم بالمال والسلاح.
إهانات حاضرة ضد زيلينسكي.. منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض
كانت الإهانات حاضرة بحق زيلينسكي منذ وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. أعلن أنه سيتفاوض مع الرئيس الروسي بوتين. يرى الأوكرانيون أنهم تركوا وحدهم في أرض المعركة، بينما يرى الرئيس الأميركي ترامب أن الوقت قد حان لإيقاف هذه الحرب، لكن بالطريقة الترامبية التي يعتبرها صفقة. حديث ترامب الدائم عن الوضع في أوكرانيا بدا تخلياً بشكل كامل عنها، فهو يرغب في صفقة، أي صفقة تنهي هذه الحرب، لكن بدا من خلال تصريحاته أنه ليس شرطاً أن تكون هذا الصفقة "عادلة"، وهو ما يظهر في علاقاته مع حلفائه منذ وصوله إلى الرئاسة.
بدأ ترامب مشروعه لفرض السلام على أوكرانيا، ويعرف ترامب وزيلينسكي تماماً أن روسيا قادرة على ابتلاعها حال تخلي أميركا عنها، ردد ترامب هذه الجملة أمس أكثر من مرة، واعترف بها زيلينسكي. قرر ترامب بدء مفاوضات السلام مع روسيا من دون حضور أوكرانيا الطرف صاحب المشكلة من الأساس. استند الرئيس الأميركي في رؤيته لحل الصراع على بدئه لمحادثات السلام انطلاقاً من رغبته في الوصول إلى اتفاق ربما يكون مدفوعاً برغبة كان قد أعلنها مسبقاً في فترته الأولى بالحصول على نوبل للسلام، وتتضمن هذه الرؤية قبول أوكرانيا التنازل عن أراضيها، ونسيان فكرة انضمامها إلى الناتو من الأساس، مع استبعاد قيام قوات أميركية بأي دور لحفظ السلام بين الدولتين. في الوقت ذاته همش من دور القارة الأوروبية تماماً رغم تصريحه في أكثر من مناسبة أنها قضية أوروبية بالأساس.
صندوق السيادة الأميركية للثروة
على مدى الأسابيع الماضية، تفتق ذهن ترامب عن صندوق سيادي أميركي للثروة، لكن من أين سيمول الصندوق في دولة تجاوز حجم الدين فيها 36 تريليون دولار. لاحقاً تحدث ترامب عن ضرورة استعادة أميركا للأموال التي دفعتها لأوكرانيا، وذكر في إحدى المرات أن هذه الأموال ستكون هي أساس هذا الصندوق. ربط ترامب بين تدخله لإنهاء الحرب والحصول على نحو 500 مليار دولار من الثروة المعدنية من أوكرانيا، وذكر أنه ستكون أساس الصندوق السيادي الأميركي. رد الجانب الأوكراني بأنهم حصلوا فقط من الولايات المتحدة على 100 مليار دولار، في حين قال ترامب إنها 350 ملياراً. كانت الإهانة التي تلقاها زيلينسكي عندما توجه وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، إلى كييف من أجل الحصول على توقيعه لصفقة المعادن النادرة التي يرغب ترامب أن يتباهى فيها بقدراته على عقد الصفقات. وجد الرئيس الأوكراني أن شروطها مجحفة، فرفض التوقيع. أشارت التقارير إلى أن وزير الخزانة منحه ساعة واحدة للتوقيع وسلمه وثيقة من شأنها منح الولايات المتحدة نصف المعادن الأرضية في أوكرانيا، غير أنه رفض، وردّ عليه وزير الخزانة بأنه إذا لم يوقع على الوثيقة خلال ساعة فسيُلغى الاجتماع المقبل مع نائب الرئيس الأميركي.
لاحقاً وصف ترامب، زيلينسكي بأنه ديكتاتور، في حين وصف جي دي فانس الرئيس الأوكراني بالغباء بسبب لقاءاته بقادة الدول الأوروبية، وقال في تصريحات في مؤتمر (CPAC)، "بلده لن تكون موجودة لولا كرم الولايات المتحدة الأميركية، وإذا لم تتفق مع الرئيس فالتقط الهاتف واتصل به، ولا تذهب في جولة حول أوروبا وتنتقد وتسيء إلى رئيس أميركا".
مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، دعا الرئيس الأوكراني بالعودة إلى طاولة المفاوضات وقبول صفقة المعادن النادرة مع الولايات المتحدة، وقال "قدمنا للأوكرانيين فرصة تاريخية لا تصدق من خلال استثمار الولايات المتحدة في اقتصادها ومواردها الطبيعية"، مشيراً إلى أن هناك إمكانية تسوية الخلاف.
على مدار الثمانية أيام الماضية، بدا أمام العالم أنها صفقة إذعان، كانت طريقة ترامب المسرحية توحي بذلك، خاصة مع الأنباء أنه يرغب في الحصول على ثلاثة أضعاف ما دفعته الولايات المتحدة. لكن زيلينسكي -الذي يظن أنه يجب أن يكون في مكانة إسرائيل نفسها عند الولايات المتحدة- ربط بين الصفقة وضمانات أمنية لأوكرانيا، وهو الذي كان خطاً أحمر لترامب الذي قال: لا التزامات أمنية ولا انضمام إلى الناتو"، ثم أعلن أن زيلينسكي سيصل إلى البيت الأبيض للتوقيع على الصفقة.
منذ اللحظة الأولى لوصول زيلينسكي، كانت الإهانات حاضرة من قبل الرئيس دونالد له، رغم أنه استقبله على باب البيت الأبيض، إذ مزح ترامب ساخراً عندما رآه وقال "لقد ارتدى شيئاً رسمياً اليوم". كان زيلينسكي يرتدي قميصاً أسود طويل الكمين عليه شعار أوكرانيا. موقع أكسيوس قال إن ترامب كان منزعجاً لعدم ارتداء الرئيس الأوكراني ملابس رسمية رغم طلب فريق الرئيس ذلك. لاحقاً أحرجه صحافي خلال الإحاطة الصحافية التي سبقت الاجتماع الرسمي بين الرئيسين وتوقيع اتفاق المعادن النادرة، وسأله: لماذا لا ترتدي بدلة، ألا تملك واحدة؟"، تعالت ضحكات الصحافيين، فرد عليه "ما هي مشكلتك؟"، فأكمل الصحافي أن الكثير من الأميركيين لديهم مشكلة مع عدم احترامك لمكانة هذا المكتب (البيضاوي)، فرد الرئيس الأوكراني "سأرتدي واحدة، ربما عندما تنتهي الحرب، ربما مثل التي لديك أو أفضل أو أرخص".
كانت اللحظة التي استفزّت زيلينكسي الذي بدا متململاً مما يدور حوله، عندما كرر نائب الرئيس الأميركي حديثه عن الدبلوماسية. يعرف أنه في وضع ضعيف، فقال: هل يمكن أن أسألك سؤالاً؟ أي دبلوماسية تتحدث عنها؟"، جى دي فانس غضب بشدة ووصف تعليقه بغير اللائق. في ذروة غضبه دفع ترامب زيلينسكي جسدياً أثناء جدالهم المحتدم، ووصفه بعدم الاحترام، في "مشهد تاريخي" لا علاقة له بالبروتوكول ولا الدبلوماسية ولا المصالح الاستراتيجية ولا السلام العالمي، ولا حتى كرم الضيافة.