لقطات الجنود الأسرى في غزة: ضغط على الداخل الإسرائيلي

04 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 08:21 (توقيت القدس)
الأسرى في غزة دافيد في فيديو "القسام"، 1 أغسطس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نشرت المقاومة الفلسطينية مقاطع فيديو للجنود الإسرائيليين الأسرى، مما أثار غضب عائلاتهم ودفعهم لمطالبة الحكومة بالاستجابة لمطالب حماس.
- استغل نتنياهو الفيديوهات للتنديد بحماس، متهماً إياها بتجويع الأسرى وسكان غزة، ودعا المجتمع الدولي للتنديد بها، بينما نددت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي بالصور.
- رأى المحللون أن التعامل الإسرائيلي مع الفيديوهات يأتي في إطار "دعائي"، حيث يسعى الاحتلال لاستغلالها ضد المقاومة، بينما تحاول المقاومة الضغط لتحقيق صفقة تبادل جديدة.

يقدر الاحتلال وجود 20 أسيراً على قيد الحياة لدى المقاومة في غزة

استغل نتنياهو هذه الفيديوهات ليعرب عن "صدمة عميقة" من المشاهد

إبراهيم: يسعى الاحتلال لاستغلال هذه المقاطع ضد المقاومة

استأنفت المقاومة الفلسطينية، ممثلة بـ"كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، و"سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، نشر مقاطع فيديو تظهر حالة الجنود الإسرائيليين الأسرى لديهما، بعد توقف لأكثر من شهرين عن نشر أي مقاطع مصورة لهم. وأظهر مقطعان نشرتهما "القسام"، الجمعة الماضي وأول من أمس السبت، للجندي أفيتار دافيد الأسير لديها، ومقطع آخر نشرته "سرايا القدس"، الخميس الماضي، للأسير لديها روم بارسلافسكي، واقعاً صحياً مغايراً لما كان يظهر في السابق الأسرى في غزة. وبدا الأسيران في واقع صحي نحل فيه جسداهما، فيما كان العنوان الأبرز لهذه الفيديوهات الثلاثة "يأكلون مما نأكل"، في دلالة على واقع المجاعة الذي يعيشه سكان القطاع، بفعل سياسة التجويع التي يفرضها الاحتلال، وهو ما ينسحب على الأسرى الإسرائيليين.

ويقدر الاحتلال وجود 20 أسيراً على قيد الحياة لدى المقاومة في قطاع غزة، فيما نحو 30 آخرين عبارة عن جثث، وقد قتلوا خلال الحرب بفعل القصف الإسرائيلي، أو خلال هجوم السابع من أكتوبر قبل نقلهم إلى القطاع. وأعاد نشر هذه المقاطع التساؤل عن تأثيراتها وتداعياتها على المشهد الداخلي الإسرائيلي، خصوصاً أن المقاومة سبق ونشرت عشرات المقاطع المصورة لأسرى إسرائيليين، فيما كان المستوى السياسي يتعامل معها بتجاهل. أما المستوى الشعبي الإسرائيلي، فكان عادة ما يصعّد التظاهرات للضغط على حكومته، مطالباً بإبرام اتفاق، وهو ما كانت تتنصل منه حكومة بنيامين نتنياهو عبر سلسلة من الإجراءات، سواء في فتح جبهات قتال إضافية أو المراوغة في ملف التفاوض. لكن موجة الغضب التي أظهرتها عائلات الأسرى الإسرائيليين في أعقاب نشر المقاطع الأخيرة، تبدو أكثر حدة من سابقتها، خصوصاً مع تزايد الاتهامات لنتنياهو بتجاهل ملف الأسرى في غزة لصالح أهداف سياسية.

وتحدثت بعض عائلات الأسرى السابقين والحاليين عن ضرورة الاستجابة لمطالب حركة حماس، إذ كتبت إيريس حاييم، والدة الأسير الإسرائيلي يوتام حاييم، الذي قتله جيش الاحتلال في الشجاعية في مدينة غزة، مع الأسيرين ألون شمريز وسامر طلالقة، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، على منصة إنستغرام، مساء أول من أمس السبت، أن "على إسرائيل أن توافق على مطالب حماس في المفاوضات من أجل الإفراج عن الأسرى، يجب الاستسلام. لست خائفة من قول ذلك. الاستسلام أقل فظاعة من ترك هؤلاء الأسرى يموتون جوعاً". وسبق أن أصدرت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين بياناً بناءً على طلب عائلة أفيتار دافيد، طالبت فيه وسائل الإعلام والمتابعين بعدم التواصل مع العائلة حتى إشعار آخر، نظراً لما تمر به من لحظات عصيبة عقب نشر المقطع الخاص بدافيد، الذي ظهر فيه وهو يحفر قبره بيده في دلالة على تردي حالته الصحية وانعدام الأمل بالوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.

استغل نتنياهو هذه الفيديوهات، ليعرب في بيان لمكتبه ليل السبت - الأحد، عن "صدمة عميقة" من المشاهد التي بثّتها "القسام" و"سرايا القدس". وأضاف البيان أن نتنياهو أبلغ عائلتي الأسيرين براسلافسكي ودافيد "أن الجهود متواصلة لإعادة كلّ الرهائن، وهي ستستمرّ دوماً بلا كل". واعتبر أن "لا حدود لقسوة حماس"، زاعماً أنه "بينما تسمح دولة إسرائيل بوصول المساعدة الإنسانية إلى سكان غزة، يعمل عناصر حماس على تجويع رهائننا عمداً وتصويرهم بطريقة دنيئة ومقيتة". كذلك اتهم "عناصر حماس أيضاً بتجويع سكان قطاع غزة عمداً من خلال منعهم من الحصول على المساعدة، مروّجين لحملة دعائية افترائية في حقّ إسرائيل". ودعا "دول العالم إلى رصّ الصفوف للتنديد بوضوح بالانتهاكات الإجرامية النازية التي ترتكبها منظمة حماس الإرهابية".

وسريعاً نددت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في منشور على منصة إكس، أمس الأحد، بـ"الصور المروعة للرهينتين الإسرائيليين" اللذين ظهرا في مقاطع الفيديو الثلاثة، مطالبة بالإفراج "الفوري" عن جميع الأسرى في غزة. ووصفت المقاطع بأنها "مروعة وتشهد على همجية حماس"، مشددة على أن "على حماس إلقاء السلاح وإنهاء حكمها لغزة... في الوقت ذاته، يتعيّن السماح بوصول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع للمحتاجين" إليها في القطاع.

تأثير المتطرفين

في هذا الصدد قال الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي، سليمان بشارات، إن "الخطاب السياسي الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بات يدار تحت تأثير التيار اليميني المتطرف، الذي يروّج لفكرة أن الحرب على غزة حرب وجودية أو حرب قيامة". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن ذلك "دفع الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، إلى محاولة منع ظهور أي ملامح ضعف أمام رسائل المقاومة، بما فيها الفيديوهات التي تنشرها حول الأسرى في غزة".

سليمان بشارات: المشهد الداخلي الإسرائيلي لا يزال غير مستقر

وبذلت المؤسسة الأمنية والإعلامية الإسرائيلية، وفق بشارات، "من خلال الرقابة العسكرية والإعلامية، جهوداً كبيرة لحجب هذه المشاهد عن الشارع الإسرائيلي، لكن هذا الحجب بدأ يتآكل أخيراً، وأصبحت هذه الفيديوهات تجد طريقها إلى الجمهور الإسرائيلي، نظراً لأنها تمسّ مباشرة قضية إنسانية تمسّ مصير حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة". وفي رأي بشارات، فإن "تأثير هذه المشاهد يمكن قراءته ضمن مسارين: الأول تآكل الثقة بين الشارع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية، خصوصاً في ظل غياب قيادة جماهيرية قادرة على تحويل هذا التململ الشعبي إلى ضغط سياسي فعلي". أما المسار الثاني، فهو "التدخل الأميركي المستمر، الذي بدا أوضح في عهد إدارة دونالد ترامب أخيراً، إذ تسعى واشنطن لامتصاص أي ردود فعل شعبية عبر تبنّي رواية نتنياهو ومنحه الغطاء الكامل".

وأشار إلى أن "الاحتلال يحاول الترويج لفكرة أن استمرار العمليات العسكرية هو السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى في غزة وضمان أمن الإسرائيليين، حتى لو تطلّب الأمر دفع أثمان باهظة"، مضيفاً أنه "خطاب جديد بدأ يظهر لأول مرة بهذا الشكل داخل المجتمع الإسرائيلي". وفي ما اعتبره بشارات "نقطة تحوّل"، بدأت بعض الأصوات داخل إسرائيل "تعترف بأن ما يجري في غزة تجويع ممنهج، وليس فقط حرباً عسكرية، ما يمنح مصداقية أكبر للرواية الفلسطينية، ويفضح محاولات الاحتلال والولايات المتحدة لطمس الحقائق الإنسانية على الأرض". وفي اعتقاده، فإنّ "المشهد الداخلي الإسرائيلي لا يزال غير مستقر... صحيح أن هناك نجاحاً نسبياً في امتصاص الغضب الشعبي عبر التلاعب الإعلامي والسياسي، لكن في حال استمرار الحرب، وتصاعد مشاهد الأسرى ومعاناة غزة، قد نشهد تحوّلاً حقيقياً في شكل ضغط شعبي يمكن أن يجبر القيادة السياسية على التراجع أو تغيير نهجها".

توظيف دعائي لملف الأسرى في غزة

أما الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، فرأى أن التعامل الإسرائيلي منذ بداية حرب الإبادة مع مقاطع الفيديو التي تنشرها المقاومة، وحركة حماس على وجه الخصوص، يأتي في إطار "دعائي" وحرب "البروباغندا". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتلال لم يتعامل بجدية مع مقاطع الفيديو التي سبق أن نشرت طوال فترة حرب الإبادة المستمرة للعام الثاني على التوالي"، معتبراً أن "هذا الأمر يجعل وتيرة الضغط محدودة على الحكومة الإسرائيلية".

مصطفى إبراهيم: المقاومة تسعى للضغط على الشارع الإسرائيلي للوصول إلى اتفاق

ويسعى الاحتلال، وفق إبراهيم، لاستغلال هذه المقاطع "للترويج ضد المقاومة الفلسطينية بأنها لا تعامل الأسرى الإسرائيليين في واقع صحي وإيجابي، وأنها مجرد مقاطع للضغط السياسي"، مشيراً إلى أن "وجهة النظر الفلسطينية مختلفة، إذ تسعى الأذرع العسكرية من خلال هذه المقاطع للضغط على الشارع الإسرائيلي للوصول إلى صفقة تبادل جديدة يُوقف من خلالها إطلاق النار في غزة". وتوقع إبراهيم أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على استغلال مقاطع الفيديو بطريقتها، "خصوصاً مع ضعف قدرة عائلات الأسرى على التأثير بحكومتها أو الشارع الإسرائيلي". وفي رأيه "قدرة هذه المقاطع على التأثير في شكل المشهد الداخلي ستظل محدودة في ظل الدعاية الإسرائيلية الرسمية عبر جهاز الهسبارة (يضم وكالات حكومية ووزارات ومراكز بحوث ومنظّمات غير حكومية) أو حتى الرواية الرسمية من خلال الخارجية الإسرائيلية والحكومة".