لقاء نتنياهو وترامب.. اجتماع التناقضات

04 فبراير 2025
ترامب ونتنياهو في القدس المحتلة، 23 مايو 2017 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة تُعد حاسمة لتحديد مسار التطورات في المنطقة، بما في ذلك مصير اتفاق وقف إطلاق النار مع "حماس"، وإنهاء الحرب على غزة، وفرص التطبيع مع السعودية، والتفاهم حول المشروع النووي الإيراني.

- يواجه نتنياهو تحديات داخلية، حيث أظهر استطلاع أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مما يضعه في موقف معقد بين التحالف الحكومي والضغوط الأميركية.

- تصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة أثارت جدلاً، بينما يُتوقع إعلان تطور في محادثات التطبيع مع السعودية، مما يضيف تحديات لنتنياهو.

بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، يجتمع خلالها بالرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الثلاثاء. وُصفت هذه الزيارة في الإعلام الإسرائيلي بأنها الأهم منذ بداية الحرب على غزة (السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023)، إذ يُتوقع أن تحدد مسار التطورات في المنطقة، بما يشمل مصير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، وإمكانية الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق التي تتضمن إنهاء الحرب على غزة، وفرص التقدم في مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية، إضافة إلى التفاهم حول آليات التعامل مع المشروع النووي الإيراني.

مصير اتفاق وقف إطلاق النار بعد لقاء نتنياهو وترامب

يأتي لقاء نتنياهو وترامب في خضم تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، وسط دعم كبير داخل المجتمع الإسرائيلي لعملية التبادل. في الوقت ذاته، يتزايد الإدراك داخل إسرائيل بأن الحرب على غزة لم تحقق جميع أهدافها الاستراتيجية، وأن الوقت قد حان لإنهائها. هذا التوجّه الشعبي يتعارض مع مواقف وأهداف نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف.
وفقاً لاستطلاع أجراه مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب ونُشر في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، فإن غالبية الإسرائيليين (67%) يؤيدون الاتفاق الحالي لإعادة المختطفين، مقابل 15% فقط يعارضونه. اللافت أن التأييد يتجاوز الانتماءات السياسية: 53% من مؤيدي اليمين، 79% من مؤيدي الوسط، و88% من مؤيدي اليسار. بينما عارضه 25% من اليمين و7% فقط من الوسط واليسار.

غالبية الإسرائيليين (67%) يؤيدون الاتفاق الحالي لإعادة المختطفين، مقابل 15% فقط يعارضونه

الاستطلاع أظهر أيضاً تراجعاً في ثقة المجتمع الإسرائيلي بتحقيق أهداف الحرب، حيث يعتقد 41% فقط من المستطلعين أن الأهداف ستتحقق بالكامل أو إلى حد كبير، مقارنة بـ52% في استطلاع الشهر السابق. أيضاً، تراجع الشعور بإمكانية انتصار الجيش الإسرائيلي في غزة، إذ قال 55% فقط إنهم متأكدون أو يعتقدون بأن الجيش سينتصر، مقارنة بـ65% في الشهر السابق. بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يعتقد نحو نصف الجمهور الإسرائيلي (49%)، بأن الوقت قد حان لإنهاء الحرب في غزة، مقارنة بـ37% يعتقدون بأن الوقت لم يحن بعد لإنهاء الحرب.

في ظل هذه الأجواء، يواجه نتنياهو معضلة، بين الحاجة إلى الحفاظ على التحالف الحكومي وعدم الإعلان رسمياً عن إنهاء الحرب، وبين رغبة المجتمع الإسرائيلي في استمرار تبادل الأسرى والمخطوفين، ووقف الحرب، بالإضافة إلى الرغبة الأميركية في المضي قدماً في تنفيذ بنود الاتفاق، بما يشمل وقف العمليات العسكرية نهائياً والتقدم نحو صفقة مع السعودية. هذه التوجهات تبدو متناقضة إلى حد كبير، وهو ما يجعل موقف نتنياهو مركّباً.

في هذه المعطيات، وقبل الاجتماع بين نتنياهو وترامب، أطلق الرئيس الأميركي فكرة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، لتحتل صدارة اهتمام الرأي العام الإسرائيلي والعربي وتطغى على بقية المحاور، وربما لتشكل مخرجاً لنتنياهو من هذه التناقضات.

أفكار تهجير سكان غزة

لا يمكن بطبيعة الحال الاستهتار بتصريحات ترامب حول الحاجة لنقل سكان من قطاع غزة إلى مصر والأردن، باعتبار ذلك حلاً لقضية غزة. فمنذ أن طرح ترامب بتاريخ 25 يناير الماضي، رؤيته للوضع في قطاع غزة بعد حرب الإبادة وفكرة تطهير غزة المدمّرة بالكامل، عادت مشاريع التهجير إلى الواجهة. طرح ترامب قد لا يُترجم بشكل فوري على أرض الواقع. لكن الجديد والخطير فيه أنه يعطي شرعية دولية علنية لطرح التهجير، ويوضح للمجتمع الإسرائيلي، الذي اعتبر قسم منه سابقاً، خصوصاً أحزاب المركز واليسار وداعميهم، أن عملية التهجير غير واقعية، أنها قد تتحول إلى فكرة واقعية وقابلة للتنفيذ، بل بدعم من الرئيس الأميركي، وأنه بالإمكان ترجمتها في مرحلة ما على أرض الواقع.

لكن المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل (31 يناير 2025)، رأى أن فرص تنفيذ هذه الفكرة ضئيلة جداً، إذ إن قدرة الولايات المتحدة على فرض سياساتها وأفكار ومشاريع التهجير في الشرق الأوسط ليست كتلك التي تمتلكها في أميركا اللاتينية. كما رأى هارئيل أن مشاريع التهجير ستصطدم بروح النضال الفلسطيني ومواقف الدول العربية الرافضة، ما قد يعرقل تنفيذها.
أما محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس تسفي برئيل (2 فبراير/شباط الحالي)، فرأى أن الانشغال الإعلامي المكثف بفكرة التهجير، وتصويرها كأنها خطة قابلة للتنفيذ، يُشتت الانتباه عن القضية الأكثر إلحاحاً، وهي إدارة قطاع غزة بعد الحرب، ويهدد المرحلة الثانية من تنفيذ الاتفاق مع "حماس"، وقد يعيق استمرار إعادة المختطفين. ففي الوقت الحالي، يتطلب استكمال الاتفاق وإعادة كل الأسرى ليس فقط وقف الحرب، بل أيضاً الامتناع عن تجديدها، والانسحاب من غزة، والبدء في المناقشات حول إعادة الإعمار. وأشار برئيل إلى أن مجرد طرح هذه الفكرة على الطاولة قد يُعقد تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، إذ يمكن لـ"حماس" أن تضع إلغاء خطة التهجير باعتباره شرطاً إضافياً لاستكمال الاتفاق، وهو ما قد يجعل المختطفين الإسرائيليين رهائن لمصير سكان غزة.

يتطلب استكمال الاتفاق وإعادة كل الأسرى ليس فقط وقف الحرب، بل أيضاً الامتناع عن تجديدها، والانسحاب من غزة

على الرغم من رفض الدولتين العربيتين المعنيتين، مصر والأردن، لتصوّر ترامب، وحصولهما على دعم عدد من الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب في مصر قبل أيام، لا يمكن تجاهل احتمال أن مجرد عرض فكرة التهجير يمكن أن يفيد نتنياهو في عدة نواحٍ. أولاً إضفاء شرعية أميركية على فكرة التهجير؛ ثانياً إعطاء أمل، ولو كان وهمياً، لليمين المتطرف بإمكانية تنفيذها، وهو ما يساعد في الحفاظ على استقرار التحالف الحكومي؛ ثالثاً أن هذه الأفكار يمكن أن تؤدي إلى إفشال التقدم في تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمخطوفين، واتهام "حماس" بذلك وبأنها تريد الإبقاء على مخطوفين لكي تمنع عبر ذلك التهجير.
بهذه الطريقة، قد يتمكن نتنياهو من إفشال اتفاق وقف إطلاق النار من دون أن يتحمّل المسؤولية مباشرة، ما يمكّنه من الاستمرار في الحرب على غزة، وإن كان ذلك بأساليب مختلفة، والحفاظ على التحالف الحكومي، حتى بعد استقالة حزب "القوة اليهودية" برئاسة ايتمار بن غفير من الحكومة، وحتى لو كان ذلك بعكس رغبات غالبية المجتمع الإسرائيلي.

التقدم نحو اتفاق مع السعودية

يشكّل لقاء نتنياهو وترامب نقطة مفصلية في رسم ملامح المرحلة المقبلة، سواء باستمرار الحرب أو بتنفيذ وقف إطلاق النار والانتقال إلى مناقشة إدارة غزة بعد الحرب ودور حركة حماس، مع السماح لإسرائيل باستمرار حربها على الضفة الغربية، إلى جانب بحث إمكانية اتفاق تطبيع مع السعودية، وهو ما يمثل أولوية بالنسبة لترامب.

بحسب الصحافي حاييم لفنسون من صحيفة هآرتس (2 فبراير الحالي)، من المتوقع أن يعلن نتنياهو وترامب خلال لقائهما في واشنطن، عن تطور المحادثات حول اتفاق التطبيع مع السعودية، وسط جهود يبذلها المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لتنسيق صياغة دقيقة للاتفاق بين الطرفين، من دون أن يتضح بعد ما إذا كان الحديث هو عن التوصل إلى اتفاق، أم عن إعلان رمزي من دون محتوى ملموس.

من المتوقع أن يعلن نتنياهو وترامب خلال لقائهما في واشنطن عن تطور المحادثات حول اتفاق التطبيع مع السعودية

هذا يوضح أن الرئيس الأميركي يولي اهتماماً خاصاً بالتقدم نحو اتفاق بين السعودية وإسرائيل، الذي يعني إنهاء الحرب على غزة، ويرى فيه مخرجاً للأزمة الحالية في المنطقة. لكنه يضع بذلك تحديات إضافية أمام نتنياهو ويخلق تناقضاً بين رغبة نتنياهو في عدم إنهاء الحرب على غزة، والحفاظ على التحالف الحكومي، وبين رغبات واهتمام ترامب في التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية.

هل يكون ترامب السبب بتفكك تحالف اليمين في إسرائيل؟

ترتيب العلاقات بين نتنياهو وترامب، والتفاهم حول أساليب العمل وتحديد الأولويات في المرحلة المقبلة، منها الاتفاق مع السعودية، سيكون لها تأثير، إلى حد بعيد، على مصير اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، لكنه يمكن أن يحدد أيضاً مصير حكومة نتنياهو الحالية، بحيث لا تضمن هذه المحاور والشروط بالضرورة استمرار التحالف الحكومي اليميني، وقد يؤدي إلى تفكك الحكومة.
المفارقة أن ترامب، صديق نتنياهو القديم الجديد، الذي كان يُنظر إليه باعتباره "المنقذ" من ضغوط الإدارة الأميركية السابقة، والسماح لإسرائيل بالقيام بخطوات عارضتها الإدارة السابقة، قد يكون السبب في تفكيك تحالف اليمين المتطرف الحاكم، إذا أصر على إنهاء الحرب على غزة والتقدم في مسار التطبيع مع السعودية، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار حكومة نتنياهو والدفع باتجاه انتخابات مبكرة.

المساهمون