لماذا تتجاهل السلطة الجزائرية دعوات الأحزاب المكثفة لإطلاق حوار وطني؟

28 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 18:24 (توقيت القدس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الأحزاب السياسية في الجزائر إلى حوار وطني شامل لتعزيز الديمقراطية والحريات، بينما تركز السلطة على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، مما يثير تساؤلات حول تجاهل الحوار السياسي.
- قادة الأحزاب مثل يوسف أوشيش وعبد العالي حساني يدعون إلى توافقات وطنية لتجاوز الأزمات وتحقيق "الجمهورية الثانية"، محذرين من استمرار التسيير الأمني والإقصاء السياسي.
- رغم الإجماع على ضرورة الحوار، تظل السلطة غير متجاوبة، مكتفية باستقبال ظرفي لبعض القادة، مما يعكس انسداداً ديمقراطياً وتأخر الحوار الوطني.

ترافع الأحزاب السياسية في الجزائر منذ فترة من أجل إطلاق حوار سياسي وطني، وتوجه باستمرار دعوات إلى السلطة بشأن فتح المجال السياسي والإعلامي وتغيير نهج السياسات المتعلقة بالشأن العام، لكنّها لا تجد رداً إيجابياً من السلطة التي تبدو غير منتبهة إلى هذه المطالبات، وتستمر في التركيز على خيارات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي بوصفها أولويةً في الوقت الراهن.

وقال السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، في لقاء سياسي، السبت، "ما زلنا نجدّد الدعوة إلى الحوار، وندعو السلطة وكل القوى الحية إلى الحوار والتجنّد من أجل التوافق الاستراتيجي للدولة الجزائرية في إطار عقد وطني، حول القواعد والمبادئ التي تسير الحياة العامة ومن أجل تكريس الديمقراطية والحريات"، مضيفاً "لا يمكن أن نصل إلى هذا الهدف النبيل في حال استمر التسيير الأمني المفرط للشأن العام، والإقصاء الممنهج للمجتمع السياسي الذي لا يقوي الدفاعات الوطنية، لذلك نحن نرافع من أجل حلول سياسية متوافق عليها تنبثق من حوار جماعي يجري بناؤه على نحوٍ مشترك".

في السياق نفسه، قال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني، في ندوة عقدت السبت بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم الإسلامي محفوظ نحناح، إنّه "يتعين استيعاب الدروس السياسية من المراحل والإخفاقات السابقة، والبدء في حوار وطني يفكّك كل عوامل الأزمة والإحباط المسجل، ويتيح فرصة أكبر للقوى السياسية كافة للتعاون والتوافق حول المخرجات والسياسات المتبعة لحل ومواجهة كل المصاعب التي تعيشها البلاد"، وهي نفس الأفكار التي كان حملها البيان الأخير للحركة الأسبوع الماضي، والتي حذرت من خلاله السلطة من "غياب الحوار الوطني الجاد والمسؤول"، ودعت إلى "ضرورة تجاوز حالة الجمود السياسي، وبناء حالة إجماع وطني حول مختلف القضايا الوطنية، بما يشمل كل الفواعل السياسية والمجتمعية والمؤسّساتية، لمعالجة كل الاختلالات".

قبل ذلك، كان رئيس حزب جيل جديد (تقدمي)، جيلالي سفيان، قد نشر الخميس الماضي، تقدير موقف سياسي حذّر فيه السلطة من الاستمرار في نهج السياسات الراهنة، وطالب بتوافقات وطنية تتيح الانتقال إلى ما وصفها بـ"الجمهورية الثانية". وقال سفيان الذي يقدم قراءات سياسية بالغة الأهمية، إنّ "الوضع الحالي للبلاد يفرض بوضوح التوجه نحو تغيير جذري، وإعادة صياغة مؤسّساتية توافقية وجوهرية، ورسم أفق وطني جديد، والجزائر بحاجة ماسة إلى الجمهورية الثانية"، في ظل "فقدان عميق لثقة المواطن، وعزوف عن المواطنة، وإحباط شامل يعمّ البلاد".

لكن اللافت أن تشكّل هذا الاجماع السياسي في الجزائر حول تقييم الوضع الحالي وضرورات فتح باب الحوار السياسي وبناء التوافقات الوطنية، لا يقابله في الجانب الآخر على صعيد السلطة، تجاوب أو رد فعل إيجابي، ومثل هذه الدعوات المستمرة، سبقتها عشرات الخطابات السياسية المماثلة والدعوات التي وجهتها القوى السياسية بشأن الحاجة إلى فتح حوار سياسي وطني يسبق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، للتوافق على محدّدات لإخراج البلاد من التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، دون أن تجد ردوداً إيجابية من السلطة والرئيس عبد المجيد تبون، الذي يكتفي في بعض الحالات تحت الضغط السياسي باستقبال ظرفي لبعض قادة الأحزاب السياسية، دون عناوين محدّدة، ما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت سلبية موقف السلطة إزاء هذه الدعوات تجاهلاً أم تضخماً للأنا السياسيّة لديها.

يفسر القيادي في حزب جيل جديد، حبيب إبراهمية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تعاطي السلطة مع دعوات الأحزاب إلى الحوار، بوجود ارتباك لديها في ما يتعلق بتصوّراتها الحقيقية للحوار. وقال في هذا الصدد: "سبق للرئيس تبون أن أعلن أنه سيطلق حواراً وطنياً بعد النتائج الهزيلة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نهاية 2024، لكنه تراجع لاحقاً وقال إنّ هذا الحوار سيجري في نهاية 2025، بعد حل المشاكل والقضايا المطروحة، والسؤال البديهي هو إذا كان الرئيس تبون قد حل كامل المشاكل السياسية والاقتصادية المطروحة، فما الحاجة إلى إقامة حوار، إلّا إذا كانت السلطة تريد صورة اتصالية فقط"، مضيفاً "أعتقد أن هذه الرؤية توضح علاقة السلطة بالحوار وكذا علاقتها ورؤيتها للأحزاب السياسية، لقد لاحظنا منذ ما بعد الحراك والانتخابات الرئاسية عام 2019، بوضوح أن هناك غلقاً كاملاً للمجال السياسي والإعلامي، وتضييقاً على النقابات، وهذا يوضح أن هناك خللاً كبيراً في منظومة السلطة وفي تصوّراتها للمسألة السياسية، وهذا ما يبرّر ويفسر تعاطيها مع مسألة الحوار، وهو تصور سيؤدي بالجزائر إلى مآلات انسداد متجدّد".

وفي رأي المحلّل السياسي جمال هديري، فإنّ "تعامل السلطة في الجزائر مع دعوات الأحزاب إلى حوار وطني، هو جزء من الاستعصاء الديمقراطي؛ إذ لا ترى السلطة في القوى السياسية طرفاً ذا صلة بصناعة السياسات أو التأثير عليها، ومع توفر الأغلبية النيابية والحزام الرئاسي الذي تؤمنه أحزاب الموالاة، فإنّ مسألة الحوار تصبح ثانوية وغير ذات أهمية بالنسبة للسلطة"، مضيفاً أن "الأحزاب في المقابل لا تملك القدرة وأدوات الضغط على السلطة لإجبارها أو دفعها إلى الاستجابة لمطالب الحوار، خاصّة مع تراجع وانعدام الفعل السياسي للشارع بفعل الإغلاق الذي تمارسه السلطة في السنوات الأخيرة، وهذا سيؤخر عملياً الحوار من جهة، ويضع السلطة التي تعتبر أن ذلك ليس من أولوياتها في أريحية، حتى مع وجود قناعة بأن هناك اختلالات سياسية تستحق النقاش الوطني".

المساهمون