استمع إلى الملخص
- الولايات المتحدة لجأت للحوار مع حماس بعد فشل الخيار العسكري، مما يعكس فقدان الثقة في حكومة نتنياهو، وتسعى إدارة ترامب لحل ملف الأسرى عبر التفاوض.
- اللقاءات تمثل اختراقاً في السياسة الأميركية تجاه حماس، حيث بدأت الولايات المتحدة في التحاور معها، مما قد يؤدي إلى تغيرات في السلوك الإسرائيلي تجاه غزة.
شكل إعلان واشنطن الرسمي عن لقاءات مباشرة عقدتها مع حركة حماس في الدوحة خلال الأيام الأخيرة مفاجأة في الأوساط الرسمية والشعبية، حتى للإسرائيليين أنفسهم، ولا سيما أن لقاءات حماس وأميركا تزامنت مع سيل من التهديدات التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب.
وتضع الولايات المتحدة حركة حماس على قوائم الإرهاب منذ عام 1997، فيما أصدرت منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 عشرات القرارات بحق شخصيات قيادية ومؤسسات محسوبة على الحركة، بتجميد أرصدتها ووضع قادتها على قوائم الإرهاب، مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري ومحمد الضيف وشخصيات قيادية أخرى.
طاهر النونو: عدة لقاءات عقدت بين قيادات حماس والمبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بوهلر
وجاءت لقاءات حماس وأميركا التي عقدت في الدوحة في بداية الأمر، لتتجاوز الحوارات غير المباشرة التي تجري بين الاحتلال والحركة عبر وساطة قطرية ومصرية تستهدف الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق بعدما انتهت المرحلة الأولى منه. وأكد القيادي في حماس طاهر النونو، لوكالة رويترز، أمس الأحد، أن عدة لقاءات عقدت بين قيادات الحركة والمبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بوهلر. وقال: "عدة لقاءت تمت بالفعل في الدوحة، تركزت حول إطلاق سراح أحد الأسرى مزدوجي الجنسية، وتعاملنا بإيجابية ومرونة كبيرة بما يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني". وكان من اللافت أن لقاءات حماس وأميركا ظلت سرية ولم يفصح عنها الطرف الأميركي أو حتى حماس، إلا أن التسريب جاء عبر صحافيين إسرائيليين في البداية، ما يعكس انزعاجاً إسرائيلياً ولا سيما من حكومة بنيامين نتنياهو التي ترغب في استكمال الحرب والاكتفاء بالمرحلة الأولى من الاتفاق.
ووفقاً لتسريبات إعلامية، فإنّ أربعة لقاءات شهدتها الدوحة الأسبوع الماضي، كان الهدف منها التوصل إلى صفقة جزئية مع حركة حماس من أجل الإفراج عن جندي حي وأربع جثث، جميعهم يحملون الجنسية الأميركية، لكن تبيّن للحركة لاحقاً أنّ ترامب يريد الافراج عنهم من دون مقابل. ورغم سيل التسريبات الكبير بشأن لقاءات حماس وأميركا وتفاصيله، إلا أن الحركة كانت رفضت الإعلان عن الاجتماع بشكل رسمي والخوض في تفاصيله، بالرغم من بعض التسريبات الإعلامية التي تحدثت في جزئيات ضيقة.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر قيادية في حماس أن الحركة أصدرت تعليمات لقياداتها والمتحدثين باسمها بعدم الحديث عن تفاصيل لقاءات حماس وأميركا في الوقت الراهن، في ظل عدم التوصل لأي اتفاق. في المقابل، نفى القيادي في حماس محمود مرداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون الحركة نقلت رسائل للوسطاء بانفتاحها على هدنة مؤقتة في قطاع غزة، وتمسّكها التام بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في يناير/كانون الثاني الماضي. وأضاف مرداوي أن حركة حماس ترى أنه من الضروري الانتقال إلى مفاوضات المرحلة الثانية وفقاً للمحددات المتفق عليها في الاتفاق المبرم بوساطة مصرية وقطرية، والذي انتهت مرحلته الأولى قبل أكثر من أسبوع.
وتستأنف المفاوضات، اليوم الاثنين، في الدوحة، بعد أن قرر نتنياهو إرسال وفد التفاوض الذي يضم في عضويته نائب رئيس "الشاباك" ومنسق شؤون "الرهائن" ومستشار نتنياهو السياسي.
دوافع أميركية وراء الحوار
ورأى الكاتب والمحلل السياسي رأفت نبهان، أنّ التوجه الأميركي نحو الحوار مع حماس جاء نتيجة لرأيها في أن الخيار العسكري فشل في القضاء على المقاومة وحركة حماس، إلى جانب الفشل في استعادة الأسرى الإسرائيليين على مدار عام وثلاثة أشهر. وقال نبهان، لـ"العربي الجديد"، إن ترامب ذهب باتجاه الحوار مع حركة حماس، في محاولة الوصول لاتفاق مباشر معها حول الحرب في غزة، إلى جانب فشل الاستراتيجية التي أعلن عنها بتهجير الشعب الفلسطيني، سواء عبر مشاهد العودة أو عبر الموقف العربي والإسلامي.
رأفت نبهان: ذهاب أميركا نحو الحوار مع حماس بمثابة تعبير عن فقدان الثقة في نتنياهو
واعتبر أن الذهاب الأميركي نحو الحوار يأتي بمثابة تعبير عن فقدان الثقة في نتنياهو الذي يناور من أجل تدمير الاتفاق مع حماس وعدم الولوج نحو المرحلة الثانية منه، في وقت ترى إدارة ترامب أن ملف الأسرى لن يحل إلا عبر المسار التفاوضي. وأشار نبهان إلى أن أهمية لقاءات حماس وأميركا تكمن في الرغبة الأميركية في عدم تفجر الموقف ومحاولة الحفاظ على وقف إطلاق النار، عدا عن كونها تشكل إحراجاً شخصياً لنتنياهو وحكومته التي لا تريد استكمال الصفقة والعودة للحرب لمنع انهيار الائتلاف الحكومي. ووفق نبهان، فإن حماس ستتعامل مع الطرف الأميركي باعتباره الداعم للاحتلال في الحرب، حيث ترى الحركة أن قرار عودة الحرب أو وقفها في واشنطن، وبالتالي تسعى لتحقيق أهدافها وتحقيق وقف الحرب نهائياً وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
وكان موقع واللا الإسرائيلي كشف، أول من أمس، عن اتصالات جرت بشكل غير مباشر بين حركة حماس وإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بهدف الوصول إلى صفقة جزئية، إلا أنها لم تكتمل بفعل طلب الحركة الإفراج عن أسرى فلسطينيين ووقف الحرب، وهو أمر لم يكن ممكناً بحسب الموقع.
لقاءات حماس وأميركا تمثل اختراقاً غير متوقع
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون إن ما جرى اختراق غير متوقع في السياسة الشرق أوسطية، إذ لطالما اشترطت الولايات المتحدة اعتراف حماس بإسرائيل لفتح الأبواب أمامها وإشراكها في المشهد السياسي، لكن بعد السابع من أكتوبر 2023، وإثبات الحركة قوتها وقدرتها على الصمود في مواجهة واحدة من أعنف الحروب، يبدو أن هناك تغيراً في الموقف الأميركي. واعتبر المدهون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن تتجه نحو استيعاب الحركة والتحاور معها بدلاً من تجاهلها أو تجاوزها، حيث إن هذه الحوارات، رغم كونها فنية ومرتبطة بملف الأسرى الإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأميركية، فهي تحمل في طياتها آفاقاً واسعة إذا تم استثمارها بشكل صحيح.
وأشار إلى أنه رغم أن هذه المفاوضات لم تصل إلى نتائج حاسمة، فقد حرّكت المياه الراكدة، وأرسلت رسالة قوية إلى الاحتلال الإسرائيلي مفادها أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى استمرار الحرب، بل تبحث عن حل. ولا يستبعد المدهون أن تشهد الفترة المقبلة تغيراً في السلوك الإسرائيلي تجاه التعامل مع ملف قطاع غزة، خلافاً للموقف الحالي الذي تتبناه حكومة نتنياهو في التعامل مع الاتفاق الموقّع قبل أسابيع، مذكراً بأن الولايات المتحدة لم تتجاوز المسار التفاوضي التقليدي، لكنها سلكت مساراً موازياً، إن لم يكن معاكساً للمفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي، ففي حين أن صفقة التبادل تُدار برعاية مصر وقطر، اختارت أميركا مساراً آخر، يركز على التفاوض بشأن الأسرى الإسرائيليين من حملة الجنسية الأميركية.